ظاهرة عامة أم سلوك فردي؟

تنمر يستهدف أطفالًا سوريين في المدارس التركية

camera iconتعبيرية (Istock)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – زينب مصري

لم تكن عائلة الطفل السوري وائل السعود تعلم أن طفلها وائل لن يعود إلى المنزل، بعد أن خرج إلى المسجد، كما أخبر والديه.

عاد وائل ذو التسعة أعوام من المدرسة يوم الخميس، 3 من تشرين الأول الحالي، غاضبًا بسبب جدال بينه وبين أصدقائه حول ترتيب المقاعد في الصف. تدخل المعلم، ولكن لم ينصف الطفل، ما تسبب بحزنه، فهو “حساس سريع الحزن، منفتح على الحياة”، كما وصفه والده، في لقاء مع عنب بلدي.

لم يتحمل وائل توبيخ معلمه له، فأخذ حزامًا وقصد مقبرة الحي الذي يسكن، وعلّق نفسه على باب المقبرة ومات منتحرًا، كما تظهر التسجيلات المصورة التي انتشرت عن الحادثة.

أثار انتحار وائل غضب الشارع التركي، بعد أن نشرت صحيفة “يني شفق” التركية قصته، مبينة أن سبب الانتحار كان تعرضه للمضايقة من قبل معلمه.

لكن وزارة التربية التركية نفت أن يكون الطفل قد تعرض للمضايقة أو العنصرية من أصدقائه أو معلميه في المدرسة، وأكدت في بيان لها أنه كان “طفلًا محبوبًا، متفوقًا، حصل على درجة طالب الشهر عندما كان في الصف الرابع في العام الدراسي 2018-2019″، وهذا ما يدل على عدم وجود مشاكل بينه وبين المدرسة.

فتح حادث انتحار وائل الباب أمام تساؤلات عدة، هل يتعرض الطلاب السوريون في المدارس التركية إلى التنمر أو التمييز من قبل أصدقائهم أو معلميهم الأتراك؟ وهل بالإمكان اعتبار تعرضهم للتنمر ظاهرة، أم هي مجرد حالات فردية؟

سلوك فردي

عقب انتشار قصة وائل، سارع بعض السوريين المقيمين في تركيا إلى مشاركة تفاصيل لحوادث مشابهة، تعرض لها أبناؤهم في المدارس التركية، وتداولوها عبر “فيس بوك” للتأكيد على أن ظاهرة التنمر ضد الأطفال السوريين عامة.

لكن مصطفى كسار، مدير إحدى المدارس التركية في مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا، ينفي لعنب بلدي وجود أي شكل من أشكال العنصرية أو التنمر من قبل المدرّسين أو الطلاب في مدرسته.

ويعزو المدير الأمر لطبيعة ولاية هاتاي، قائلًا إن المنطقة في الأصل ذات غالبية عربية، “جميع الطلاب هنا سوريون وأتراك يتعلمون بجانب بعضهم في المقاعد بشكل متساوٍ”.

وبحسب كسار، لا تطبق الحكومة التركية نظام التسجيل في المدارس المستند إلى العنوان على الطلاب السوريين، وذلك لئلا يتم حرمانهم من التعليم، على عكس الطلاب الأتراك، حتى إذا كان العنوان قريبًا من المدرسة، فإن الطلاب الأتراك يذهبون إلى المدارس المشار إليها بواسطة نظام البيانات المستند إلى العنوان.

يوافق إبراهيم غدير، والد لثلاثة أطفال سوريين يدرسون في المدارس التركية، في ولاية شانلي أورفا، رأي المدير التركي، مصطفى كسار، ويقول لعنب بلدي، “لم يتعرض أطفالي الثلاثة للتمييز من قبل معلميهم، أو للتنمر من أصدقائهم الأتراك، على العكس علاقة المدرّسين بهم علاقة جيدة، ودائمًا ما يمتدحون أخلاقهم وتفوقهم الدراسي”.

ويضيف إبراهيم، “المدرّسون الأتراك في منطقتنا (حياتي حران)، يفضلون الطلاب السوريين على الأتراك، بسبب ما يرونه منهم من اندفاع للدراسة واهتمامهم بنظافتهم وترتيبهم”.

لماذا يتعرض بعض الأطفال السوريين للتنمر؟

روميسا غول، معلمة تركية في مدينة هاتاي، تعمل ضمن مشروع التوافق الاجتماعي بين السوريين والأتراك، الذي أطلقته وزارة الشباب والرياضة التركية لدمج الأطفال والشباب السوريين في المجتمع التركي، تحدثت لعنب بلدي عن الأسباب التي من الممكن أن تؤدي إلى “عنصرية” من المعلم ضد طالبه.

وترى روميسا أن المسبب الأكبر لإهمال المدرّسين الطلاب السوريين هو ضعف التواصل، إذ إن المعلمين الأتراك لا يتحدثون اللغة العربية، والطلاب السوريون لا يتقنون اللغة التركية بشكل جيد، فمشكلة اللغة تسبب الكثير من عدم الفهم أو الفهم الخاطئ.

وتضيف روميسا، “يوجد من المعلمين الأتراك من يتفهم وضع الطلاب السوريين ومن لا يتفهمه”، كما تعزو أسباب العنصرية لثقافة التعميم التي يتبعها المجتمع التركي بشكل عام، وليس فقط في الوسط التعليمي، فعندما يكون الطالب السوري سببًا لإحدى المشاكل يصبح جميع الطلاب السوريين “سيئين” بسبب التعميم.

ما طريقة التعامل مع طفل تعرض للتنمر؟

يفرق الطبيب السوري مازن هاشم، بين إهمال الطالب الأجنبي من جهة المدرّسين والتنمرعليه من جهة أصدقائه في الصف أو زملائه في المدرسة، ويبين مجموعة من الخطوات الواجب اتباعها في كلتا الحالتين.

ويضيف هاشم، في تدوينة له، نشرتها مؤسسة “بنا” التي تُعنى بالتنمية المجتمعية للسوريين في تركيا، عبر صفحتها على “فيس بوك”، أنه ينبغي أولًا إعلام الإدارة والمدرّسين في حالة تنمّر الطلاب، بأسلوب بعيد عن الشكوى وأقرب إلى لفت النظر، وترك المجال أمامهم لإيجاد الحلول المناسبة للتعامل مع حالات التنمر.

أما في حالة تحيّز المدرّس وإهماله، فيجب التفريق بين حالتين أيضًا، الحالة التي يطبق فيها العنف، والحالة التي تكون عبارة عن إهمال مستمر من قبل المدرّس.

ففي الحالة الأولى يتعين على الأهالي توثيق الحادثة التي أدت إلى عنف، بتقرير طبي في أحد المشافي وتسجيله عند الشرطة، ومن ثم إعلام إدارة المدرسة بما حصل وطلب إيجاد حل منها.

أما في الحالة الثانية، فيجب عدم تجاوز الإدارة وإخبارها بأن الحديث أوالتعامل مع المعلم سيتم على أساس مهني، والهدف من ذلك رفع المستوى التعليمي للمدرسة وليس الانتقام من المعلم.

ويشير الطبيب مازن هاشم، إلى أن مسألة التمييز والتنمر مسألة تتعلق بسلوك الجالية السورية في تركيا، إذا يجب على السوريين تكوين صداقات أكثر مع المجتمع التركي وتكثيف نشاطهم الاجتماعي والتزامهم بحسن السلوك.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة