لا ينبغي أن تشارك إعادة الإعمار في هدم العدالة

انتشال الجثث ودفن الأدلة في الرقة

tag icon ع ع ع

العدالة للسوريين – 13

سلسلة يكتبها منصور العمري

في المادة السابقة تحدثت عن أمل جديد لتحقيق العدالة للسوريين، حيث يمكن اتخاذ ولاية المحكمة الجنائية الدولية مرتكزًا لمجادلة المحكمة في تضمين ولايتها لسوريا كما فعلت في ميانمار. يشرق بصيص الأمل هذا من بين مجموعة مظلمة من عوائق العدالة في سوريا وعلى رأسها العوائق سياسية التي يتصدرها فيتو بوتين، وأولويات المجتمع الدولي الأخرى.

لكن ما قصة الاستخفاف بحقوق ضحايا داعش والحرب عليها؟ أليس من المفترض أننا جميعًا ضد داعش وأننا نريد فضح جرائهما وإنصاف ضحاياها؟ ألم تقتل إيران بصواريخها “الغبية” مدنيين؟ ألم يعترف بوتين بقتله 100 ألف أسماهم إرهابيين؟ أليست الولايات المتحدة هي من أقرّت بقتل التحالف ضد داعش لمدنيين بالخطأ وقدمت أعدادًا محددة لهم؟ هذا الإقرار لا يعني شيئًا إن لم يتبع إنصاف أهالي الضحايا، والاعتذار وتقديم التعويضات المادية لهم.

كانت الرقة من بين مناطق سيطرة داعش، ولا تزال المقابر الجماعية وجثث القتلى بين الركام تتكشف في هذه المدينة الشهيدة بشكل مستمر منذ طرد داعش منها، وآخرها نحو 1500 جثة في منطقة البانوراما، من بينها جثث لأكثر من 300 طفل ذكر. أصبحت الرقة مرادفًا لتعبير “المقابر الجماعية”، فكلما بحثت في جوجل عن مدينة الرقة تجد اقتراحات “مقبرة جماعية”، أو إن بحثت عن تعبير مقابر جماعية يقترح جوجل “الرقة”.

شهدت الرقة سيطرة داعش لفترة طويلة ارتكب خلالها التنظيم الإرهابي مجازر وجرائم كبرى تعجز الكلمات عن وصف بشاعتها، استهدفت الأبرياء، من مدنيين وناشطين وإعلاميين وغيرهم.

ثم شهدت الرقة حرب تحريرها من هذا الوباء الظلامي، وكانت معاركها شرسة وشملت القصف الجوي واستخدام داعش الدروع البشرية.

خلفت هذه المعارك كمًا هائلًا من القتلى، شملت ضحايا مدنيين من بينهم أعداد كبيرة لأطفال ونساء، من حق أهاليهم المطالبة بإنصافهم وتحقيق العدالة لهم.

يبذل “فريق الاستجابة الأولية” في الرقة جهودًا كبيرة لانتشال وتوثيق الجثث التي تظهر في المقابر الجماعية بالرقة، وبين ركام الأبنية المدمرة، ويناشد الفريق الأهالي لإدلاء أي معلومات عن الضحايا أو ذويهم للتعرف عليهم، عبر صفحة على “فيس بوك”.

هذه المناشدة لا تستوفي شروط إبلاغ الأهالي ومحاولة الوصول إلى ذوي الضحايا، فهي محصورة بصفحات “فيس بوك” العامة محدودية الوصول. يجب العمل على وضع خطة نشر ووصول إلى أكبر قدر ممكن من أهالي الضحايا، الذين ينتشرون في جميع أنحاء سوريا وليس في الرقة فقط، فضحايا داعش ينتمون إلى مختلف مناطق سوريا، من مختطفين من مناطق أخرى غير الرقة، وأهاليهم قد لا يكونون متابعين لصفحات “فيس بوك”.

من بين آليات الوصول إلى الأهالي، الإعلان أو مناشدة أهالي ضحايا داعش من خلال برامج الراديو أو الصحف المطبوعة أو القنوات التلفزيونية، كي يصل الخبر إلى أكبر عدد ممكن من السوريين.

يقوم فريق الاستجابة أيضًا بانتشال الجثث من بين ركام الأبنية المدمرة، وهو ما يطمس آثار الجريمة أو سبب وكيفية مقتل الضحايا، فالجثث ومكان وجودها وشكلها، هي أدلة لا يجوز العبث بها قبل معاينتها جنائيًا وقانونيًا في إطار تحقيقات.

يجب فتح تحقيق جنائي في كل مكان وجدت فيه جثث، وخاصة في أماكن غير المقابر الجماعية، للبت في أسباب موت الضحايا ومن المسؤول، من أجل تحقيق العدالة. من المهم جدًا اصطحاب فريق توثيق جنائي مختص إلى كل مكان تُكتشف فيه جثث، للوقوف على أسباب مقتل هؤلاء، وتوثيقها، والمطالبة بتعويضات لأهالي الضحايا.

قد تشمل المقابر الجماعية ضحايا ممن ذبحهم تنظيم داعش، أو قتلى الغارات الجوية من المدنيين الذين تخلص داعش من جثثهم في هذه المقابر، لكن الأماكن الأخرى كالأبنية المدمرة قد تضم مدنيين قتلوا بالخطأ بغارات جوية أو قصف عشوائي، وهو ما يخول أهاليهم بالمطالبة بالمحاسبة وبتعويضات من المرتكب أو المسؤول عن هذه العمليات العسكرية من دول أو جماعات.

يجب تخصيص جزء من الأموال المقدمة لإعادة إعمار الرقة، لدعم جهود فريق الاستجابة الأولية في الوصول إلى أهالي الضحايا، وفتح تحقيقات للوصول إلى المسؤولين عن مقتل الأبرياء. لا أعتقد أن الفريق الذي يمارس عملًا إنسانيًا عظيمًا يقبل أن يضعه التاريخ في إطار عملية منظمة أو غير مقصودة ربما، تخفي أدلة على جرائم حرب، أو انتهاكات أخرى، بما يهدر حقوق الضحايا ويحرمهم من الإنصاف إلى الأبد، لكن التاريخ لن يغفر أو ينسى طمس الأدلة، وإهدار حقوق الضحايا وأهاليهم.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة