جدات سوريات يتسلمن رسالة الأمومة من جديد

camera iconجدة حمصية مع ابنتها وأحفادها عند وصولهم إلى إدلب من حي الوعر – 25 نيسان 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- رهام الأسعد

ظنت أنها أنهت رسالة الأمومة الموكلة إليها في الحياة خلال أعوام عدة قررت بعدها تنفس الصعداء والاكتفاء بالإشراف على طريقة تربية أبنائها لأولادهم من بعيد، ورواية تجاربها في عالم التربية من منطلق “اسأل مجرب ولا تسأل حكيم”.

إلا أن الجدة السورية وجدت نفسها أقرب مما تتخيل إلى تربية أحفادها، واضطرت مرغمة، وربما بملء إرادتها، دخول مضمار التربية من جديد، عمليًا لا نظريًا، في ظل انقلاب المشهد السوري على واقع الأسر خلال سنوات الحرب في البلد.

تبدل في المهام كان واضحًا في حياة الأُسر السورية حين أصبحت المرأة معيلًا لعائلتها إلى جانب زوجها أو في ظل غيابه، واضعةً ثقتها في جدة الأولاد التي تسلمت مهام تربيتهم بالاعتماد على خبراتها، متأكدة في قرارة نفسها أن الجدة ستتوكل المهمة على أكمل وجه رغم الخلاف بينهما على طرق تلك التربية.

وعلى اعتبار أن معالم الأسرة السورية، القائمة على الرجل في تأمين مستلزماتها، تبدلت مؤخرًا حين برز دور الزوجة في الحياة الاقتصادية وسط تنامٍ ملحوظ لعمل النساء، ومشاركة فعالة نادت بها جمعيات نسائية سورية منذ سنوات، تحت مسمى “الجندر”.

يطلق مصطلح النوع الاجتماعي (الجندر) على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين (الرجال والنساء)، وتتغير هذه الأدوار والعلاقات والقيم وفقًا لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى مثل الدين، الطبقة الاجتماعية، العرق وغيرها.

و”الجندر” هو مفهوم حديث نسبيًا، إذ ظهر في ثمانينيات القرن الماضي كمصطلح بارز استخدم في قاموس الحركات النسوية، في أمريكا الشمالية بدايةً ومن ثم في أوروبا الغربية عام 1988.

في سوريا، يعدّ مصطلح “جندر” أو “جندرة”، من المصطلحات حديثة التداول، ويمكن الربط بين انتشاره وتزايد عدد منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية التي أخذت بالانتشار عقب الثورة السورية.

كما ارتبط انتشار المصطلح بالحاجة إلى تعزيز دور المرأة في ظل تردّي الأوضاع الأمنية في سوريا، والميل في بعض المناطق إلى أنماط من التشدد الديني تمنع المرأة عن المشاركة في أدوار اجتماعية عدّة، وأنماط عمل مختلفة، فضلًا عن الحاجة لتمكينها من أجل مساهمة اجتماعية أكبر في مرحلة ما بعد الحرب.

لا يمكن تجاهل الظروف التي مهدت لذلك، من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد وحركات النزوح الشديدة التي كسرت الأعراف والتقاليد المتبعة في المناطق الأصلية للسوريين، بالإضافة إلى تغيب الزوج بين معتقل وقتيل ومسافر وملتحق بالخدمة الإلزامية.

السيدة أم معاذ، إحدى سكان دمشق، لم تبدِ انزعاجًا من اضطرارها لتربية ابنة ابنتها التي توفي زوجها قبل ثلاث سنوات، من مبدأ “مو أغلى من الولد إلا ولد الولد”، كما قالت.

وباعتبارها حفيدتها الوحيدة قررت أم معاذ (58 عامًا)، مدفوعة بعواطفها، التفرغ لتربية الحفيدة وتعويضها، بمساعدة الجد، عن جو العائلة الذي افتقدته الحفيدة منذ أن كان عمرها ثلاث سنوات، خاصة أن ابنتها الأرملة تعمل في صالون للتجميل ما يعني أنها تغيب عن المنزل في النهار.

دافع أم معاذ لتربية حفيدتها لم يكن بسبب الظروف التي فرضت على العائلة فقط، إذ إنها قررت التفرد بهذه المهمة رفضًا منها لأساليب التربية الحديثة التي تتبعها “بنات الآيفون”، كما قالت أم معاذ لعنب بلدي.

أم معاذ انتقدت “بمحبة” انشغال أمهات الجيل الجديد لساعات طويلة على الهواتف الذكية في زمن احتلت فيه مواقع التواصل الاجتماعي حيزًا كبيرًا من حياة الشباب حول العالم.

“أركض خلف حفيدتي من أجل إطعامها، أهتم بنظافتها، أجلس وأتحدث معها، وأعلمها الصح من الغلط”، تقولها أم معاذ وكأنها لا تضمن قيام ابنتها بتلك المهام وفق الأصول والقوانين الأسرية التي اتبعتها الجدة على مدار 30 عامًا في تربيتها لثلاثة أبناء، رافضة فكرة تغير الزمن وعاداته.

ولم تنكر أم معاذ خلافها الدائم مع ابنتها على أسلوب تربية الحفيدة، والذي تعتبره الابنة “إفراطًا في الدلال” قد يؤدي في النهاية إلى طمع الحفيدة بجدها وجدتها، الأمر الذي ترفضه الجدة معتبرة أن أسلوب تربيتها “البعيد عن الصراخ والتوبيخ” أفضل لصحة حفيدتها النفسية.

مخاطر تهدد الشعب الفتي

وبحسب أرقام مركز أبحاث ” youthpolicy” المتخصص بنسب الأعمار في العالم، فإن الشعب السوري “فتي”، إذ تسيطر عليه الفئة العمرية تحت 30 عامًا.

إلا أن هذه الإحصائية كانت عام 2013، وسط مخاطر تهدد الشباب السوريين، إذ تصنف سوريا كثاني أخطر بلد في العالم على فئة الشباب، بحسب أرقام منظمة “WHO” الأممية لعام 2017، بعد سيراليون.

ومن بين كل 100 ألف شاب يقدر أن 597 منهم قتلوا، بسبب ظروف الحرب، وفق أرقام المنظمة.

سلطة الجدة تعود في مجتمع “النزوح”

كغيرها من شرائح المجتمع، اضطرت الجدة السورية إلى تحمّل تبعات الحرب والتضحية براحة نسبية بدأت تشعر بها بعد أن زوجت أبناءها وبناتها، لتصطدم بحاجز النزوح الذي كان عنوانًا عريضًا خلال السنوات السبع الماضية في سوريا.

ومن هنا وجد الأبناء في “بيت العيلة” الملجأ الوحيد لهم ولأبنائهم بعد نزوحهم عن بيوتهم المدمرة ومناطقهم التي تشهد نزاعات، لتستعيد الجدة سلطتها في إدارة العائلة من جديد.

ستة ملايين سوري نزحوا داخليًا من محافظات مختلفة في سوريا منذ عام 2011 وحتى نهاية 2015، بحسب إحصائية رسمية أصدرتها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لتختفي خلف تلك الأرقام مشكلات ومتغيرات طرقت أبواب الأسر السورية.

أم محمد، هي إحدى السيدات اللاتي انتقلن من حياة مريحة نسبيًا في مدينة حلب إلى حياة النزوح في مدينة إدلب، ومن منزلها المستقل إلى منزل تتقاسمه مع أولادها الخمسة وعائلاتهم، لتختبر أسلوبًا في العيش كان يبدو لها مستحيلًا قبل ذلك، أرغمت عليه بسبب غلاء أجرة المنزل الذي تقطنه.

وتشير أم محمد إلى أنّ عدم القدرة على دفع الإيجارات المرتفعة للمنازل هو ما دفع أولادها وبناتها للسكن في منزل واحد، على أن يتقاسموا المصاريف فيما بينهم، مضيفةً “لولا تعاون الجميع لما سكنا في منزل”، هذا التعاون أخفى خلف باب المنزل تعاونًا من نوع آخر فرض نفسه على تربية الأطفال من مجمل تقاسم “الأعباء”، رغم حساسية الموقف.

حال عائلة أم محمد، تعود بالذهن إلى مسلسلات البيئة الشامية، حين كان الجميع يقطنون في منزل واحد، وحين كانت السلطة التربوية بيد الجد والجدة، هذه الظاهرة التي بدأت تختفي من المجتمع السوري تدريجيًا مع نهاية القرن الماضي، حين توجه الشباب، قبيل عام 2011، إلى الزواج في منزل منفصل عن الأهل تجنبًا للمشاكل التقليدية بين “الكنة والحماية”.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة