“العزلة” تزيد من معاناة سكان المخيمات في مناطق إدلب الجبلية

camera iconافتتاح مخيم القرية الكويتية على تلة متطرفة في ريف إدلب الشمالي - نيسان 2020 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

ريف إدلب الشمالي – إياد عبد الجواد

بينما كان الطفل أحمد الجمعة في خيمته بمخيم “البنيان”، الواقع جنوب قرية كوكنايا بريف إدلب الشمالي، أحس بألم شديد بخاصرته وبدأ بالصراخ وبعدها غاب عن الوعي لفترة من الزمن.

وفاء الأسعد، والدة الطفل الذي يبلغ من العمر 13 عامًا، لم تملك سوى “الصراخ والبكاء” في منتصف ليل ذلك اليوم (2 من آذار الماضي)، كما قالت لعنب بلدي، “بدأت بالصراخ أنا وأولادي والبكاء والاستغاثة، علنا نجد من يسعفه، لكن لم نعثر على أحد”.

اتصلت وفاء بأحد أقربائها في بلدة حربنوش، التي تبعد مسافة تزيد على عشرة كيلومترات، لإسعاف ابنها، وبعد أكثر من نصف ساعة حضر بسيارته الـ”بيك آب” وتوجهت به إلى مركز “قورقنيا” الصحي لتجده مغلقًا.

اتجه المسعفون بعدها إلى المركز الصحي الأقرب في بلدة كللي، حيث تلقى أحمد العلاج اللازم، بعد أكثر من ساعة ونصف من رحلة إسعافه، بحسب والدته الأربعينية.

في إدلب، يصل عدد المخيمات إلى ألف و106 مخيمات، وفق إحصائيات الأمم المتحدة، ومع معاناة ساكنيها من السيول كل شتاء، اتجهت المنظمات الإنسانية إلى نقل من تستطيع من سكانها نحو المناطق المرتفعة، إلا أن ذلك خلق لهم مشكلات إضافية بسبب العزلة التي وقعوا بها.

مسافات “بعيدة”

مريم المحمود تتوفر لديها وسيلة نقل، وفي مخيم “القرية الكويتية” الذي تسكنه منذ افتتاحه قبل نحو عام، هناك مركز صحي، لكنه لم يبدأ بالعمل بعد، دون سبب واضح، كما أن موقعه وسط تلال منعزلة، يحرمها من الحصول على العناية الطبية التي تحتاج إليها باستمرار.

تعاني المرأة الستينية من مرض القلب والديسك، وهو ما يتطلب منها الذهاب إلى الطبيب باستمرار، ورغم ذهابها إلى مستشفى “حربنوش” عدة مرات بصحبة ابنها على متن الدراجة النارية، لم تتلقَّ العلاج لأنها لا تتمكن من الوصول في الساعة التاسعة صباحًا للتسجيل حسب نظامه، ولذا يكون عليها الانتظار “وقتًا طويلًا” ريثما يسمح لها بالدخول إلى الطبيب المختص، نظرًا إلى الازدحام.

لا تستطيع مريم التوجه باكرًا نحو المستشفى بسبب برودة الطقس التي تؤثر سلبًا على صحتها، كما أن ضعف حالتها المادية لا يمكنها من استئجار سيارة خاصة، وهو ما حكم عليها بتلقي العلاج عند طبيب خاص في مدينة إدلب، واضطرارها لدفع تكاليف المعاينة وثمن الأدوية.

تسكن فاطمة حاج علي، الأرملة والأم لثلاثة أطفال، في مخيم “الفردوس”، الواقع على أطراف قرية الشيخ بحر غربي إدلب، والبعيد عنها ستة كيلومترات، “نعيش ضمن مخيم لا يوجد فيه مركز صحي، لذا أضطر لاستئجار سيارة خاصة أو انتظار السيارات المارة على الطرقات لنقلي إلى المراكز الصحية”، كما قالت لعنب بلدي.

التعليم.. واجب وحرمان

يواجه التعليم تحديات متعددة في منطقة شمال غربي سوريا، من القصف ونقص الدعم والازدحام، لكن المخيمات المعزولة عن محيطها يواجه الأطفال فيها مشكلة بُعد المدارس في حال عدم توفرها أو تفعيلها، مضطرين للتخلي عن تأسيس مستقبلهم بسبب بُعد المسافات.

أطفال فاطمة الثلاثة لا يتلقون التعليم، من أكبرهم البالغ من العمر 12 عامًا حتى الأصغر البالغ سبع سنوات، والسبب الرئيس هو بُعد المدارس الذي يبلغ سبعة كيلومترات حسب أدنى تقدير.

لا تشعر فاطمة بالأمان لإرسال أبنائها سيرًا على الأقدام وحدهم، وهو ما منعها من إرسالهم، مع عدم توفر وسيلة نقل آمنة لهم.

فيصل الأسعد، أب لأربعة أطفال، ثلاثة منهم في سن المدرسة بالمرحلة الابتدائية، يقيم في “القرية الكويتية”، لم يتمكن أبناؤه من تلقي التعليم بسبب ظروف الحرب خلال الأعوام السابقة، وعدم وجود مدرسة في مخيمهم الجديد البعيد عن القرى والبلدات.

حُرم أبناء فيصل من التعليم في أثناء وجودهم بريف إدلب الجنوبي، نظرًا إلى حملة القصف المتتابعة والنزوح المتكرر الذي حصل، إضافة إلى توقف المدارس لفترات متقطعة خلال العامين الماضي والحالي، نظرًا إلى تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

مثل المركز الصحي، يتوفر في “القرية الكويتية” مدرسة لكنها غير مفعلة أيضًا، وسكان المخيم لا علم لهم بالسبب.

البيع والشراء.. “هم واستغلال” يوميان

توزع المساعدات الإنسانية، من سلال غذائية وخبز بشكل رئيس، على العديد من المخيمات في الشمال السوري، إلا أن ما تضمه من احتياجات أساسية لا يكفي لسد كل ما تحتاج إليه العائلات التي تسكنها.

في مخيم “الفردوس”، الذي تقيم فيه فاطمة حاج علي، توجد محال تجارية، لكن أسعار موادها “مرتفعة جدًا”، على الرغم من بيعها للسكان النازحين الذين يعتمد أغلبهم على المعونات دون تمكنهم من تأمين دخل ثابت كافٍ للمعيشة.

الباعة المتجولون يحددون الأسعار التي يريدون لمنتجاتهم أيضًا، مستغلين بُعد المخيم عن الأسواق التي في القرى المجاورة.

يدفع الغلاء سكان المخيم للذهاب إلى القرى المجاورة سيرًا على الأقدام لشراء حاجياتهم، كما قالت المرأة الثلاثينة، مشيرة إلى غياب مصادر دخلها، واعتمادها على مردود السلال الإغاثية، لذا فهي لا تملك أي فائض تدفعه لفرق الأسعار.

مصطفى الحلبي، البالغ من العمر 45 عامًا، قال لعنب بلدي، إنه كان يقيم في مخيم بجانب بلدة كللي قبل انتقاله إلى مخيم بجانب بلدة كوكنايا أنشأته منظمة “بنيان”، “كان من السهل علي شراء حاجيات أسرتي البالغ عددها سبعة أفراد. الآن أصبح من الصعب جدًا تأمين ما يلزمنا من حاجيات يومية، نظرًا إلى بُعد المخيم عن المناطق السكنية”.

ونظرًا إلى عدم قدرة مصطفى على شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والحاجيات المنزلية، يضطر للذهاب باكرًا بشكل شبه يومي سيرًا على الأقدام إلى أقرب بلدة، لشراء ما يحتاج إليه، الأمر الذي يتطلب منه جهدًا ووقتًا كبيرًا، حسب قوله.

لا ملكية عامة قرب المدن

اختيار المناطق الجبلية البعيدة لم يكن بلا أسباب موجبة، قال مدير مكتب منظمة “بنيان” في إدلب، محمد أحمد، لعنب بلدي، فأغلبية الأراضي السهلية أو الجبلية القريبة من المدن هي أملاك خاصة، حسبما أوضح.

وهناك تعميم من وزارة الزراعة التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بعدم إنشاء أي مخيم على أرض زراعية، نتيجة ضيق المساحات المزروعة بعد الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام على ريف إدلب الجنوبي، بداية عام 2020.

كما أن المناطق الجبلية توفر الحماية من كوارث الفيضانات التي تتكرر كل عام، وتسبب انجراف الخيام ومعاناة السكان.

العامل الرئيس لبناء المخيمات في الأراضي الجبلية، كما أوضح مدير مشروع إنشاء المخيمات المنتظمة في منظمة “ساعد”، عبادة عرواني، لعنب بلدي، هو ندرة الأراضي العامة.

“المحدد في اختيار المناطق التي تم إنشاء المخيمات عليها هو ملكية الأراضي، وبعد النزوح الأخير صغرت مساحة المناطق المحررة، وزادت موجات النزوح، وتم إنشاء مخيمات على أراضٍ عامة وخاصة بشكل كبير، وقلّت الأراضي أو المساحات التي يمكن بناء مخيمات عليها”، حسبما قال عرواني، مضيفًا أن منظمة “ساعد” بنت ستة مخيمات منتظمة وأربعة مؤقتة في شمال غربي سوريا حتى الآن.

المنظمات لا تقدم كل شيء

بالنسبة لـ”بنيان”، حسبما قال مدير مكتبها، محمد أحمد، فهي تعمل على تخديم المخيمات التي أنشأتها، مثل بدئها ببناء مدرستين في مخيمين، وبناء مستوصف في مخيم “سلقين” وتجهيزه بكل المعدات اللازمة، مع تجهيز نقاط طبية في بقية المخيمات.

تفعيل تلك المراكز يعود إلى الجهة المنفذة لمشروع البناء، إذ أشار أحمد إلى أن “بنيان” تواصلت مع المنظمات العاملة في القطاع الطبي لتشغيل النقاط والمستوصف.

وفيما يخص الأسواق و المحال التجارية، فإن تأمينها في مرحلة التخطيط والدراسة، مع الاعتماد على الباعة الجوالين وأصحاب “البسطات” في تأمين ما يجلبونه من احتياجات للسكان.

“لا توجد منظمة تستطيع أن تقدم كل شيء، ولكن تتكامل الخدمات المقدمة عبر التنسيق مع الشركاء الآخرين”، حسبما قال عبادة عرواني، مدير مشروع إنشاء المخيمات المنتظمة في منظمة “ساعد”.

وأضاف عرواني أن المساعدات الإنسانية تقدم “حسب الحاجة، وعند توفرها”، مشيرًا إلى أن المنظمة التي ساعدت ببناء المخيمات الدائمة، جهزتها بالبنى التحتية وكتل الحمامات وشبكات طرقات وإنارة، مع تنفيذ مشروع إدارة المخيمات، وذلك عبر تعيين كادر إدارة وحشد مجتمعي ومساءلة ومراقبين ضمن كل مخيم.

وما يضمه مشروع إقامة المخيمات هو توريد المياه والتوعية والحماية وإنشاء المدارس والتدريبات اللازمة للمستفيدين، مثل إطفاء الحرائق، والتنسيق مع المنظمات الأخرى لجلب الخدمات للمخيم ومنها الطبية والغذائية، إضافة إلى ترحيل القمامة و”شفط الجور الفنية”.

وأشار عرواني إلى أن المخيمات، ومهما طال أمدها، ستبقى الملاذ الأخير للنازحين، وبرأيه فإن على المنظمات التنسيق لتقديم مأوى أفضل وأكثر استدامة في ضوء المعطيات على الأرض.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة