السجل العقاري في مدينة الباب.. جهود لحفظ الملكيات تواجهها عوائق دون حلول

camera iconسجلات مديرية السجل العقاري في مدينة الباب في ريف حلب الشرقي- 24 من تشرين الثاني 2021 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- الباب

رغب محمد الناشف ببيع عقاره في مدينة الباب بريف حلب الشرقي في الفترة الأخيرة، وذلك لتحسين وضع عائلته المعيشي والانتقال إلى منطقة أخرى. وفي معظم المناطق التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية، جرت محاولات لإعادة تفعيل السجلات العقارية، فنشأت المديريات ودوائر السجلات العقارية البديلة.

راجع محمد مديرية السجل العقاري في مدينة الباب، وغرق في الإجراءات المعقدة المطلوبة من أجل نقل ملكية عقاره إلى المشتري.

قال الرجل الأربعيني لعنب بلدي، “استخرجتُ رقم العقار في السجل العقاري، وذهبتُ إلى المديرية (مديرية السجل العقاري) وطلبتُ بيان قيد عقاري عن المحضر، ولدى المديرية جميع المحاضر وأرقامها والسجلات موجودة، أدخل الموظف اسمي على الجهاز فظهر اسم المحضر والمعلومات الخاصة به، مثل اسم المالك والمساحة وعدد أسهم المحضر، وإذا كان هناك حجز أو إشارة على العقار”.

جميع تلك البيانات المتعلقة بالعقار تُمنح لصاحب المصلحة ضمن بيان القيد العقاري، وهو وثيقة تصدر عن دائرة السجل العقاري التي يتبع لها العقار، وهو صورة عن الصحيفة العقارية بتاريخ صدوره، لأن الصحيفة العقارية يمكن أن تتغير بعد استخراج البيان.

ويمكن لأي شخص يرغب بمعرفة وضع عقار معيّن التقدم بطلب استخراج بيان قيد عقاري إلى دائرة السجل العقاري التي يتبع لها العقار، بعد استيفاء الطوابع القانونية المطلوبة.

خلال تجربته بنقل ملكية عقاره، تحمّل محمد الناشف حجم الإجراءات المطلوبة من المراجعين في مديرية السجل العقاري، والضغط التي تشهده المديرية، حيث وصف تلك الإجراءات بـ“المعقدة”، ولذلك، يوجد “ميسّرو معاملات على باب مديرية السجل العقاري مجازون قانونيًا، مهمتهم تجهيز الأوراق وكتابة العقود بين البائع والمشتري”.

وثّق محمد الناشف عقد البيع بينه وبين المشتري في دائرة السجل العقاري، برفقة شاهدين، “وضعنا أسماء الشهود وبصمنا، بعد ذلك دفعنا الرسوم المقدرة حسب كل بيت أو كل أرض، وأخذنا وصلًا بذلك”.

بعد الانتهاء من جميع تلك الإجراءات، تُحفظ الوثائق بإضبارة العقار إلى حين نقل الملكية من المالك الأساسي إلى المشتري الجديد.

يعي محمد المشكلات العقارية التي تراكمت في منطقته خلال السنوات العشر الأخيرة، والتحولات العسكرية التي طرأت عليها، لذلك، لجأ إلى توثيق أي إجراء مرتبط بالعقار في مديرية السجل العقاري.

ويشكّل السجل العقاري المرجعية الرئيسة التي تضمن حقوق الملكية العقارية للأفراد في سوريا، وكانت المؤسسة الرسمية المعنية بالتوثيق العقاري وهي المديرية العامة للمصالح العقارية، تعمل على سجلات ورقية أصلية موزعة على المديريات والدوائر ومكاتب التوثيق الفرعية في المحافظات والمدن السورية.

وعندما بدأت المناطق تخرج عن سيطرة قوات النظام السوري، كانت تلك السجلات وبيانات الملكية العقارية تتبعثر بين مختلف القوى المتنازعة التابعة لتوجهات سياسية مختلفة، والتي خضعت الجغرافيا السورية لها.

ويُفترض بمديريات السجل العقاري في المناطق الخاضعة لحكومات الأمر الواقع حماية حقوق الملكية العقارية للأفراد، في ظل اضطرار جزء كبير من السكان إلى مغادرة مناطقهم الأصلية والنزوح إلى مناطق أكثر أمنًا، أو اللجوء إلى وجهات أبعد خارج سوريا.

محاولة لسد الفراغ

في عام 2018، أُنشئت مديرية السجل العقاري في مدينة الباب بكادر 12 موظفًا، وبتحديات ومشكلات قانونية كبيرة، إذ إن “معظم السجلات الأصلية كانت مفقودة”، وفق ما قاله مدير السجل العقاري في المجلس المحلي لمدينة الباب، محمد الحاج أحمد، في حديث إلى عنب بلدي.

وعملت المديرية على جمع ما تبقى من هذه الملكيات من المباني الحكومية المهدمة و”قمنا بأرشفتها، وتنظيمها، وفرزها حسب المناطق والمالكين، وفي هذه الفترة تقوم المديرية بمهامها من إعطاء بيانات للمالكين تُستخدم في البيع والشراء بالمحاكم وفي تراخيص المهن وتراخيص البناء وغيرها”، وفق ما قاله مدير السجل العقاري.

وتبلغ مساحة المنطقة العقارية لمدينة الباب وريفها 2000 كيلومتر مربع، وتمتد من قرية الراعي شمالًا حتى دير حافر جنوبًا، ويسكنها حوالي 207 آلاف نسمة، وخرجت هذه المنطقة عن سيطرة قوات النظام في عام 2012.

وتهدّم المبنى الأساسي للسجل العقاري في المدينة، وفق الحاج أحمد، حين سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على كامل المؤسسات الإدارية في المنطقة، “حاليًا لدينا صور من جزء كبير من السجلات، وأضابير مالية للمعاملات التي كانت تتم أيام النظام السوري، ولدينا أرشيف ضخم للبيانات العقارية التي جمعناها من الأهالي ومن مسيّري المعاملات والدوائر الحكومية”.

وهناك جزء كبير من تكوين أرشيف السجل العقاري يعتمد على حصول موظفي المديرية على ثقة المالكين والمشترين الجدد، ومعالجة مشكلات متراكمة لأكثر من سبع سنوات بسبب توقف عمل المديرية، والحفاظ على الأملاك العامة وجمعها وأرشفتها لضمان عدم الاعتداء عليها.

ويعتبر القانون الناظم لعمل مديرية السجل العقاري هو القانون رقم “188” لعام 1926 وتعديلاته، وغيره من التشريعات السورية المرتبطة به، وذلك بما يتلاءم مع الوضع الحالي من فقدان دفاتر السجلات الأساسية ونقص الكوادر المختصة في هذا المجال.

وتُتبع نفس الإجراءات في إنجاز المعاملات العقارية للأفراد، باستثناء تسجيلها في السجلات الأساسية لعدم وجودها، وإنما فقط يتم مسك سجل اليومية وأرشفة جميع المعاملات في برنامج إلكتروني خاص، وتُحفظ الإضبارة إلى حين معالجة مشكلة السجلات العقارية الأساسية أو اعتماد بديل عنها.

كما تُحال المنازعات العقارية إلى القضاء المدني، وتُعالَج بعض المشكلات مع مديريات أخرى مثل السجل المدني ومديرية الخدمات لدى البلدية فيما يتعلق بالوثائق الشخصية وغيرها.

مشكلة نقص السجلات

تواجه مديرية السجل العقاري مشكلات النقص في السجلات، الذي يقدّر بحوالي 20%، “المشكلة التي لا قدرة لدينا على ضبتها بشكل كامل”، وفق ما قاله الحاج أحمد، و”يوجد قسم غير مؤرشف، بالتالي لا يوجد وصول إليه، وهي أضابير بحاجة إلى جهد كبير للحصول عليها (…) في بعض الأحيان نستعين بالبيانات الصادرة من دوائر النظام بشروط تضمن هذه البيانات مع عدم تعارضها مع الملكيات الموجودة لدينا، وإبراز النسخة الأساسية ومطابقتها للمعاملات الموجودة لدينا”.

وهناك عدد كبيرة من الأهالي يراجعون المديرية دون امتلاكهم أي سندات أو سجلات أو أي معلومات مرتبطة بعقاراتهم، في هذه الحالة “نحن (المديرية) لا نستطيع عمل أي إجراء بخصوص هذه المعاملات، وبالفعل هناك عدد كبير من المعاملات متوقفة لعدم وجود بيانات”.

وبحسب دراسة بحثية صادرة عن منظمة “اليوم التالي”، فإن السجل العقاري في الباب لا يعكس واقع الملكيات العقارية إلا بدرجة محدودة لعدة أسباب حتى قبل نشوب النزاع في المنطقة.

ومن ضمن هذه الأسباب، انتشار الملكيات العقارية على الشيوع، وهي صورة من صور الملكية يكون فيها العقار مملوكًا لعدة أشخاص، دون تعيين مكان حصة كل منهم بالذات.

وأغلب الأراضي موثقة على أنها أراضٍ زراعية باستثناء بعض الحالات الفردية لأراضٍ وعقارات تغير وصفها من خلال القاضي العقاري، وفق الدراسة البحثية التي حملت اسم “تجارب إدارة السجلات العقارية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام“.

وهناك قرى بأكملها من دون أي فرز للعقارات، ولا تزال على الشيوع في مدينة الباب.

وتنقسم الكليات العقارية في الباب إلى 90% أراضٍ زراعية، و10% مبانٍ سكنية، وتتبع لمدينة الباب المتاخمة للحدود السورية- التركية 400 بلدة وقرية كل منها تقريبًا منقطة عقارية مستقلة، أما مركز مدينة الباب فهو مقسّم إلى خمس مناطق عقارية، لكل منها أرقام عقارات متسلسلة ومستقلة عن غيرها، بالإضافة إلى السجلات والمخططات المساحية لمعظم هذه المناطق العقارية.

وقبل خروج المنطقة عن سيطرة قوات النظام، لم تعمل الجهات المعنية على توسيع المخطط التنظيمي للمنطقة وإزالة الشيوع، التي تتطلب إمكانيات وتكاليف مادية مرتفعة تفوق إمكانيات الأفراد، لذلك، وفق الدراسة البحثية، اعتاد سكان الباب توثيق أغلب المعاملات العقارية لدى الكاتب العدل إلى حين إزالة الشيوع وتعديل توصيف العقار.

ولذلك، تحرص مديرية السجل العقاري بكادرها الحالي على إصدار الوثائق والحفاظ عليها من خلال أتمتة جميع السجلات وبيانات ملكيات الأفراد بنسخ إلكترونية أساسية واحتياطية، من أجل تفادي فقدانها مجددًا في حال تجددت الفوضى الأمنية في المنطقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة