بيدرسون يحرك المياه الراكدة

“الدستورية”.. أمام اختبار الجولة التاسعة في نيسان

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون (تعديل عنب بلدي)

camera iconالمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

في 22 من شباط 2022، حدد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، موعد الجولات السابعة والثامنة والتاسعة من أعمال اللجنة الدستورية، وبالفعل فإن جولتين من الثلاث عُقدتا، لتبقى الجولة التاسعة معلقة منذ ذلك الوقت، ومرهونة بالتغيرات السياسية التي شهدتها الساحة الدولية، دون أن يكون الملف السوري بمنأى عنها.

كان مقررًا عقد الجولة التاسعة في حزيران 2022، لكن بعد يومين فقط من تحديد بيدرسون موعدًا أوليًا للجولات الثلاث، غزت روسيا جارتها أوكرانيا، وتحولت سويسرا، التي تحتضن في ثاني أكبر مدنها (جنيف) هذه المحادثات، إلى بيئة غير محايدة بنظر موسكو، كونها تعارض الغزو الروسي لأوكرانيا، كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكثير من دول العالم.

هذه المعطيات تركت الجولة التاسعة رهينة بتوافق على دولة بديلة تستضيف على أراضيها أعمال المسار السياسي الوحيد المقبول أمميًا بالنسبة للملف السوري، كما حولت بوصلة الخلاف من الملفات قيد النقاش، إلى مكان مناقشة هذه الملفات، ما أضاف خلافًا جديدًا إلى خلافات أخرى معقدة صعبة التفكيك، طرفاها هذه المرة، ليسا النظام السوري والمعارضة، بل موسكو والدول الغربية بعدما أخذت علاقتهما بالانزلاق إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، والضريبة من جيوب السوريين.

التصريحات التي تعاقبت على لسان مسؤولين عرب وغربيين، وكل التأكيدات على ضرورة استئناف أعمال اللجنة الدستورية من حيث توقفت (الجولة الثامنة في 3 من حزيران 2022)، لم تقرب موعد الجولة التاسعة، ولم تأذن بمتابعة المسار، ليعلن بيدرسون، في 27 من شباط الماضي، إصدار الدعوات الرسمية لعقد الجولة التاسعة في جنيف، نهاية نيسان المقبل.

الدعوة للتاسعة.. معارضة موافقة ونظام متحفظ

خلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن، حينها، قال المبعوث الأممي إنه سيوجه الدعوات في اليوم نفسه، معربًا عن أمله في أن تستجيب الأطراف السورية بشكل إيجابي، كما ناشد الأطراف الدولية الرئيسة لدعم جهود الأمم المتحدة كميسر، والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين.

بيدرسون أوضح أيضًا أن اللجنة الدستورية لا تستطيع وحدها حل النزاع، والقرار “2254” يتطرق إلى جملة واسعة من القضايا، مع التذكير بالأفكار الواضحة الخاصة بتدابير بناء الثقة، “خطوة مقابل خطوة”، ومعالجة العناصر الأساسية للقرار “2254”.

هذه الخطوة من قبل بيدرسون قوبلت بتحفظ غير رسمي من قبل النظام السوري، عبّر عنه ما نشرته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، التي اعتبرت موقف المبعوث الأممي محاولة لإحراج روسيا.

وجاء في المادة التي نشرتها الصحيفة، “رغم معرفته بالموقف الروسي تجاه مكان انعقاد جلسات اللجنة الدستورية، والتأكيد الرسمي الأخير على لسان وزير الخارجية، سيرغي لافروف، بأن توقف أعمال اللجنة الدستورية يرجع إلى أن جنيف قوضت سمعتها كمنصة محايدة، ولم يعد بإمكانها اعتبار سويسرا منصة محايدة، باعتبار أن هذه الدولة اتخذت موقفًا معاديًا لروسيا بشكل علني، وجه المبعوث الأممي الدعوة لانعقاد تاسع جولات الدستورية في جنيف، نهاية نيسان المقبل”.

من جانبها، أعلنت “هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية” قبولها دعوة بيدرسون، وتضمن البيان الختامي لاجتماع الهيئة في اسطنبول، على مدار يومي 8 و9 من آذار الحالي، أن الهيئة أرسلت موافقتها الرسمية لإرسال وفد ممثليها في اللجنة الدستورية، لحضور الاجتماع، مع الإشارة إلى أن الجولة ستعقد خلال الفترة بين 22 و26 من نيسان المقبل.

تمهيدات مسبقة

مساعي عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية ليست مفاجئة للروس، إذ قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في 29 من كانون الثاني الماضي، إن اللجنة الدستورية قد تعقد اجتماعًا في آذار، وقد يجري اختيار مكان الاجتماع منتصف أو أواخر شباط.

وبيّن لافرنتييف، حينها، أنه بعد انسحاب سلطنة عمان من سباق استضافة المباحثات، يجري النظر في أماكن بديلة، في الوقت الذي تدرس به دمشق أكثر الخيارات قبولًا.

كما أن محاولات بيدرسون عقد الجولة التاسعة، وتخطي موافقة ورفض موسكو، جاءت متأخرة نسبيًا، بعدما لفتت “الوطن”، في تشرين الأول 2023، نقلًا عن مصادر دبلوماسية في جنيف، لم تسمِّها، إلى أن بيدرسون المصمم على انعقاد أعمال اللجنة الدستورية في جنيف، قد يقدم مشروعًا لإخراج المسار من “الفيتو” الروسي.

وأشارت الصحيفة حينها إلى أن المبعوث الأممي يدرس مشروع بيان يرسل من خلاله دعوة للوفدين المفاوضين دون حضور أي دولة أجنبية، لتخطي “فيتو” موسكو، على انعقاد الاجتماعات في جنيف، رغم إدراكه أن المشروع لن يحظى بموافقة موسكو أو النظام السوري وداعميه، واعتبرت الصحيفة على لسان مصادرها أن بيدرسون يغامر بهذه العملية بمصير اللجنة.

ويعتبر موضوع استئناف أعمال اللجنة الدستورية إحدى القضايا التي جرى نقاشها خلال انعقاد الجولة الـ21 من مباحثات الاجتماع الدولي بصيغة “أستانة” بشأن سوريا (24 و25 من كانون الثاني الماضي)، كما جرى نقاش هذه المسألة خلال لقاء جمع وفد المعارضة السورية مع نائب وزير الخارجية التركي، على هامش “أستانة”، وجرت الإشارة إلى تراجع حدة الخلافات الجوهرية بهذا الصدد.

ما سر الدعوة؟

رئيس وفد المعارضة المشارك في مباحثات “أستانة”، الدكتور أحمد طعمة، أوضح لعنب بلدي أن رفض موسكو الذهاب إلى جنيف يعني حتمًا رفض النظام ذلك، وإدراكًا لهذه النقطة اتجه المبعوث الأممي منذ مدة للبحث عن بدائل، وطرح نيروبي (عاصمة كينيا)، كمكان بديل، باعتبارها تضم عدة مكاتب رئيسة للأمم المتحدة، لكن هذه النقطة لم تحقق توافقًا تامًا على ما يبدو.

وأكد طعمة أنه في حال انعقاد الجولة كما هو مقرر في نهاية نيسان المقبل، فالمعارضة ستشارك فيها بصرف النظر عن موقف الروس والنظام، ليرى المجتمع الدولي بوضوح من يعطل أعمال اللجنة ويعرقل اجتماعاتها.

وحول مستقبل اللجنة الدستورية في حال استمرار فشل التوافق على مكان لعقد اجتماعاتها، قال طعمة، “ليس لدينا تصور واضح حول ما الذي ستفعله الأمم المتحدة مستقبلًا إذا تبلورت لديها قناعة تامة بعدم إمكانية استئنافها”.

في السياق نفسه، فإن مصدرًا آخر مطلع على عمل اللجنة الدستورية، تحفظ على عدم ذكر اسمه، رجّح لعنب بلدي أن تشدد بيدرسون وتمسكه بعقد الجولة التاسعة في جنيف، يشير إلى قناعته بالوصول إلى طريق مسدود، فإما يخطو هذه الخطوة وينجح، وإما يفشل ويتشكل لديه مبرر لتقديم استقالته خلال الفترة المقبلة، ما يعني أن الغرض من الدعوة ليس انعقاد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية أصلًا.

وفي 30 من تشرين الأول 2018، عيّنت الأمم المتحدة الدبلوماسي النرويجي، غير بيدرسون، مبعوثًا أمميًا إلى سوريا، من بين أربعة مرشحين لإدارة دفة التفاوض بعد تنحي المبعوث الأممي السابق، ستيفان دي مستورا، الذي حافظ على منصبه لأربع سنوات لم تقدم حلًا سياسيًا للملف السوري.

ورث بيدرسون الملف السوري بثقل تفاصيله عن أسلافه (كوفي عنان، ثم الأخضر الإبراهيمي، ثم دي مستورا)، ومشى في مسار اللجنة الدستورية أشواطًا زمنية لم تحقق تقدمًا ملموسًا على الأرض، ما قسم الآراء بين جدوى استمراره بمهمة بلا نتائج، والتنحي كما فعل سابقوه.

واقعية غربية وإصرار عربي

منذ حزيران 2019، وبعد مرور نحو 17 شهرًا على إقرار تشكيل اللجنة الدستورية التي لم تكن قد عقدت أولى جولاتها بعد، دعا السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة حينها، جوناثان كوهين، بيدرسون إلى التفكير بمبادرة أخرى بسبب عدم التقدم في تشكيلها، ومماطلة النظام السوري.

كما لفت السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة حينها، فرانسوا ديلاتر، إلى عدم إحراز أي تقدم في تشكيل اللجنة الدستورية، موضحًا أن النظام السوري يرفض أي حل وسط، ويضاعف مناورات التسويف للحؤول دون نجاح هذا المنتدى الأول للحوار.

هذه الدعوات لم تلقَ آذانًا صاغية، وعقدت اللجنة الدستورية أولى جولاتها في 30 من تشرين الأول في العام نفسه، لكن فترة توقف وتعطيل استئناف أعمال اللجنة، التي تماثل المدة بين إعلان تشكيلها وبدء أولى جولاتها (نحو 21 شهرًا)، لم تقنع القوى الإقليمية بضرورة البحث عن بديل أو مسار موازٍ، ربما يحل مكان اللجنة المتوقفة عن الانعقاد، والتي لم تقدم في ثماني جولات نتائج ملموسة على الأرض، أو نقاشًا للملفات الحساسة، أمام محاولات النظام تمييع المباحثات ومواصلة المماطلة في الطرح.

وفي بيان مشترك صادر عن الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا، في تموز 2023، شدد وزراء الخارجية على أهمية دور اللجنة الدستورية، وأبدوا دعمًا لعملها، عبر التواصل المستمر مع الأطراف السورية في هذه اللجنة، ومع المبعوث الأممي كميسر لضمان استمراريتها وفعاليتها.

كما أصدر وزراء خارجية دول “لجنة الاتصال العربية” بشأن سوريا (مصر والعراق والسعودية والأردن ولبنان والنظام السوري)، بيانًا مشتركًا إثر اجتماعهم في القاهرة، منتصف آب 2023، أعربوا خلاله عن تطلعهم إلى استئناف العمل في المسار الدستوري السوري، وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية قبل نهاية العام نفسه، مع التوافق على أهمية استكمال المسار بجدية، كونه أحد المحاور الرئيسة على طريق إنهاء “الأزمة” وتحقيق التسوية و”المصالحة الوطنية” المنشودة.

ومن البنود التي تضمنها البيان الختامي لـ”لقاء عمان التشاوري” (ضم وزراء خارجية العراق والأردن والسعودية ومصر والنظام السوري)، في 1 من أيار 2023، العمل على استئناف أعمال اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن، وفي سياق الخطوات السياسية المستهدفة تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.

أين وصل بيدرسون؟

خلال مشاركته في جلسة نقاشية حول سوريا، بعنوان “الطريق إلى الاستقرار في سوريا”، ضمن اليوم الأول لمؤتمر أنطاليا الدبلوماسي، في 1 من آذار الحالي، قال المبعوث الأممي إلى سوريا، إن عملية التسوية المباشرة في سوريا تتطلب التهدئة في الشرق الأوسط وتكثيف الدعم الإنساني لسوريا وتفعيل عمل اللجنة الدستورية.

كما اعتبر أن عمل اللجنة الدستورية بمشاركة جميع الأطراف داخل البلاد يعد عنصرًا مهمًا في عملية التسوية المحتملة في سوريا، لافتًا إلى أن اللجنة الدستورية نفسها، لن تحل الأزمة، لكنها ستساعد الأطراف على إيجاد قاعدة مشتركة.

وفي 10 من آذار، وخلال مقابلة مع صحيفة “ديلي صباح” التركية، قال بيدرسون، إن انعدام الثقة بين الأطراف المعنية بالحرب في سوريا يعوق التوصل إلى حل سياسي للصراع المستمر منذ أكثر من عقد من الزمن.

وأضاف، “هناك انعدام ثقة عميق بين جميع أطراف الصراع، بين الأطراف السورية والدولية، التي نحتاج إلى جمعها معًا إذا أردنا حل هذا الصراع (…) نحن بحاجة إلى إحراز تقدم في المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، ونحتاج إلى نوع من التعاون بين تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة بدعم من العرب والأوروبيين، لا نرى ذلك حقًا”.

ما اللجنة الدستورية؟

أُقر تشكيلها في مؤتمر “الحوار الوطني” بمدينة سوتشي الروسية، في 30 من كانون الثاني 2018.

الغرض منها إصلاح الدستور وفقًا لقرار مجلس الأمن “2254” (صدر في 2015) القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي شامل غير طائفي، ووضع دستور للبلاد، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد، خلال 18 شهرًا.

أقرتها القمة الثلاثية بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران (سوتشي) في أيلول 2019

تتكون من ثلاثة وفود، تضم المعارضة والنظام وممثلين عن المجتمع المدني وخبراء تختارهم الأمم المتحدة.

عُقدت أولى جولاتها في 30 من تشرين الأول 2019، وصولًا إلى الجولة الثامنة في حزيران 2022.

موقف الأسد منها

“منذ الأسابيع الأولى للحرب حاولوا إقناعنا بتعليق الدستور القائم في ذلك الوقت، وذلك من أجل خلق فراغ يؤدي إلى الفوضى.

أثبتم مرة أخرى وحدة معركة الدستور والوطن، فثبّتم أن الدستور أولوية غير خاضعة للنقاش أو للمساومات، لأنه عنوان الوطن ولأنه قرار الشعب”.

بشار الأسد خلال خطاب القسم الدستوري في 17 من تموز 2021

“تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها”.

الأسد في مقابلة مع قناة “زييفردا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية – تشرين الأول 2020

“اللجنة الدستورية لا علاقة لها بموضوع الانتخابات، لها علاقة فقط بموضوع الدستور، أما إذا كانوا يعتقدون أنهم سيعودون إلى عصر الانتداب، فسأقول لهم، هذا لن يكون سوى في أحلامكم”.

الأسد في مقابلة مع قناة “روسيا 24” ووكالة “روسيا سيفودينا” – 15 من تشرين الثاني 2019




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة