“تقديس الأسد”.. حالة مرَضية يعيشها سوريون ما علاجها

رجل سوري يمر بجوار ملصقات لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرشح للانتخابات الرئاسية في العاصمة لعام 2021 في العاصمة دمشق- 18 من أيار 2021 (AFP)

camera iconرجل سوري يمر بجوار ملصقات لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرشح للانتخابات الرئاسية في العاصمة لعام 2021 في العاصمة دمشق- 18 من أيار 2021 (AFP)

tag icon ع ع ع

نشر فكرة “تأليه الأسد” في سوريا من خلال عدة عوامل، هي ثقافة اجتهدت في تثبيتها السلطة في عقول المجتمع، إذ تحولت الدولة بكل مؤسساتها كشيء مملوك للنظام الحاكم، ما منح هذا النظام طاقة كبيرة للسيطرة والتسلط، وهي البنية الأساسية التي ترسم فيها السلطة ملامح علاقتها بالمجتمع.

وجدد مؤيدو رئيس النظام السوري، بشار الأسد، دعمهم له، بالتزامن مع إقامة الانتخابات الرئاسية السورية خلال أيار الحالي، ولكن لم يتوقف هذا الدعم على شعارات وخطابات التأييد، إنما وصل إلى مبالغات في “تأليه” شخص الأسد نفسه.

وانتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسجيل مصوّر لتجمّع مؤيد للنظام السوري، هتف خلاله الأفراد “هي ويلا بشار هو الله”.

وفي خطبة عيد الفطر في الجامع الأموي بدمشق، التي حضرها الأسد، في 13 من أيار الحالي، شبّه الشيخ حسام الدين فرفور الأسد بأنه “يتخلق بأخلاق الله”، بسبب إصداره “عفوًا عامًا” عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 2 من أيار الحالي.

وتداول ناشطون سوريون تسجيلًا مصوّرًا في، 5 من آذار الماضي، لمعلمة سورية تلقّن طلابها عبارة “لا مستقبل لسوريا من دون الأسد”، لافتة إلى أن بشار الأسد هو أمل سوريا للخلاص من الاحتلال، ليرد التلاميذ بالعبارة ذاتها.

حالة مرَضية

يعتبر تقديس السلطة حالة مرَضية تندرج ضمن المشكلات الأخلاقية- الاجتماعية، التي تسبب تأخرًا كبيرًا للمجتمع عن بقية المجتمعات الأخرى في النقد الفكري للسلطة، وفق ما ذكرته الدكتورة والمستشارة النفسية- التربوية نسيبة جلال، في حديث إلى عنب بلدي.

وهذه الثقافة تلغي عند المجتمع تكوين مشروع فكري مختلف عما تصدره السلطة له، فلا يستطيع الفرد أن يختار ما شاء في مصلحة مجتمعه.

واجتهد النظام السوري خلال الـ50 عامًا الماضية وحتى الآن في صناعة الفرد المقدّس الذي يتحكم في كل مؤسسات الدولة، وفق ما قالته الدكتورة نسيبة جلال، من خلال تربية الشعب على تقديس شخصية الأسد، “فنشأ شعب على شكل عقول راضخة راضية لاستبداد السلطة في سوريا”.

وركز النظام على ثلاث مؤسسات لخلق تقديس الأفراد في عقول المجتمع، وهي مؤسسة الأسرة ومؤسسة المدرسة ومؤسسة الإعلام، “فنجد أن الأسرة تتربى على تطوير عقول أبنائها نحو الرضوخ للنظام السلطوي”.

كما أن المناهج الدراسية في سوريا تقدم للمتعلم شخصية الأسد بمدح مبالغ فيه “لإنجازاته العظيمة”، كمحاولة منها لاستقرار هذه الفكرة في ذهنية المتعلم.

والمناهج الدراسية لدى الأنظمة المستبدة يُنظر إليها كوسيلة لتدجين الطلبة منذ الطفولة، ليكونوا “مواطنين موالين وطائعين لسياسة هذه الأنظمة قبل أوطانهم، بما يعكس أيديولوجيتها وفلسفتها الاستبدادية”.

اقرأ أيضًا: تأليه الأسد.. سوريون يعبدون خوفهم

كما كان للمؤسسات الإعلامية السورية الدور الأكبر في نشر ثقافة تقديس السلطة، “بتضليل وتزييف الحقائق واختراقات لا تحصى ولا تعد لمعايير المهنية، عبر طرح وجهة نظر واحدة تخدم بقاء السلطة وتبرز إنجازات خلّبية”.

كأن يجتهد النظام بنشر روايات عارية عن الصحة لتبرير استمراريته ونفوذه في الحكم، مثل كونه يمثل الشعب ويحكم بقبول شعبي، وأنه الوصي على الوحدة الوطنية والتطلعات القومية العربية، وأنه “صخرة صمود ضد الإمبريالية الغربية والتوسعية الإسرائيلية”.

وحالة تعظيم القائد الذي يعيشها المجتمع هو “نوع من العصاب”، وهي نوع من أنواع الخوف الذي يؤدي إلى اضطراب في الشخصية والتوازن النفسي، وتندرج تحت هذه الآلية المرَضية “أسطرة” وتقديس الأشياء والأشخاص في سياق إشباع دوافع نفسية غير واعية، وفق حديث سابق للباحث الاجتماعي السوري صفوان موشلي إلى عنب بلدي.

ولا يعدو تأليه الأشخاص في بيئات يسودها الخوف أو الحب المرَضي إلا نوعًا من أنواع العصاب، وفق الباحث موشلي، فالعصاب مرض نفسي يصيب المجموعات الاجتماعية أو مجموعة من الأفراد في مجتمع ما، إذ يعاني مريض العصاب من رهابات مرتبطة بالتنشئة، تعززها بيئة تتصف بتعميم القمع أو الخوف.

اقرأ أيضًا: كيف أثر تلقين “حب القائد” في المدارس السورية

ما العلاج

المجتمع السوري بحاجة إلى “إعادة تربية” بأكمله، وفق ما تراه الدكتورة والاستشارية النفسية- التربوية نسيبة جلال، وذلك من أجل التخلص من عقلية تأليه الأسد.

وهذا يكون من خلال إحساس كل من الأسرة والمجتمع بمسؤولية دورها في تحسين عقلية الفرد، ليكون لدى المجتمع السوري نضج فكري يعرف ما علاقة السلطة بمجتمعها بشكلها الطبيعي، إذ لا تخرج السلطة عن دائرة خدمة متطلبات الدولة والمجتمع لتحقيق مصلحته العامة.

كما يجب تغيير المنهج التعليمي السوري من وسائل لإخضاع عقول السوريين إلى وسائل لاكتساب قيم المعرفة والحرية، واتخاذهم شخصيات تاريخية سورية ناضلت من أجل استقلال الوطن، وفق ما أوصت به الدكتورة التربوية نسيبة جلال، وهذا لن يحصل إلا من خلال مشروع وطني ديمقراطي سوري.

فالإنسان لديه حاجة طبيعية، وهي الاقتداء بشخصية معيّنة يكتسب من خلالها الخبرات والمعرفة، باعتباره كائنًا اجتماعيًا، ولذلك فإن تقديم نماذج مفيدة للفرد يخلق نتائج مفيدة للمجتمع، ويتطور بشكل سليم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة