tag icon ع ع ع

حلا إبراهيم | نور عبد النور | رهام الأسعد

في البقعة الأكثر تنوعًا عرقيًا ودينيًا من سوريا، برز الزواج المدني على رأس أولويات “الإدارة الذاتية” الكردية، التي أخضعت محافظة الحسكة لسيطرتها منذ ستة أعوام، فكان أن سُجّل أول عقد زواج مدني في سوريا عام 2013، بمباركة “السلطة العلمانية”، ليحدثَ خرقًا مفاجئًا في العادات الاجتماعية.

همرين محمود ورشو سليمان، وهما أول زوجين يعقدان قرانهما مدنيًا في سوريا، شكلا “أول الغيث” في عيون سوريين داعين للتحرر من “سلطة الدين والمجتمع”، فيما اعتبر آخرون زواجهما غير شرعي، لكن العروسين، اللذين وقعا “عقد الحياة المشتركة” بدلًا من “عقد الزواج”، وتحملا تكاليف هذه “الحياة” مناصفة، كانا الصورة “الأكثر حضارة” التي وظفتها “الإدارة الذاتية” سياسيًا لتحظى باهتمام دولي وإشادة غربية واسعة.

مقابل مباركة الإدارة، واجهت خطوة إقرار الزواج المدني رفضًا شعبيًا في محافظة الحسكة، سرعان ما خفت صوته نتيجة السلطة الأمنية الصارمة، لكنه خلق في المقابل وسائل دفاعية لدى المدنيين، جعلتهم يحافظون على زواجهم الديني بقالب مدني.

ومع مرور خمسة أعوام على صدور القرار في جزء صغير من سوريا، يسعى اليوم ناشطون وحقوقيون إلى تمرير مشروع قانون في مجلس الشعب يبيح الزواج المدني في عموم البلاد، عبر حملة إعلامية مكثّفة تساندها أصوات مؤيدة من داخل المجلس.

اعتمدت الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة سهلة تصل إلى جميع السوريين، وأجرت جهات إعلامية موالية استطلاعات رأي عدة لمعرفة توجهات الشارع بالنسبة لقضية من المفترض أنها “حساسة” وتتعارض بأجزاء منها مع “العقيدة الإسلامية”.

الحب يجمع.. مدنيًا

على الرغم من أن رشو وهمرين مسلمان، ولا يشكل الدين أو العرق أي عائق بالنسبة لزواجهما، إلا أن فرض الزواج المدني من قبل “الإدارة الذاتية” تحكم بطبيعة العقد الذي جمعهما.

بالمقابل، فإن الدعوات التي انتشرت في سوريا، طالبت بجعل الزواج المدني اختياريًا، أي أن الزوجين يمكنهما عقد قرانهما دينيًا أو مدنيًا، لكن أغلب الأصوات المنادية بذلك حاولت انتقاد الدين الإسلامي بشكل مباشر، مع أن الزواج الديني في سوريا يسري على الدينين المسيحي واليهودي أيضًا.

فعبر هاشتاغ #الزواج-المدني #سوريا، قضى جزء من مستخدمي “تويتر” السوريين أيامًا في مناقشة قضية الزواج المدني والشرعي، منقسمين حيالهما بين مؤيد ومعارض.

وانتشرت صور لناشطين سوريين يحملون لافتات تؤيد الزواج المدني، كتب على إحداها “أنا مع الزواج المدني لأنو الحب بيجمع والدين بيفرق”، بينما كتب على أخرى تحملها فتاة محجبة “ما بدي حدا يجبرني أتزوج لا من طائفتي ولا من ديني أنا بدي أتزوج مدنيًا”، كما انتقدت أخرى موضوع تعدد الزوجات الذي تبيحه الشريعة الإسلامية.

ويعود تاريخ النشر الأساسي لبعض تلك اللافتات إلى عام 2013، ولكن أعيد استخدامها حاليًا مع عودة الحديث عن الزواج المدني إلى الواجهة.

“فيس بوك” كان منصّة جيدة للترويج لهذه القضية، إذ عكفت بعض الصفحات السورية مؤخرًا على حشد مؤيدين للزواج المدني.

صفحة “دمشق الآن”، الموالية للنظام للسوري، نشرت مؤخرًا استطلاعًا للرأي في “فيس بوك” للتصويت على سؤال “هل أنت مع أم ضد إقرار قانون الزواج المدني الاختياري في سوريا؟”.

شارك في التصويت أكثر من 47 ألف مستخدم، أجاب 63٪ منهم بـ “نعم”.

ودعمت تلك النتيجة شبكات عبر موقع التواصل الاجتماعي تسعى منذ عامي 2012 و2013 لترويج فكرة عقود الزواج اللادينية.

الدين والعادات المتحكم الأول

تقضي المادة 12 من قانون “المرأة”، الذي أصدرته الإدارة الذاتية، بتنظيم صكوك الزواج مدنيًا، بهدف الوصول إلى “عقد زواج بين شريكين موثق العهد بشاهدين في مقر رسمي، ويتم هذا العقد على الحب المتبادل والرغبة في تكوين أسرة”، وفق نص القانون الذي حصلت عنب بلدي على نسخة منه.

وتنص المادة على أن يكون طرفا العقد قد أتما الثامنة عشرة من العمر، فيما تمنع الطلاق أو التفريق دون “سبب توافق عليه المحكمة”، أو من طرف واحد، أو قبل مرور ثلاثة أعوام على الزواج، فضلًا عن أنها تحظر تعدد الزوجات.

ناشطون من مدينة الحسكة أكدوا لعنب بلدي أن أغلب حالات الزواج التي تتم مدنيًا في الحسكة، تُسبق بعقد شرعيّ يعقده أحد مشايخ المنطقة، وتسري قوانينه على طرفي العقد.

شفان جولي، مسؤول مكتب الإعلام في “بلدية قامشلو” التابعة للإدارة الذاتية في مدينة القامشلي، قال لعنب بلدي في لقاء سابق، إن بعض السكان الذين يسعون إلى تزويج بناتهم ممن لم يبلغن 18 عامًا، يجرون الزواج وفق عقد شرعي، دون أن يتم تثبيته في سجلات الإدارة الذاتية.

ولا يبدو مستغربًا هذا الالتزام بالعرف الديني والعادات الاجتماعية في محافظة الحسكة، ذات التنوع العرقي والديني، على الرغم من أن البيئة الاجتماعية السائدة أقل تدينًا مقارنةً بالبيئات الاجتماعية في محافظات سورية أخرى، كإدلب أو حلب أو حماة أو دمشق.

وفق ذلك، فإن قبول مثل هذا التغيير في المحافظات السورية، يبدو صعبًا للغاية في الوقت الحالي، وينحصر بفئات قليلة من السوريين الذين اندمجوا في المجتمعات الأوروبية المضيفة للاجئين، أو غيرهم من السوريين غير الملتزمين دينيًا.

الفيلم الوثائقي”ربيعة”، عروس من الجولان المحتل

 شرعي.. مدني.. عرفي

ما الفرق بين أنواع عقود الزواج؟

يمارس السوريون عادات محددة في الزواج، إذ ترتبط فترة الخطوبة غالبًا بعقد شرعي ينظمه رجل دين إسلامي يسميه الناس “كتاب شيخ”، وهو ما يطلق عليه في القانون الزواج العرفي، وهو عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعًا، ويبقى هذا الزواج حاملًا هذه الصفة حتى يتم توثيقه في المحكمة الشرعية، سواء بتنظيم عقد من قبل مأذون شرعي تعينه المحكمة الشرعية لهذا الغرض، أو بتثبيته في المحكمة في حال وجود أولاد.

ويسود الاعتقاد أن الزواج العرفي هو الزواج السري، أو الذي يتم دون شهود وكاتب موثوق، ولكن الزواج العرفي من وجهة نظر القانون هو الزواج الصحيح شرعًا وغير المثبت في المحاكم الشرعية فقط.

والزواج الشرعي هو زواج يتم وفق أحكام الشريعة، ويشترط فيه عدة أمور، منها تسمية المهر وموافقة الولي وتوافق الدين، أي أن يكون الزوج على دين الزوجة، ويسمح للرجل الزواج بامرأة كتابية، أي من دين آخر ولكن لا يسمح للمرأة المسلمة الزواج برجل غير مسلم.

ويفرض هذا النوع من الزواج واجبات على طرفي الزواج ذكرها قانون الأحوال الشخصية، وهي في شقها المالي تكون على عاتق الزوج من الإنفاق وتأمين المسكن.

أما الزواج الديني لدى الطوائف المسيحية فهو زواج كنَسي لأنه يتم داخل الكنيسة وبمباركة رجل الدين، وتختلف أشكاله من طائفة إلى أخرى، لكن هناك شروطًا لصحته اتفقت عليها جميع الكنائس، وهي اتحاد الدين، إذ يبطل الزواج إذا ثبت أن أحد الزوجين لم يتم تعميده داخل الكنيسة، كما يشترط بلوغ كل من الزوج والزوجة سنًا معينة تختلف من طائفة لأخرى، بالإضافة إلى المهر، وهو “الدوطة” التي يتفق عليها العروسان، وهو مختلف عن الزواج الشرعي الإسلامي من جهة بطلانه إذا كان الزوج متزوجًا من أخرى، إذ لا يقبل الزواج الكنَسي تعدد الزوجات.

ويقع كل ما يتعلق بالزواج الكنَسي وآثاره في اختصاص المحاكم الروحية بحسب المادة 33 من قانون الأحوال الشخصية السوري.

أما الزواج المدني، فهو زواج لا يتم وفق أحكام وضوابط شرعية، بل بأحكام مدنية تتعلق بقوانين الدولة العلمانية.

ويعرف فقهاء القانون الزواج المدني على أنه “عقد ثنائي بين رجل وامرأة مسجلين في السجلات المدنية لدى الدولة أو من المقيمين فيها، يتم بالرضاء والقبول كسائر العقود المدنية، موضوعه الاتفاق على إقامة حياة مشتركة دائمة بين الزوجين، ويتم توثيقه وتسجيله أمام المحكمة أو الموظف المختص وفق أحكام القانون الناظم له، والتي تطبق الدستور والقانون بين الشخصين أطراف العقد، ويعتبر أساسه إلغاء الفوارق الدينية والمذهبية والعرقية بين طرفي الزواج ويتم بقبول الزوج والزوجة وشهادة الشهود، وكاتب العقد وهو يضمن حقوق الزوجين بالمساواة في حال الطلاق”.

أي عقود الزواج أضمن لحقوق المرأة؟

يحكم “قانون الأحوال الشخصية” في سوريا، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953، مع تعديلاته، الأمور المتعلقة بالزواج، ويستند في أحكامه إلى الشريعة الإسلامية، وتستثنى من تطبيق أحكام هذا القانون بعض المسائل المتعلقة بالطوائف المسيحية واليهودية والطائفة الدرزية وفق ما نصت عليه المواد /306/ و/307/ و/308/ من أحكام هذا القانون.

وتتباين وجهات النظر حول نوع عقد الزواج الأكثر ضمانًا لحقوق الزوجة، وغالبًا ما تكون هي معيار المفاضلة، لأنها الطرف الأضعف في نظر المجتمع.

ويسود الاعتقاد لدى الكثيرين أن الزواج المدني يحرم المرأة من حقوقها، لعدم تسمية المهر، لكنها فعليًا تكون في هذا النوع من الزواج مستقلة بإرادتها وذمتها المالية، ولها أن تضع أي شرط في العقد المدني.

وبالنسبة للزواج الشرعي فهو يتيح للمرأة أيضًا الكثير من الامتيازات التي تحفظ حقها، لكن العادات الاجتماعية في بعض المناطق تحول أحيانًا دون استفادة المرأة من تلك الامتيازات، بينما يعتبر أنصار التحرر من سلطة الدين أن إمكانية زواج الرجل مرة ثانية التي يتيحها الزواج الشرعي، هو باب لـ “ظلم المرأة”.

حقوق الزوجة بيدها في الشرعي والمدني

يكفل كلا نوعي عقود الزواج حقوق المرأة، ولكن جهل معظم الناس بالقانون هو الذي ينتقص من آليات حماية هذه الحقوق.

فالزواج المدني هو عقد تلتقي فيه إرادة الطرفين على بناء حياة أسرية وعيش مشترك ضمن شروط محددة يتم التوافق عليها، أيضًا في الزواج المدني يمكن وضع الشروط المناسبة لهذا الزواج.

والزواج الشرعي هو عقد يتيح للمرأة وضع شروطها للزواج، ويجبر الزوج على ضمان هذه الحقوق.

وتختلف شروط الزواج المدني عن الشرعي في بعض التفاصيل، ففي الزواج المدني يمكن زواج المسلمة بغير المسلم، ويمكن ألا يكون هناك مهر، ولكن هناك آليات يمكن أن تحفظ فيها الزوجة حقوقها بغض النظر عن تسمية المهر، كاشتراط حصولها على نصف أملاك الزوج في حال الطلاق.

في حين يشترط الزواج الديني بعض الشروط التي لا يشترطها الزواج المدني مثل إمكانية تزويج الفتاة القاصرة (دون سن 18 عامًا).

يرى المحامي غزوان قرنفل أن ما يبيحه ويمنعه الزواج الشرعي “يرتبط بالمنظومة الفقهية التي يستمد قانون الأحوال الشخصية أحكامه منها، وهذه المنظومة الفقهية مضى عليها أكثر من 1000 عام، ومن غير الممكن أن يبقى النص القانوني أسيرًا لهذه المنظومة، فإلى الآن يشترط الفقه أن يكون مع المرأة محرم إذا أرادت السفر وهذا غير معقول برأيي، وخاصة أننا في الألفية الثالثة”.

شروط المرأة تحميها في العقد الشرعي

يبيح الشرع للمرأة أن تضع الشروط التي تناسبها في عقد الزواج، على ألا تكون هذه الشروط مخالفة للشريعة، أو فيها “مفسدة دينية أو أخلاقية”.

وغالبًا ما ينصح القضاة الشرعيون الفتيات المقبلات على الزواج بالتفكير مليًا قبل إتمام عقد الزواج، واستشارة أهل العمل، كي لا تكون قرارتها ناتجة عن عاطفية زائدة أو خوف غير مبرر، أو أن تضع في الشروط ما هو غير جائز دينًا وشرعًا.

المحامي، غزوان قرنفل، يشرح في حديث إلى عنب بلدي، كيفية حفاظ المرأة على حقوقها في الزواج الشرعي فيقول “في الزواج الشرعي تملك المرأة أن تضع شروطًا خاصة من ضمنها ألا يتزوج زوجها امرأة ثانية، أو أن يكون لها تطليق نفسها (العصمة بيدها) أو تطلب بيتًا مستقلًا، كل هذه الشروط ممكنة لكن إما يجهلها الناس أو يشعرون بالإحراج من طرحها إذ يمثل عندهم عبئًا اجتماعيًا، لذلك لا يوجد حوامل اجتماعية تتفهم هذه الأفكار”.

نظام مزدوج.. لإرضاء الجميع

ويرى المحامي السوري، غزوان قرنفل، أن إعطاء حرية الاختيار بين الزواج الشرعي والمدني هو الأفضل للمجتمع ويقول “أزعم أننا في هذه المرحلة غير قادرين على إلغاء نظام الزواج الديني الذي تقيمه المحكمة الشرعية أو المحاكم الروحية بالنسبة للطوائف غير المسلمة، لأن عملية إصدار قانون زواج مدني صرف دون وجود نظام مواز هو الزواج الشرعي لن تنجح”.

ويضيف “أنا من أنصار النظام المزدوج، يعني من شاء أن يتزوج وفق القانون المدني فله الحق، ومن شاء أن يتزوج وفق الشرع فلديه الحق”.

ويعزو قرنفل ضرورة وجود نظام مزدوج للزواج “لعدم وجود حوامل مجتمعية أو ثقافية أو معرفية لتبني فكرة الزواج المدني وإلغاء الزواج الديني، المجتمع بحاجة لإعادة إنتاج المعرفة في المجال الحقوقي والقانوني وحتى الثقافي، لكي يستطيع تقبل هذه الأفكار، لذلك من الأفضل وجود النظام المزدوج للزواج برأيي”.

تسجيل دفتر عائلة في دائرة حكومية بدمشق

وفق الدستور..

إقرار الزواج المدني بحاجة إلى استفتاء شعبي

يكفل الدستور السوري الحرية الدينية بممارسة الشعائر، أما في مسألة الزواج فترك الأمر للقانون المستمد من التشريع في الكتاب والسنة، ولكنه في حال طرح مشروع لوجود زواج مدني اختياري في سوريا فإن ذلك لا يتناقض مع أحكام الدستور.

يقول المحامي غزوان قرنفل لعنب بلدي “لا يتناقض إصدار قانون الزواج المدني مع الدستور لأنه لا يخالف النظام العام لأن النظام لدينا علماني وليس دينيًا، فتشريع زواج المسلمة بغير المسلم لا يخالف الدستور، ولكنه يخالف الفقه الإسلامي”.

ويرى رجال قانون أنه لا بد للمشرع في حال التوجه إلى إقرار الزواج المدني من أن يطرح الموضوع لاستفتاء الشعب السوري، فهو وحده الذي يحدد ما إذا كان هذا الزواج من مصلحته أو ضدها، لكي يكون هذا الإجراء ضمن الطريق الذي حدده الدستور لتعديل القوانين.

ووفق ذلك فإن إقرار مجلس الشعب لمسودة قانون منح المواطن حرية الاختيار بين الزواج المدني أو الشرعي لا يكفي لتطبيق ذلك، وفي حال رفض هذا القانون شعبيًا فإن تطبيقه لن يكون ممكنًا.

زواج السوريين في الخارج..

“كتاب شيخ” وعقد مدني

يلجأ السوريون المسلمون المقيمون في دول أوروبا إلى إتمام عقد الزواج على الطريقة الشرعية، ثم تثبيت الزواج بعقد مدني في الدوائر الرسمية، ما يجعل السوريين مضطرين للالتزام بالقواعد المنصوص عليها في قوانين الزواج المدني الخاصة بكل دولة، وفي ذات الوقت غير معترفين بها ضمنيًا.

ففي حال تزوج الرجل امرأة ثانية، قد يعجز عن تثبيت زواجه قانونيًا، ما يضعه في مأزق تسجيل الأطفال، ويعرضه لمساءلة قانونية.

وقد برزت قضية تعدد الزواجات كإحدى أكثر المشاكل جدلًا في دول لجوء السوريين، إذ حرمت الكثير من الزوجات من حق لم الشمل لوجود زوجة أخرى على ذمة أزواجهن.

في ألمانيا مثلًا، راعت بعض الولايات حقوق الزوجة الثانية من حيث الحصول على الإقامة والنفقة والإقامة مع الزوج، فيما حظرت ولايات أخرى سكن زوجتين مع رجل واحد، ومنعت زوجات ثانيات من حق اللجوء السياسي مع أزواجهن، ومنحن إقامات مؤقتة إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية في بلدهن.

المحامي إيهاب عبد ربه، المقيم في السويد، تحدّث لعنب بلدي عن إحدى أبرز المشكلات التي واجهت السوريين المتزوجين بشكل شرعي والمقيمين في أوروبا، ومنها مشكلة الطلاق.

يقول عبد ربه، “لا توجد طريقة لفسخ العقد الشرعي في أوروبا، في حال رغبت الزوجة بالطلاق، إلا في حال وجود محاكم شرعية، وهذا ما يجعل الزوجة معلقة لسنوات، ومضطرة لدفع مبالغ مالية كبيرة لتحصل على الطلاق”.

ويؤيد عبد ربه إتمام عقود الزواج مدنيًا في أوروبا، على اعتبار أن “عقد الزواج المدني أضمن لحقوق الزوجة، لأنه يكفل المساواة بينها وبين زوجها في الحقوق، ويحظر تعدد الزوجات”.

ومع تجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين استقروا في دول الاتحاد الأوروبي 500 ألف سوري، زادت رغبة الكثير منهم بتطبيق عقود الزواج المدني حتى في حال اتحاد الدين بين الزوجين، وذلك سعيًا منهم لتحقيق الاندماج مع تلك المجتمعات الغربية، ومنع الاصطدام بعوائق قانونية.

بحكم الزنا..

الزواج المدني في الإسلام

وضعت الأديان على اختلافها ضوابط شرعية تحكم مسألة الزواج، وخصتها بأحكام وقواعد، نفذت إلى قوانين الأحوال الشخصية في سوريا، التي استمدت تشريعاتها من الإسلام.

وتعتبر الشريعة الإسلامية أن عقد الزواج هو كأي عقد من العقود يلزم الطرفين الوفاء به، وأساسه الإيجاب والقبول، لكن الأمين العام لمعهد إعداد القضاة وأحد أعضاء المجلس الإسلامي السوري، الشيخ إبراهيم الحسون، أوضح لعنب بلدي أن العقد في الإسلام مقيد أيضًا بقيود وحقوق خاصة بالرجل والمرأة، كأن يكون للرجل حق القوامة، وواجب الإنفاق على الأطفال، وبالمقابل للمرأة العديد من الحقوق منها المهر وما تشترطه في العقد.

أما ما يتعلق بالقيود على العقد، فقال الشيخ إن منها عدم جواز أن يتزوج الرجل المسلم من امرأة لا تدين بدين سماوي (إسلامي، مسيحي، يهودي)، فلا يصح زواجه من ملحدة مثلًا، كما لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج بغير مسلم أبدًا.

ويعتبر عقد الزواج باطلًا، بحسب الشيخ، في حال لم تتحقق شروطه كموافقة ولي الأمر وحضور الشهود، والزواج المدني لا يراعي كل هذه القيود والشروط، وبالتالي فهو “محرم شرعًا”.

ذات الحكم صرح به القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، الذي اعتبر في 2016، أن عقد الزواج في الإسلام أصله مدني بوجهه العام، أما المتعارف عليه حاليًا للزواج المدني الذي يتضمن أحكامًا أخرى كزواج المسلمة بمسيحي برضا الطرفين، فهو زواج باطل.

ولفت القاضي إلى ضرورة التفريق بين العقد الباطل والفاسد، فالأخير يكون مثلًا في حال تزوج الرجل بفتاة واكتشف بعد فترة أنها أخته في الرضاعة، ويتم عندها التفريق بينهما مباشرة مع حفظ النسب.

أما الباطل فهو في نفس المثال، عند إتمام العقد مع علم الرجل قبل توقيعه، بأنها أخته في الرضاعة، فحكمه باطل ولا يترتب عليه أي آثار.

وأشار إلى أن الزواج المدني حكمه بحكم الزنا، إذ يعني التحلل من القيود الشرعية لعقد الزواج لأي دين أو طائفة.

كما لا يمكن بأي شكل من الأشكال تسجيله في المحاكم السورية التي تعتبره مخالفًا للنظام العام وللقانون، كحرمته في الشريعة، وعرض القاضي لحالات زواج مدني رفضت المحكمة الشرعية تثبيتها في سوريا، منها زوجة اكتشفت بعد عقد قرانها بفترة أن زوجها تزوج بأختها وسافرا إلى تركيا لتثبيت زواجهما بعقد مدني هناك، وهو ما يعني أن الزوج جمع بين الأختين، وهذا محرّم في الشريعة الإسلامية.

ونوه المعراوي إلى ضرورة عدم الالتفاف على أحكام الشرعية، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف لأن يصبح مجتمعنا “متفلتًا كأوروبا” التي ستؤدي قوانينها إلى نتائج كارثية على المجتمع بأسره.

بدائل الزواج المدني في سوريا

على الرغم من سيطرة الشريعة الإسلامية على قوانين الأحوال الشخصية وتحكمها بعقود الزواج، لكن السوريين ممن لجؤوا إلى زواج مخالف للشرع، كزواج مسلمة من غير مسلم، أو زواج مسلم من غير كتابية، اضطروا إلى التحايل على القانون بطرق كثيرة.

لبنان الحرية

تحول الموانع الاجتماعية، بالإضافة للدينية، دون تزويج مختلفي الدين أو المذهب في سوريا، إلى درجة أن يقدم من يرغب بالزواج المدني لاختلاف الدين على السفر إلى لبنان، للاعتقاد بأنه البلد العربي الوحيد الذي يسمح القانون فيه بالزواج المدني.

لكن الحقيقة أن مشروع قانون إقرار الزواج المدني في لبنان لم يمر، بعد أن حظي بموافقة أغلبية وزراء الحكومة عام 1999، إذ رفض رئيسها الراحل رفيق الحريري التوقيع على القانون، وبالتالي لم يعرضه على البرلمان للمصادقة عليه، مبررًا ذلك أن “ظروف لبنان لا تسمح بذلك”.

لذلك فإن اللبنانيين أنفسهم الذين يرغبون بعقد الزواج المدني يلجؤون إلى قبرص نظرًا لقربها وانخفاض تكاليف السفر إليها وسهولة دخولها.

تغيير الدين.. شكليًا

لجأ الكثير من السوريين إلى تغيير دينهم شكليًا لإتمام عقود الزواج، وغالبًا ما يغير غير المسلم دينه كي يصحّ عقد زواجه من مسلمة، على اعتبار أن المجتمع مسلم بغالبيته.

ورغم صحة هذا الزواج شرعيًا وقانونيًا، لكن يترتب عليه الكثير من الأعباء على الأولاد الذين يتشتتون بين ديانتهم التي سجلت في بطاقاتهم الشخصية، وديانة أحد والديهم الأصلية.

الخطيفة

في بعض المدن والقرى السورية يشكل الزواج “خطيفة” (أي الهرب من سلطة المجتمع وانتقال الزوجين إلى مكان بعيد عن وجود الطرف المعيق لزواجهما)، أحد أبرز الطرق للتحايل على سلطة الدين والعادات الاجتماعية.

ويؤدي في كثير من المناطق إلى هدر دم المتزوج أو المتزوجة “خطيفة”، لخروجهما عن سلطة العائلة أو الدين، ويعتبره الكثيرون مضيعة للأنساب وفساد للدين، لأنه غالبًا يتم بين شخصين مختلفين بالدين أو المذهب.

قانونيًا يمكن للطرفين تثبيت زواجهما في المحاكم الدينية السورية في حال كانا من دين واحد، أو مسلم وغير مسلمة، وتكون الزوجة ولية نفسها في العقد في حال عدم وجود أحد أقاربها، أو تقوم بتوكيل أحد أقارب الزوج.

عروسان هاربان إلى أوروبا (تعبيرية)

بين الرفض والقبول والنأي عن الحكم

الزواج المدني من وجهة نظر الشارع السوري

أجرت جريدة عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني وصفحتها عبر “فيس بوك” لاستطلاع آراء متابعيها حول مسودة قانون إقرار الزواج المدني.

وطرحت عنب بلدي السؤال التالي: “هل تؤيد تطبيق الزواج المدني في سوريا؟”، ومنحت المستخدمين خيارات “نعم، لا، لا أعرف”.

الإجابات تفاوتت بين الخيارات الثلاثة إذ صوّت 57٪ من المستخدمين الذين وصل عددهم لما يقارب 1200 بـ “لا”، بينما أيد المسودة 32٪ منهم، ولم يحدد 11٪ موقفهم تجاه الأمر نتيجة الجهل بماهية الزواج المدني واختلافه عن الزواج الديني.

وتفاعل عدد من المستخدمين مع منشور الاستطلاع على صفحة جريدة عنب بلدي عبر “فيس بوك”، فكتب محمد العمر: “في دمشق عدد العائلات الأصيلة لا يتخطى الثلاثين، وليس العرب كلهم عرب”، معتبرًا أن الزواج المدني يمكن أن يكون سببًا في ضياع الأنساب وإنشاء جيل غير مؤهل، “لحمل راية الأمة الإسلامية”.

المستخدم مصعب أحمد اعتبر أن الزواج المدني هو “زواج عرفي”، وعرّف عبد القادر قباني الزواج المدني بأنه الزواج الذي “لا يتم فيه الالتزام بالقواعد الشرعية، أي يتم زواج المسلمة من النصراني، وهذا لا يحل شرعًا”.

وأبدى أبو محمد بني جميل جهله بالزواج المدني وطلب شرحًا له، فقال ” اشرحونا ما هو الزواج المدني 99٪ لا يعرفون الزواج المدني”.

مقالات متعلقة