تقارب أنقرة- دمشق.. متغيرات ورسائل “غير ودية”

اللقاء الرباعي في موسكو حول سوريا- 10 من أيار 2023 (مولود جاويش أوغلو/ تويتر)

camera iconاللقاء الرباعي في موسكو حول سوريا- 10 من أيار 2023 (مولود جاويش أوغلو/ تويتر)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

يصطدم مسار التقارب التركي مع النظام السوري، منذ انطلاقه رسميًا في كانون الأول 2022، بعديد من العقبات التي تجسدها ملفات عالقة بين الطرفين راكمتها سنوات الخصومة السياسية لأكثر من 12 عامًا، حين اصطفت أنقرة إلى جانب الثورة السورية المطالبة بتغيير سياسي في سوريا، في 2011، واستقبلت على أراضيها أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري.

الوجود العسكري التركي في شمال غربي سوريا، وعرقلة النظام للعملية السياسية وفق مقتضيات القرار الأممي “2254”، وتفاصيل أخرى كثيرة جعلت محاولات التقارب التي رعتها وباركتها موسكو، واحتضنت لقاءاتها حتى الآن، لا تخطو أبعد من لقاءات غير دورية تناقش خطوطًا حمراء لدى الطرفين قبل أن تعود لمناقشتها ذاتها في اللقاء التالي، دون التوصل إلى نتيجة ملموسة وعلنية على الأقل.

في 28 من تموز الماضي، نقلت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية عن مصدر لم تسمِّه في الدائرة الدبلوماسية الروسية، أن اجتماعًا لوزراء خارجية أطراف “الرباعية” (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري) قيد المناقشة حاليًا، لكن جدول أعمالهم يجب أن يتزامن.

المصدر الروسي اعتبر أن العملية (في إشارة إلى التقارب) مستمرة، وأن مسألة اللقاء قيد النقاش، لكن للوصول إلى نتائج من الضروري توافق جداول أعمال الوزراء.

الأسطوانة ذاتها

التصريح الروسي يأتي بعد أكثر من شهر على أحدث لقاءات “الرباعية” على مستوى نواب وزراء الخارجية، الذي انعقد في 20 و21 من حزيران الماضي، بالتزامن مع آخر لقاءات الاجتماع الدولي بشأن سوريا بصيغة “أستانة”.

وحينها، أوضح نائب وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، أن أي نتائج فعلية لمسار “أستانة” يجب أن تستند إلى السحب الفوري للقوات التركية من الأراضي السورية.

كما اعتبر التصريحات التركية حول سيادة سوريا ووحدة أراضيها تتنافى مع استمرار “احتلالها” للأراضي السورية، وتخالف القانون الدولي، وأبسط مقومات العلاقات بين الدول، وفق تعبيره.

وبعد انتهاء اللقاء السياسي، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إن اتفاقًا جرى بين أنقرة ودمشق وطهران على خارطة الطريق التي قدمتها موسكو لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

وأضاف أن جميع الأطراف اتفقت على خارطة طريق “للنهوض بتطبيع العلاقات”، وأعلنت عن وجهات نظرها ومقترحاتها، والآن يجب تنظيمها وتنسيقها، معتبرًا أن الأهم هو أن تمضي (عملية التطبيع) قدمًا، كونها عملية تقدمية، لا يجب تأجيلها، والجميع متفقون على هذا، وفق قوله.

رسائل “غير ودية”

ومنذ ذلك اللقاء، قدم طرفا العملية مؤشرات توحي ببعد أكبر وتشبث بالمواقف والتصريحات التي سبقت دوران عجلة اللقاءات.

وخلال تصريحات صحفية أدلى بها من مطار “أتاتورك” باسطنبول، في 17 من تموز الماضي، أوضح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، طالب بأن تغادر تركيا المناطق التي تتمركز فيها شمالي سوريا، لكن لا يمكن لهذا الشيء أن يحدث، مشيرًا إلى أن بلاده تحارب “الإرهاب” هناك.

وبعد عشرة أيام أيضًا، تطرق أردوغان، في 27 من تموز، إلى جرائم النظام السوري خلال كلمة ألقاها بمناسبة تخريج دفعة من طلاب مدرسة الشرطة المهنية في أكاديمية الشرطة بأنقرة، وقال حينها، “سمعت أبًا مساء أمس على شاشة التلفاز يقول اقتلونا، لجأنا إليكم لنتخلص من جرائم الأسد، أنتم إخوتنا، إن لم تقبلونا اقتلونا”.

وحين التقى رئيس النظام السوري المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، في 25 من تموز، ذكرت “رئاسة الجمهورية” التابعة للنظام، أن الجانبين بحثا عدة ملفات، منها “التعنت التركي” في مسألة الانسحاب من الأراضي السورية.

في الوقت نفسه، يواصل النظام تحميل أنقرة المسؤولية عن أزمة المياه الخانقة التي تعيشها محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا (تحت سيطرة “الإدارة الذاتية”).

مؤشر زمني

وبالنظر إلى حالة نشاط اللقاءات التفاوضية بين أطراف “الرباعية” خلال الفترة الأخيرة، تبدو بوضوح حالة الدفع بالمسار التي جرت قبل الانتخابات الرئاسية التركية، فانعقد لقاء لنواب وزراء الخارجية الأربعة، في 4 من نيسان الماضي، ثم لقاء لوزراء الدفاع وقادة الاستخبارات للأطراف ذاتها في 25 من الشهر نفسه، وصولًا إلى لقاء وزراء الخارجية في 10 من أيار، لأول مرة منذ بدء المسار.

وبعد هذا اللقاء انشغلت أنقرة بانتخاباتها الرئاسية التي جرت في جولتين، وخرج منها رجب طيب أردوغان منتصرًا مجددًا خلافًا لآمال الأسد بتغيير سياسي في تركيا قد يدفع بمسار التقارب قدمًا، وفق تصريحاته لقناة “روسيا اليوم” منتصف آذار الماضي.

حالة التسارع هذه في اللقاءات تبعتها عودة للإيقاع غير المنتظم المألوف، ليأتي اللقاء الأحدث في 20 من حزيران، بعد نحو 40 يومًا على اللقاء الذي سبقه، كما مضى على لقاء “20 من حزيران” نحو شهر ونصف، دون تحديد موعد لقاء جديد بعد.

في المقابل، فإن ثلاثة لقاءات جرت في أقل من هذه المدة، قبيل الانتخابات التي عززت موقف أنقرة التفاوضي، مزيحة عن الملف ثقله على السياسة الداخلية، بعد انتزاعه من يد المعارضة التركية.

ومن المقرر أن يزور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيا، خلال آب الحالي، وفق تصريحات أردوغان، في 4 من آب، دون استبعاد نقاش الطرفين الشريكين في محادثات “أستانة” الملف السوري، خلال الزيارة التي تأتي بعد سابقة أجراها خصمه الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في 8 من تموز، وراقبتها موسكو عن كثب، وكان من مفرزاتها دعم تركي لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستعادة الرئيس الأوكراني مجموعة من ضباطه المقيمين في تركيا بموجب اتفاق تبادل أسرى سابق مع موسكو.

أنقرة مصممة؟

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن مسار التقارب التركي مع النظام السوري يواجه تعقيدات كبيرة، لعل أبرزها مسألة الوجود العسكري التركي في سوريا، لكن الواضح أن الأطراف المعنية بالمسار راغبة بالمضي قدمًا فيه.

وأشار علوش إلى تغير جزئي في الموقف التركي بعد الانتخابات (28 من أيار الماضي)، ما جعل أنقرة أقل استعدادًا لتقديم تنازلات فيما يتعلق بالجوهر، أو الخطوط الحمراء لسياستها في سوريا.

الباحث يرى إمكانية حدوث تقدم طفيف في مسار التقارب بين تركيا والنظام، مبينًا في الوقت نفسه عدم وجود قناعة تركية بأن النظام السوري قادر على بسط سيطرته في مناطق شمال شرقي سوريا على الأقل (تديرها أجسام كردية ترى فيها أنقرة تهديدًا لأمنها القومي)، كما أن النظام غير قادر على معالجة ملف اللاجئين أيضًا، وهو ملف ضاغط داخليًا بالنسبة لتركيا.

“تركيا ستستمر في الحوار، ومساره غير مرتبط فقط بالقضايا الخلافية، بل يرتبط بالعلاقات التركية- الروسية عمومًا، وهذه العلاقة مؤثرة في الحوار، على اعتبار أن موسكو هي الراعي”، أضاف محمود علوش.

وبحسب تقييم الباحث، قد لا تكون تركيا مصممة على بلوغ نتائج في الحوار مع النظام السوري، طالما أن للحوار أهدافًا وفق السياسة التركية، ويبدو أن الرئيس التركي مصر على مواصلة الحوار مع النظام، على الأقل في هذه الفترة التي تترقب فيها تركيا انتخاباتها البلدية، وتوقف المسار أو عرقلته حاليًا، قد يشكّل ورقة قوية للمعارضة يمكن أن تستثمرها في الانتخابات.

“تركيا واقعية في سياستها، ولا يمكن لهذا الحوار التوصل إلى نتائج تعالج بشكل جذري الأولويات والهواجس التركية، على مستوى الأمن أو إعادة اللاجئين السوريين”.

محمود علوش- باحث في العلاقات الدولية

في 26 من حزيران الماضي، نشرت صحيفة “يني شفق” التركية المقربة من الحكومة، ما قالت إنه أربعة شروط تركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، تتجلى بالتوصل إلى تعديل دستوري، وانتخابات نزيهة في سوريا، وعودة مشرّفة وآمنة للاجئين السوريين، والتعاون في مسألة “مكافحة الإرهاب”، وتحديدًا فيما يتعلق بحزب “العمال الكردستاني” (ترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” تشكّل امتداده في شمال شرقي سوريا).

وتتقاطع المطالب التركية إلى حد بعيد مع الطروحات العربية ضمن “المبادرة الأردنية”، مع اختلافات في الصياغة، واتفاق على عدم تقديم استجابة ملموسة من النظام تدفع بالعملية السياسية قدمًا، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن “2254”، الذي يشكّل خارطة طريق “مع وقف التنفيذ” للحل في سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة