المصادر المفتوحة في العمل الصحفي

tag icon ع ع ع

علي عيد

كثير من المواد الصحفية، المكتوبة والمسموعة والمرئية، تعتمد على مصادر مفتوحة، إذ يقوم الصحفي المخبر، أو المحرر في غرفة الأخبار، بالتقاط معلومات عن قضايا تستحق المتابعة عبر مصادر متاحة للعموم، ثم يجري البناء عليها والبحث خلفها، والتوسع في معالجتها.

خلال السنوات القليلة الماضية، نشأ مفهوم “التحقيقات المفتوحة المصادر” (Open Sources Intelligence)، أو ما يسمى “أوسينت” (OSINT)، إذ يلجأ الصحفي أو فريق من الصحفيين إلى تحليل بيانات وخرائط وفيديوهات وربطها وتحليلها، ودعمها لاحقًا بشهادات الشهود، وما يمكن الحصول عليه من وثائق ومرفقات تؤكد فرضية التحقيقات، وصحة المعلومات التي يجري البحث فيها من مصادر مفتوحة.

الاعتماد على المصادر المفتوحة في المعالجات الصحفية يكون دليل ضعف في بعض الأحيان، كأن تكون المعلومات المنشورة والمتاحة للجمهور غير خاصة، وجرى تداولها على نطاق واسع، لكن الصحفي أو وسيلته الإعلامية قصّرا في المواكبة، واقتصرت المعالجة للحدث تاليًا على ما نُشر في وسائل إعلام مختلفة، أو ما قاله ناشطون أو مؤثرون يتابعون الحدث.

ويمكن أن يكون استخدام المصدر المفتوح مصدر قوة، إذا بادر الصحفي إلى النبش في أصله، والتأكد من صحته، والبحث عن أصوله، ومخاطبة كل طرف على علاقة بالمعلومة أو الحدث، ما يعني “القيمة المضافة” (Value Added) التي سيقدمها في معالجته لما حصل عليه من أخبار ومعلومات.

يمكن تلخيص أهم المصادر المفتوحة بالآتي:

– وسائل الإعلام من صحف إلكترونية أو مطبوعة وإذاعة وتلفزة.

– مواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات التي تعود لمصادر أو جهات معروفة وموثوقة.

– الكتب والدراسات والمدوّنات المتخصصة.

– المواقع الرسمية للشركات أو الحكومات أو الجريدة الرسمية للدولة.

– مواقع رصد حركة الطيران والسفن.

– الخرائط وصور الأقمار الصناعية.

– أخبار الشارع، أو حديث العامة، حول أحداث تأكدت عبر الشهود.

– محطات الرادار التي ترصد حركة الطيران الحربي.

يمكن القول إن سوريا كانت من الساحات الخصبة لتطور مفهوم التحقيقات المفتوحة المصادر، إذ استفاد صحفيون من مضاهاة ومقارنة صور الأقمار الصناعية، وتحليل حالة الطقس، والعودة إلى بيانات تخص حركة الطائرات أو السفن، ونتجت عن هذا النوع من المصادر أخبار وتحقيقات أصبحت جزءًا من العدالة الدولية، أو تقارير المنظمات الحقوقية التي تلاحق جرائم الحرب، كما جرى تحليل وتتبع جرائم القصف بالسلاح الكيماوي في ريف دمشق وجسر الشغور وغيرهما من المناطق.

وأسهمت المصادر المفتوحة في إنجاز تحقيقات وتقارير في الصحافة أو مؤسسات ومراكز الأبحاث المعنية بتحليل اقتصاد الحرب، كإنتاج وتوزيع وتهريب حبوب “الكبتاجون” المخدرة.

يحتاج الصحفي إلى أن يشغّل حواسه كلها، وأن يتمتع بقدرة عالية على التقاط المعلومات وربطها وتحليلها عندما يعتمد على المصادر المفتوحة، وأن يستوعب أصلًا أهمية تلك المصادر ودورها، وأن يمتلك أدوات ومهارة استخلاص المعلومات واستثمارها في مواد صحفية تسهم في الكشف عن قضايا غامضة، أو تسلّط الضوء على ظواهر مخفية، أو معلومات غائبة عن الجمهور.

قد تصدر دائرة إحصاء في حكومة ما تقريرًا حول الولادات الطبيعية والقيصرية خلال مدة زمنية معيّنة، وتظهر هذه الإحصاءات ارتفاعًا في معدلات ولادات الجراحة القيصرية، دون أن تقوم الجهات المتخصصة بتحليل هذه الإحصاءات أو تفسيرها، وهذا يستدعي من الصحفي التقاط هذه المؤشرات من المصدر المفتوح، وهنا يبدأ عمله على مادة فريدة ومهمة.

المثال السابق يستدعي من الصحفي إتقان العمل في صحافة البيانات، والعودة إلى أرقام سابقة، ومخاطبة جهات ذات صلة، واستحضار شهود من أطباء ونساء خضعن لجراحات قيصرية، واستيضاح الأسباب، والتأكد من حصولهن على استطبابات تبرر هذه العمليات، ثم لا بد من مواجهة الجهات المسؤولة، ما يعني بالمحصلة أن المصدر المفتوح كان مجرد مفتاح لعمل كبير، لكن صندوق المعلومات الثمين ليس متوفرًا بعد لأسباب مختلفة، منها تقصير الجهات المعنية أو فسادها.

إذا اعتبرنا أن المصدر المفتوح هو مفتاح صندوق المعلومات، بعد التأكد والتمحيص في دقة المصدر وجدارته وعلميته أو موثوقيته، تبدأ عملية أخرى، وهي الأصعب من عمل الصحفي، فهذا الصندوق لن يكون عبارة عن معلومات مجمعة وجاهزة لاستثمارها، وإنما قد يحتوي آلاف الاحتمالات، والوثائق والشهود والإحصاءات.

من أخطار المصادر المفتوحة التعرض للتضليل، وانتشار الأخبار الزائفة (Fake news)، والتزييف العميق (Deepfake) عبر التلاعب بالصور والفيديوهات، خصوصًا في عصر الذكاء الصناعي (Artificial intelligence)، وما يسمى الذكاء الصناعي الفائق (Artificial super intelligence) الذي قد يكون من أهدافه توريط الإعلام في تسويق نظريات وخطط تغيير لمصلحة دول أو شركات أو سياسات.

انتشار التضليل والتزييف استدعى بروز صحافة كاملة مهمتها نفي أو تأكيد الأخبار، وهو ما يعني أن على الصحفي أن يضيف التدقيق في المعلومات وصحة الأخبار إلى أدواته وهو يتعامل مع المصادر المفتوحة.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة