العلامات السبع لانهيار الاقتصاد

tag icon ع ع ع

أحمد الفقي

تشغل المواطن يوميًا هموم الأسعار المرتفعة والخدمات العامة التي تتدهور، وراتبه الذي لا يكفي احتياجاته وتراجع أرباح نشاطه التجاري. ثم يتقلب بين الصحف والأخبار ليتابع تصريحات وتحليلات معقدة عن حال البلاد ووضع الاقتصاد فلا يخرج إلا متحيرًا أو مخدوعًا راضيًا بما ملأ سمعه ولم يملأ فمه.

الحكم على تراجع الاقتصاد لا يكفيه النظر إلى مؤشر واحد فقط، ولكن بمتابعة أكثر من مؤشر وعلامة، سنتعرف عليها حتى يمكننا الإجابة على السؤال: هل ينهار حقًا اقتصاد الدولة؟

تراجع إجمالي الإنتاج المحلي

يعتبر إجمالي الإنتاج المحلي أهم مؤشر على حجم اقتصاد الدول ومن ثم مقدار معدلات النمو أو الانكماش من عام لآخر، وهو يعبر عن القيمة المالية الإجمالية لجميع السلع والخدمات المنتجة محليًا خلال عام مالي؛ ويحسب بجمع القيم المضافة لما تم بيعه من سلع وخدمات محليًا.

لكن لا تكفي قيمة المؤشر وحدها للحكم على تفوق دولة على أخرى، فنجد مثلًا في تصنيف البنك الدولي لعام 2014 تفوق مصر على فنلندا، أو العراق على قطر، ولهذا فإن المؤشر الأدق هو نسبة إجمالي الإنتاج المحلي إلى السكان (GDP per capita).

وبالنظر للاقتصاد السوري، فبينما كان يسجل الاقتصاد نموًا بمتوسط 5.7% بين عامي 2004-2009، انكمش إجمالي الإنتاج المحلي نتيجة التدهور الاقتصادي عام 2014 بنسبة 48% من قيمته عام 2010.

زيادة التضخم

وهو أحد أسهل المؤشرات التي يمكن للمواطن رصدها من خلال متابعته لارتفاع أسعار السلع وتراجع قوته الشرائية.

يعرف التضخم المالي بالاحتياج إلى إنفاق أموال أكثر لشراء نفس السلع بعد فترة من الزمن، وترجع أسبابه إلى خطأ في السياسة النقدية (متعمد في كثير من الأحيان) بضخ المصرف المركزي لنقود تتجاوز الغطاء المالي أو تزيد عن حجم السلع المتاحة في الأسواق.

ويمكن أن يتسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج في حدوث تضخم أو تسارع النمو الاقتصادي وما يصحبه من ارتفاع الطلب على المعروض من السلع والخدمات.

من الأمثلة التاريخية الشهيرة على التضخم المالي هي حالة انهيار الاقتصاد الألماني عقب الحرب العالمية الأولى في سقوط مخيف لقيمة العملة والتي سجلت عام 1923 حالة استثنائية حين عادل الدولار الأمريكي ما يزيد عن 4 تريليون مارك ألماني. وتعرف الليرة السورية اليوم حالة تضخم هي الأسوأ بين العملات العربية وصلت إلى قيمة 39.7% في أيار الماضي.

ارتفاع نسب البطالة

كلمة «البطالة» وحدها كافية لتترك انطباعًا سيئًا لدى أي متابع للاقتصاد، وعموم الناس سيجدها علامة واضحة ومباشرة في أعداد العاطلين في أسرته وبين أصدقائه على أن أحوال البلاد الاقتصادية متأخرة.

لكن يعتقد الاقتصاديون أن البطالة يمكن أن تكون عارضًا طبيعيًا وأن لها نسبًا ومعدلات مقبولة لا تختفي حتى في أكثر الدول ازدهارًا، بينما تظهر مخاطر البطالة حينما تكون منتظمة وطويلة الأمد.

يتمثل خطر البطالة على اقتصاد البلاد: في تراجع متوسط دخل الفرد وبالتالي عائد الدولة من الضرائب، وكذلك انخفاض معدلات الاستهلاك وما يتبعه من تراجع للاستثمار والنمو سواء لغياب الطلب، أو لخسارة السوق لمهارات العاطلين أو لارتفاع الضرائب التي تفرضها الدولة على الشركات لتعويض ضرائب الدخل.

وكما ذكر تقرير البنك الدولي فإن معدلات البطالة في سوريا ارتفعت من 15% عام 2011 قبيل الثورة إلى 58% في الربع الأول من عام 2014.

عجز الميزانية

تتعهد الحكومات سنويًا بتقديم ما يسمى بالموازنة العامة للدولة والتي تعتبر كخطة تبين المصروفات الحكومية المتوقعة والإيرادات التي ينتظر أن تمولها؛ وفي نهاية العام تقدم الحكومة تقرير الميزانية العامة للدولة والذي يوضح حقيقة ما جرى خلال السنة المالية وإلى أي مدى نجحت الحكومة في تغطية مصروفاتها. ويعرف الفارق بين المصروفات والإيرادات بعجز الميزانية.

ومع تزايد الإنفاق الحكومي على الحرب وتراجع الإيرادات مع هروب الأفراد وقبلهم روؤس الأموال، انفجر عجز ميزانية الحكومة السورية بشكل كبير ليبلغ نسبة 26.3% من قيمة إجمالي الإنتاج المحلي عام 2013، وفق تقرير ESCWA، وتلجأ الحكومة إلى الاقتراض ورفع الدين القومي لتغطية مثل هذا العجز.

الدين القومي

لا ينظر لتزايد الدين القومي دائمًا كمؤشر حاسم على تأخر النشاط الاقتصادي لدولة ما، والدليل على ذلك أن اقتصادًا رائدًا مثل اليابان يحتل رأس قائمة البلاد المدينة بنسبة تتجاوز 226% من إجمالي الإنتاج المحلي، ولكن الفارق بين اليابان وسوريا التي تمتلك نسبة دَين قومي وصلت إلى 147% في نهاية 2014، هو ثقة الدائنين في قدرة البلاد على السداد، من واقع الثقة في الوضع السياسي وحجم الإنتاج المحلي ونشاط السوق، وكذلك نسبة الدَين الداخلي (يمتلكه أفراد أو مؤسسات محلية)، والذي يصل في اليابان إلى 90% من إجمالي الدَين القومي، بينما تزايد الدَين الخارجي السوري بضراوة خلال سنوات الحرب لتتقلص نسبة الدَين الداخلي إلى 52% فقط من إجمالي الدَين القومي.

تراجع التصنيف الائتماني

وكما يوجد تصنيف ائتماني للمستثمرين والشركات، فالدول كذلك تخضع لمثل هذة التصنيفات التي تقوم بها هيئات خاصة لتحدد مدى خطورة إقراض وشراء ديون الحكومات.

وتتطلع الدولة إلى تصنيف ائتماني جيد يجذب رأس المال الخارجي ويضخ السيولة للبلاد ويمول مشاريع التنمية.

وتعتمد درجة التصنيف على قدرة الحكومات على السداد، وفرص تخلفها عن مواعيد دفعات فوائد الديون، بينما تعتمد هيئات التصنيف على تحليل مجموعة مؤشرات تدلل على أداء اقتصاد الدولة المصنفة.

مؤشرات البورصة

عرفت الولايات المتحدة في تاريخها واقعة انهيار اقتصادي عام 1929 عرفت بـ «الكساد العظيم» حين تعطلت نصف القوة العاملة، وانخفض نمو إجمالي الإنتاج المحلي بنسبة 30%، و طالت آثار التدهور العالم حتى استعاد الاقتصاد صحته مع مشاركة الولايات المتحدة بالحرب العالمية الثانية.

ويظهر في بداية «الكساد العظيم» مؤشر مهم وهو انهيار سوق البورصة وما صحبه من تعطل للقطاع المصرفي.

مؤشرات البورصة قد تكون خادعة في أوقات كثيرة، فإما أن الشركات التي تشكل أسهمها المؤشر لا تمثل قيمة اقتصادية عالية، أو أن أرتفاع مؤشر الأسهم يعزى إلى ارتفاع نشاط شركة معينة لها وزن أكبر في قيمة المؤشر مع بقاء نشاط الشركات الأخرى وقيم أسهمها ثابتة أو متأخرة.

ورغم الصراع الدائر في البلاد والعقوبات الاقتصادية، مازالت كثير من المصارف السورية (المملوكة للدولة) وكذلك بورصة الأوراق المالية تحاول أن تمارس نشاطها بشكل طبيعي لاستبقاء ما يمكن إنقاذه من روؤس أموال محلية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة