المناطق المحررة.. مشكلات تبحث عن حلول حقيقية

camera iconمظاهرات تندد بإيقاف الدعم عن قطاع التعليم في إدلب - 25 من تشرين الأول 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

لا يمكن تحقيق الاستقرار السكاني بدون توفير شروطه الموضوعية، ويتقدم هذه الشروط فرص العمل، وتوفر الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والأمن، إضافة إلى توفر نظام رعاية اجتماعية، يؤمن المستوى المقبول من المعيشة للمجموعات الاجتماعية، غير القادرة على تأمين مصدر دخلها بشكل مستقل.

ولعل من الضروري تسليط الضوء على المعاناة المعيشية في منطقتي “غصن الزيتون” و”درع الفرات”، بعد أن كشفت إحصائيات اشتغل عليها “مركز الدراسات الاستراتيجية التركماني” الوضع المعاشي السيء للسكان، ووضع الخدمات المتدني في هاتين المنطقتين.

تقول إحصائيات “مركز الدراسات الاستراتيجية التركماني”: إن عدد السكان التقريبي في المناطق المحررة “غصن الزيتون” و”درع الفرات” يبلغ قرابة 3.110.000 مواطن، منهم قرابة 28 ألف أرملة تعيل أسرتها، و156 ألف طفل يتيم أحد الأبوين أو كليهما. وأن الوضع المعاشي في هذه المناطق يمكن أن نعتبره ضمن المقاييس الدولية التي تحدد خط الفقر. إذ يعيش قرابة مليوني إنسان تحت مستوى هذا الخط، حيث يبلغ دخل الأسرة المكونة من خمسة أفراد أقل من مائتي دولار شهريًا، أي أن دخل الفرد الواحد يبلغ أقل من أربعين دولارًا كل شهر، وهو مبلغ لا يكفي لتأمين مستلزمات الحياة بحدها الأدنى.

هذه اللوحة القاتمة للوضع المعاشي تحتاج إلى مؤتمر دولي، تدعو إليه الحكومة المؤقتة، وتحضره منظمات دولية معنية بهذه الشؤون، وأن عقد مثل هكذا مؤتمر سيجنب هذه المناطق زيادة تراكم نسبة الفاقة والعوز.

إن من أهم أسباب تردي الأوضاع المعاشية لسكان المناطق المحررة هو عدم وجود فرص عمل حقيقية، هذه الفرص التي يحققها الاستثمار الاقتصادي في هذه المناطق، تحتاج إلى شروط أمن وسلامة للاستثمارات، وهذا يعني وجود أنظمة عمل وقوانين تنظم هذه الاستثمارات، وهو ليس متوفرًا في الوضع الإداري الحالي.

فإذا علمنا أن نسبة العاطلين عن العمل تبلغ قرابة 68% من القوة العاملة، فهذا يعني أن هؤلاء العاطلين عن العمل، يعيشون على ما يصلهم من تحويلات مالية خارجية من اقربائهم في تركيا أو أوروبا، أو يعتمدون على اقربائهم من الأفراد العاملين. أما أهل المناطق الأصليون، فقسم منهم يعيش على عائدات الزراعة من أرضهم، في وقت ينبغي الإشارة فيه إلى أن المشاريع الزراعية المعنية هي مشاريع صغيرة، وتواجه مشاكل كثيرة.

ويحق السؤال هنا عن دور وزارة الزراعة والخدمات في الحكومة المؤقتة، في تقديم الدعم العيني للمزارعين، وتحديدًا البذور المحسنة، والأسمدة الضرورية، ومواد مكافحة الحشرات، بما يخدم تحسين الإنتاج الزراعي.

ولكن هل تخضع المناطق الزراعية لرقابة وزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة على مستوى نوعية المحاصيل الزراعية؟، أم أن الإنتاج الزراعي لا يخضع للدراسة وفق حاجات المنطقة من المحاصيل، سيما وأن هناك إشارات إلى أن بعض المزارعين يقومون بزراعة النباتات المخدرة وترويجها تجاريًا. ومثل هكذا زراعة ممنوعة دوليًا بغير خطط حكومية، وهذا يتطلب تدخلًا جادًا من الحكومة المؤقتة، لمنع مثل هذه الزراعات خارج رقابتها، فهناك قوانين دولية تضبط هذه الزراعات، ولذلك لا ينبغي إهمال هذا الأمر من قبل السلطات المعنية.

كذلك يمكن ملاحظة أن عدد الأفراد الملتحقين بصفوف “الجيش الوطني”، يبلغ قرابة مئة ألف فرد، ويحصل المقاتل على راتب شهري مقداره مائتي دولار أمريكي شهريًا. هذا الدخل المحدود عمومًا، ونسبة البطالة المرتفعة، وعدم توفر مستلزمات العملية التعليمية، جعل نسبة الأطفال المتسربين من التعليم تبلغ أرقامًا مخيفة، حيث تبلغ نسبة الأطفال الذين لا يحصلون على فرصة تعليم 63% من مجموع الأطفال ممن هم في سن التعليم.

هذه الأرقام المتعلقة بالوضع المعاشي والحياتي للسكان في منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات تدفعنا إلى قرع جرس الإنذار من كارثة وطنية تتراكم عناصرها يومًا وراء يوم في ظل غياب استراتيجية تنمية لهذه المناطق. وهذا يتطلب بصورة جدية، أن تفرض الحكومة المؤقتة هيبة سلطتها في هذه المناطق، وتقوم بنفسها بإدارة المؤسسات الحكومية، والإشراف على مؤسسات المجتمع المدني، وتحديدًا بما يتعلق بفرض الضرائب، وتحصيل عائدات المعابر الحدودية، التي لا تزال بعيدة المنال عن خزينة الحكومة المؤقتة.

إن وجود 28 ألف أرملة و156 ألف طفل يتيم يستدعي بالضرورة وضع حلول دائمة لهذه المشكلات، وأن تكون هذه الحلول خارج أسلوب الاعتماد على منظمات الإغاثة. ولعل إحداث صندوق وطني للرعاية الاجتماعية لرعاية الأرامل واليتامى والمعوقين، هو الحل الأنسب والسليم في مثل هذه الحالات. وأن تأتي أموال الصندوق من نسبة صغيرة مضافة على الضرائب وعلى عائدات المعابر الحدودية. كذلك يمكن لهذا الصندوق الوطني قبول مساعدات المنظمات الدولية، أو تبرعات الجمعيات الخيرية، أو تبرعات الأفراد.

إذن يمكننا القول، أن تفعيل دور مؤسسات الحكومة المؤقتة بصفتها السلطة الوحيدة في “المناطق المحررة”، يساعد على حل مشاكل هذه المناطق الإدارية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، وهو أمر حاسم في توفير بيئة استثمار، تساعد على توفير فرص العمل، وزيادة دخل الفرد في هذه المناطق. فهل يحدث ذلك أم ننتظر حدوث ما لا تحمد عقباه.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة