“الكبتاجون” أبرز علامات النصر

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

صارت سوريا بقيادة نظام الأسد أحد أهم مراكز صناعة وتهريب المخدرات، وبالتالي ستبقى لسنوات طويلة أحد أهم مراكز العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، فهل يكتفي العالم بالتفتيش عن المخدرات، ويتجاهل النظام الذي يرعى إنتاجها؟

بعد الجوع، والتعذيب، والتهجير، يبرز “الكبتاجون” كإحدى علامات النصر في دولة الأسد، إذ صار وسيلة للكسب غير المشروع للعائلة، وللمقربين منها، بالإضافة إلى كونه مادة لإغراق الناس في هلوسة وهذيان المخدرات، ومنعهم من السؤال عن المصير الذي وصلوا إليه في ظل استمرار تلك العائلة بالحكم.

في تقرير مصور نشرته “بي بي سي” البريطانية، في 19 من نيسان الحالي، يتبيّن حجم ضغط تهريب المخدرات على الأردن، وقد بيّن التقرير أن القوات الأردنية صادرت منذ مطلع العام الحالي 17 مليون حبة “كبتاجون”، وقتلت حوالي 30 مهربًا ينقلون المخدرات من سوريا إلى الأراضي الأردنية مستهدفين الأردن والدول الخليجية ببضائعهم.

منذ بداية الثورة السورية، تعمّد النظام سَوق المهجّرين بكثافة إلى الحدود الأردنية، للضغط على الأردن وعلى العالم بسلاح التهجير الذي أفرغ الكثير من المدن والبلدات السورية من سكانها، وها هو يعاود الضغط على الحدود الأردنية من جديد عبر عصابات تهريب المخدرات، التي يدعمها أركان النظام ويتكسبون من مردودها الضخم، ويورّطون أبناء القرى الحدودية في التهريب، مستغلين انتشار الجوع والحاجة في كل أنحاء سوريا.

الحلم الذي راود “حزب الله” بعد اجتياح مدينة القصير بتحويل الجانب السوري من الحدود اللبنانية إلى جنة خضراء من الحشيش، ومصدر مهم من مصادر تمويل القتل في سوريا وتمويل الهيمنة على الدولة اللبنانية، تطوّر ولم يعد يكتفي بالحشيش، ووصل إلى تحويل سوريا بقيادة الأسد إلى إحدى أكبر الدول المنتجة للمخدرات عبر العالم، حسب “نيويورك تايمز”، إذ وصلت الكميات المصادَرة خارج سوريا في سنة 2020 إلى 173 مليون حبة مخدرة و12.5 طن من الحشيش، حسب “المركز السوري للحوار”، وهذا يدل على فلكية الأرقام المنتَجة وغير المصادَرة أو المستهلَكة محليًا.

كان اللواء علي دوبا، القائد السابق لـ”الأمن العسكري”، هو المسؤول عن مافيات الحشيش في لبنان أيام الأسد الأب، أما اليوم فصار أعضاء كثر من عائلة الأسد يمتهنون صناعة وتهريب المخدرات، وأبرزهم ماهر الأسد الذي صار العلامة المميزة والعلنية لحبة “الكبتاجون”. فعائلة الأسد اشتهرت باحتراف التهريب منذ أيام شيخ الجبل الذي كانت تحميه سمعة الأسد الأب، وكان أفراد عصاباته يتجولون بسيارات “مرسيدس” فخمة (الشبح) تحمل أرقامًا مخصصة لـ”القصر الجمهوري”، ولم يتجرأ أي فرع مخابرات أو جمارك على مصادرة مهرباته من سلاح ومخدرات ودخان.

اليوم تحولت المناطق الصناعية في حلب وحمص واللاذقية من إنتاج الغذاء والمواد الطبية والملابس إلى إنتاج “الكبتاجون” وأنواع المخدرات الأخرى، وصارت طرق التمويه تعتمد على حشو المنتجات الغذائية مثل الرمان وعلب الحليب بحبات “الكبتاجون” التي أظهرتها وكالات الأنباء في مرات كثيرة من السعودية والإمارات والأردن واليونان ومصر، ووصلت تلك المنتجات المزيّفة إلى ماليزيا التي ضبطت عام 2021 إحدى الشحنات المحشوة بـ95 مليون حبة “كبتاجون” مصدرها ميناء “اللاذقية” ووجهتها النهائية كانت السعودية.

وكان جيش الأسد أول من استخدم المخدرات على شكل منشطات لإبقاء جاهزية القوات لفترة طويلة، وللقيام بالعمليات القذرة ضد المدنيين دون خوف، بالإضافة إلى استغلال ذلك الإدمان من أجل الضغط على بعض العناصر للقيام بأعمال القتل والاغتصاب والاشتراك في المجازر التي يرتكبها النظام.

وقد استفادت “داعش” من تلك التقنية في التوريط لتنفيذ العمليات الانتحارية وللمشاركة بأعمال التعذيب في سجونها، وللبقاء لمدة طويلة في ساحات المعارك التي لا تنتهي، وصارت المنشطات اعتبارًا من مشروبات الطاقة وصولًا إلى المخدرات من أهم لوازم الجاهزية القتالية لدى “داعش” وكذلك لدى جيش الأسد.

وحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”، في 19 من آذار الماضي، فإن جزءًا من المخدرات التي ينتجها النظام مع “حزب الله”، تنقلها الفصائل الإيرانية عبر قوافلها إلى الداخل السوري، لتتحول بعدها إلى مناطق الشمال السوري لتخترق أوساط المهجّرين وتنشر تجارة المخدرات بينهم نتيجة حالة اليأس وانسداد الآفاق أمام الأجيال الجديدة. ويتم توريط الأطفال الذين يتركون المدارس من أجل أن يعملوا في الترويج، ما يشكّل خطرًا على الأجيال المقبلة.

بعد التعذيب، والتهجير، و”الكبتاجون”، لن يتوقف نظام الأسد عن استعمال أبشع الوسائل من أجل الاعتراف به منتصرًا، ومن أجل إعادة الشرعية له. وما لم يتم إسقاط هذا النظام، فإنه سيبقى مصدر خطر دائم على المنطقة مثلما هو مصدر خطر دائم على السوريين جميعًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة