الحيوانات.. أرواح مهملة في الحرب السورية

tag icon ع ع ع

تسبب النزاع السوري، بسنواته الثماني، بمقتل نصف مليون إنسان، وترك نصف السكان لديارهم بين نازح ولاجئ، مدن عديدة أحيلت إلى ركام، مع اقتصاد منهار وأزمات خانقة.

وفي حين تتناقل وسائل الإعلام العالمية الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرب يومًا بعد يوم، غالبًا تغيب الحيوانات العاجزة عن المشهد.

مع تعرضها لسقوط القنابل، وإطلاق النار، وانهيار الأبنية، ونقص الغذاء، لا صوت يسمع لها وسط ضجيج الحرب، ولا أحد يلتفت لمعاناتها وسط المعمعة المتوحشة للصراع السوري، إلا ما ندر.

لا ينقصها الشعور

“كانت المهور تولد مشلولة أو ميتة لأن أمهاتها كن مرعوبات للغاية”، هذا ما قاله مدرب الخيول، جهاد الزعبي، واصفًا لوكالة الأنباء الفرنسية، أثر الصدمة التي تعرضت لها إناث الأحصنة الحوامل، من غارة إسرائيلية قرب مزرعته، “الأحصنة حساسة للغاية، والأصوات التي يسمعونها تؤثر عليهم بشدة”.

في الديماس غربي دمشق، جُمعت الخيول العربية الناجية من العمليات العسكرية في المناطق القريبة، تتلقى العلاج هناك من الآثار الجسدية والنفسية التي سببتها لهم الحرب، حسبما نقلت الوكالة في 2 آذار.

من بينها “كارين” آخر فرس من الفرع السوري لسلسلة الهدباء العربية الصافية (هدباء انزحي القوارعة). عمر كارين اليوم 11 عامًا وكانت “ملكة جمال كل الأحصنة” على حد تعبير صاحبها الطبيب البيطري أحمد شريدة، لكنها اليوم ضعيفة ومنطوية على نفسها غير قادرة على الصهيل حتى.

الفرس كارين (AFP)

الفرس كارين (AFP)

وفي عام 2016، تعرض حصان للصدمة جراء سماعه لتفجير لدرجة أنه وخلال ساعات قتل نفسه، “ضرب رأسه على المعدن حتى توفي”، حسبما قال الزعبي.

أما عن حصيلة خسائر الحرب، قال محمد غيث الشايب، رئيس مكتب مديرية الخيول العربية الأصيلة في سوريا، “الخيول تأثرت بشدة أيضًا، مثلنا تمامًا، لقد نزحت أيضًا، وخطفت وقتلت”.

ومن بين 8500 خيل سجلتها سوريا في منظمة الخيل العربي العالمية عام 2011، تم فقدان 3000 في الحرب.

مهمة الإنقاذ من “عالم السحر”

في تموز 2017 تم إنقاذ ثلاثة أسود، بينها لبوة حامل ولدت بعد ساعات من إنقاذها، ونمرين، ودبين آسيويين سود، وضبعين مرقطين، كانوا في منتزه “عالم السحر” على أطراف حلب، من قبل فريق دولي ترأسه الطبيب البيطري المصري أمير خليل.

كان هنالك “300 حيوان ربما” حينما اندلعت الحرب، وفقًا لمالك الحديقة، عزام مصاصاتي، بعضها مات بالقصف وبعضها علق وسط إطلاق النار، بعضها مرض أو قضى من الجوع، وبعضها تم بيعه ربما في السوق السوداء، على حد قوله.

النمر سلطان (ناشونال جيوغرافيك)

النمر سلطان (ناشونال جيوغرافيك)

ولكن بعد جهود هائلة للتوسط لإخراج الحيوانات وبمهمة صعبة تم إخراجها عبر الحدود التركية ومن ثم تم نقلها إلى الأردن، حسبما نقلت مجلة ناشونال جيوغرافيك.

في محمية “المأوى” في محافظة جرش الأردنية، يتحسن الدب “لوز” تدريجيًا وبدأ بنسيان الحرب، في أيامه الأولى في الأردن كان يركض ويختبئ كلما سمع صوت شاحنة أو طائرة هليكوبتر. ما زال قلقًا ولكن خوفه تضاءل، حسبما نقل موقع “ميدل إيست آي“، في 20 كانون الأول 2018.

الدب لوز (MEE)

الدب لوز (MEE)

أما الدبة “لولا” فوصف الدكتور خليل في حديثه لصحيفة “التلغراف” البريطانية، في 20 كانون الأول 2017، معاناتها من الجوع والجفاف وشدة التوتر التي سببت قيامها بأكل أولادها، “كانت خائفة، ولم تحصل على تغذية جيدة، ولم تملك حليبًا جيدًا، وكانت أمًا، علمت أنها غير قادرة على حماية صغارها. الحيوانات تقوم بذلك تحت الضغط”.

ومن بين الأسود الثلاثة، تم نقل الأسد “سعيد” الذي كان عمره سنتين حينما تم إنقاذه من المنتزه، إلى جنوب إفريقيا لمحمية “LIONSROCK” في شباط 2018، تحت رعاية منظمة “Four Paws” الدولية لحماية الحيوانات.

عاد إليه الدكتور خليل بعد أقل من عام، ووجد أنه قد بدأ بالتحسن، وقال متحدثًا لمجلة “بيبول” الأمريكية، “كان قبلًا حينما تمر طائرة يتذكر الحرب والقنابل والتفجيرات. لديه ذكريات. لم تنته الصدمة بعد، ما زال أمامه وقت طويل”.

الأسد سعيد (بيبول)

الأسد سعيد (بيبول)

البحث عن الملاذ الآمن

ازدادت أعداد الغزلان الجبلية في محافظة هاتاي جنوبي تركيا مع انتقالها من سوريا إلى الشمال جراء الحرب، حسبما نقلت صحيفة “الديلي صباح” في 20 تشرين الثاني 2018.

غزال جبلي (وكالة الأناضول)

غزال جبلي (وكالة الأناضول)

ففي حين لم يكن عددها سوى 80 إلى 100 في مقاطعة كيريخان عام 2010، وصل إلى 670 عام 2018، حسب مؤسسة هاتاي للمحميات الطبيعية (TOKADER).

وحسبما ذكر مدير المؤسسة، عبد الله أغونتش، فقد تلقت الغزلان العلاج، المصابة منها خاصة، في مراكز أنشئت في هاتاي وثم تم إطلاقها في الطبيعة.

و”بعد أن تبلغ عددًا معينًا من المخطط أن يتم إطلاقها في مناطق مختلفة من بلادنا المناسبة لبيئتها الطبيعية الحالية. الهدف هو منع انقراض السلالة في حال انتشر وباء مرضي ولتشجيع نموها في مناطق أخرى”، أضاف مدير المؤسسة.

كما تعمل المؤسسة على تنظيم برامج تعليمية للرعاة ولطلاب المدارس الابتدائية في البلدات الحدودية للدعوة لحماية الغزلان.

التعذيب أيضًا

لم تسلم الحيوانات أيضًا من التعذيب الذي تلحقه المخابرات السورية بآلاف المعتقلين ضمن سجونها، وهي سياسة اتبعت أيضًا لدى تشكيلات مسلحة أخرى، ففي مقطع للفيديو تم تناقله في حزيران 2018، قام طلال الدقاق، الذي يحمل رتبة مقدم شرفية في المخابرات الجوية في حماة، بإدخال حصان إلى قفص فيه أسدان، أكلاه حيًا.

وكان الدقاق في التسجيل يصور ويتلفظ بعبارات مشجعة لرئيس النظام، بشار الأسد.

وفي مقطع آخر نشر في شهر شباط 2019، يظهر بعض أفراد قوات النظام السوري وهم يقومون بشنق كلب ويشبهونه بـ”الدواعش”.

جهود للحماية والإنقاذ

اشتهر المسعف، محمد علاء الجليل، بحنوه على الحيوانات الشاردة والمصابة في حلب، وجدّه في تقديم الرعاية والعلاج لها، فقد أنشأ ملجأً وعيادة للقطط في ريف حلب، إذ عالج المئات منها بإشراف طبيب بيطري، وفتح بابه لجميع الحيوانات المصابة.

ويستفيد مشروعه من التبرعات العالمية، وقد قدم في عيادته سبعة آلاف خدمة طبية مجانية في أقلّ من سنة، وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية التي أعدت تقريرًا عنه في 4 حزيران 2018.

الجليل لم يكتف برعاية القطط فحسب بل قدم لها أسماءً من وحي الصراع مثل القط “سوخوي” الذي سماه تيمنًا بالطائرة الروسية المساندة لقوات النظام، وشرح ذلك الاختيار للوكالة ساخرًا، “إنه مثل طائرات سوخوي، يتسلل ويسرق طعام الآخرين”.

في 11 شباط 2019 نقلت وكالة “سبوتنيك” قصة “المنظمة السورية لرعاية الحيوانات (SARA)“، التي أنشأتها واهتمت بها الدمشقية، أنّا أورفلي، التي تطوعت بوقتها ومالها ورعايتها لإنقاذ الحيوانات العاجزة.

ترعى أكثر من ألف كلب داخل مزرعتها، ونقلت أكثر من ألف ليرعاها أناس تعرفهم، مع اهتمامها بحوالي 300 قطة وبقرة وعدد من الخراف والأرانب والسلاحف. كما استفادت من وسائل التواصل الاجتماعي في نشر صور وفيديوهات يومية لإنقاذ الحيوانات، لتجمع الدعم الكافي لإكمال مهمتها.

وتشابهها منظمة “Animals Syria” (حيوانات سوريا)، التي اشتهرت حينما عرضت شركة نتفلكس الأمريكية، في شهر تشرين الثاني 2018، سلسلة وثائقية بعنوان “Dogs” (كلاب)، تناولت حلقتها الثانية قصة شاب سوري وكلبه “زيوس” والتقائهما، بعد غياب فرضه اللجوء، من جديد بفضل المنظمة.

كتبت مؤسسة المنظمة روعة كيلاني، في موقع “ميترو” البريطاني، في 19 كانون الثاني 2018، أن منظمتها تعنى بإيجاد رعاة للحيوانات الشاردة والمتضررة من الحرب السورية في أوروبا، كما تعمل على جمع الحيوانات الأليفة بأصحابها، الذين غادروا إلى بلاد اللجوء ولم يتمكنوا من اصطحابها في رحلة البحر الخطرة.

بعد عرض الوثائقي، تلقت العديد من الطلبات، خاصة من أمريكيين يريدون تبني الكلاب، ولكن من المعقد ترتيب نقلها لقارتهم. معظم الحيوانات يتم إرسالها إلى ألمانيا، وهولندا وآيسلندا.

قد تعتبر العناية بالحيوانات والعمل على إنقاذهمدا، في خضم ما يشهده البشر من أهوال الحرب، أمرًا معيبًا يستحق النقد لدى البعض، ولكن وكما قال الدكتور خليل لصحيفة “التلغراف”، “البشر لديهم فرصة للهرب لكن الحيوانات المحتجزة في أقفاص الحدائق لا تملك هذا الخيار.. إنهم لا يتحدثون، لا يملكون أجندة سياسية، ولكنهم رسل من العتمة، إنهم يجلبون الأمل”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة