جراحة التجميل في سوريا.. أخطاء قاتلة وأطباء فوق الرقابة

مركز تجميلي في حي ابو رمانة بدمشق- 25 تشرين الاول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

camera iconمركز تجميلي في حي ابو رمانة بدمشق- 25 تشرين الاول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

درعا – سارة الأحمد

نتيجة الإقبال الواسع على قطاع التجميل في سوريا، انتشرت العديد من مراكز وعيادات التجميل مؤخرًا، وأصبحت هذه العمليات هاجس النساء وبعض الرجال رغم ارتفاع تكاليفها، إذ تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تطرح أسئلة حول هذه العمليات أو تنشر نتائجها.

ومع ازدياد عدد العمليات التجميلية ازدادت أخطاء أطباء التجميل، خلال سعيهم لتحقيق الأرباح ونسبة الجمال المطلوب لدى الزبائن، بعيدًا عن رقابة الحكومة.

أخطاء طبية دون حساب

دارين الحمصي (37 عامًا)، من مدينة دمشق تقيم في دولة الكويت قالت لعنب بلدي، “في الصيف الماضي خلال زيارتي لأهلي في دمشق قررت إجراء حقن (فيلر) لشد البشرة لمناطق معينة في وجهي”.

اشترطت دارين في مركز التجميل حقن “الفيلر” من مادة “جوفاديرم”، وبسبب عدم توفرها لدى الطبيب، وافق أن يأتي بها من دبي، لتتفاجأ في يوم العملية أنه لم يستطع الحصول على المادة المطلوبة، وأن مادة “الريستالين” أفضل مقابل مبلغ 1.8 مليون ليرة سورية عن كل سنتمتر من المادة، في حين كانت تحتاج إلى نحو أربعة سنتمترات منها بحسب استشارة الطبيب.

بعد 15 يومًا على العملية بدأت تظهر تكتلات في مناطق حقن “الفيلر” بلون رمادي، ما دفع دارين للعودة إلى الطبيب للسؤال عن ماهيتها، لكنه أجاب بأنه “أمر طبيعي”، وأن وجهها بحاجة إلى “مساج” حتى تزول هذه التكتلات.

لم تطمئن دارين لإجابة الطبيب وقررت استشارة طبيب آخر أخبرها بفشل الحقن، وأنه يجب تذويب هذه المواد وإخراجها، لكن عند مواجهة الطبيب الأصلي بهذا الرأي وبعد نقاش حاد هددته بختامه دارين بالإبلاغ عنه ومقاضاته، ليجيبها بأنه “لا يخشى أي تهديد”.

لجأت دارين بعدها لمحامٍ في دمشق رفع قضية ضد طبيب التجميل، لكن بالنتيجة اكتفى القاضي بإصدار تنبيه فقط للطبيب، بالرغم من أنها لم توقع قبل العملية على أي ورقة تثبت مسؤوليتها عن نتائج العملية.

ميساء (27 عامًا)، تعيش في مدينة جرمانا بريف دمشق منذ عشر سنوات قالت لعنب بلدي، إنها أجرت عملية جراحية لشفط الدهون من منطقة البطن لإنقاص وزنها في مركز تجميلي بدمشق بمبلغ 1500 دولار، وعملية حقن “دهون ذاتية” في الوجه بمبلغ 400 دولار.

وبعد إجرائها للعمليتين وتعرضها لآلام “شديدة”، بدأت معاناتها الحقيقية بإصابتها بوذمة وإنتانات خارجية في منطقة البطن والوجه يرافقها انتفاخ، وفق وصف ميساء التي راجعت طبيبها وهو بدوره أخبرها أنه “أمر طبيعي وعليها التحمل”.

وازداد وضع ميساء (رفضت الكشف عن اسمها الكامل لأسباب أمنية) سوءًا بعد شهر من العملية، لتبدأ بالمعالجة عند طبيب جلدي، بينما طبيب التجميل سافر إلى العراق لإجراء عمليات تجميل وفق ما أخبرتها موظفة الاستقبال بالمركز التجميلي.

استمرت ميساء لمدة ثلاثة أشهر بالسؤال عن الطبيب دون جدوى، وعند محاولتها رفع قضية ضده عبر محامٍ، أخبرها المحامي أن هذا الطبيب لديه أخطاء طبية كثيرة، لكن لديه مجموعة محامين مخصصين للدفاع عنه، وهو “ما يمنع المساس به”.

وما زالت ميساء تعاني مضاعفات هذه العملية التجميلية وتخضع لعلاج مستمر، وذلك بعد مرور ستة أشهر على إجراء العملية.

وفيات وإعاقات

اختصاصي تجميل من مدينة درعا، وهو أحد الأطباء في “المكتب العلمي للرابطة السورية التجميلية”، قال لعنب بلدي، إن هناك العديد من حالات الوفاة والإعاقات نتيجة عمليات التجميل الخاطئة، تصل إلى رئيس “المكتب العلمي للرابطة السورية التجميلية”، كما ترفع لوزير الصحة عن طريق نقابة الأطباء المركزية.

حتى اليوم، لم تُتخذ قرارات جريئة لمواجهة هذه الأفعال غير الإنسانية، التي “تشوه الطب طمعًا في المال”، وفق تعبير الطبيب، الذي أشار إلى أن بعض الأطباء لا يملكون تراخيص بمزاولة عمليات التجميل، كما أن بعض صالونات التجميل النسائية تعمل بحقن إبر التجميل.

وتوجد متدربات يفتتحن مراكز التجميل على أساس أنهن حاصلات على شهادة اختصاص التجميل من دولة أخرى، في حين أن بعض الأطباء لا يطلبون أي تحاليل أو صور شعاعية قبل إجراء العملية.

بالإضافة إلى المبالغ الكبيرة التي تطلب من قبل المراكز التجميلية، لا يقبل بعض الأطباء سوى الدفع بالدولار، وفق الطبيب الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه.

في عام 2022، سُجلت 13 حالة وفاة نتيجة أخطاء طبية، مع توقعات بأن الرقم الفعلي يزيد على ذلك، وهذا العام وُثقت 21 حالة وفاة وسُجل سبب معظمها بأنه “سكتة قلبية”، بحسب إحصائيات “المكتب العلمي للرابطة السورية التجميلية”.

ومن أبرز الحوادث خلال العام الحالي، وفق ما ذكره اختصاصي التجميل، وفاة فتاة إثر عملية تجميل في دمشق، على يد طبيب اختصاص “أنف وأذن وحنجرة”، كان يجري لها عملية شفط دهون، ما أدى إلى توقف قلبها خلال العملية.

وأصيبت سيدة بأذية عصبية في وجهها نتيجة لحقن خاطئ، بعد لجوئها إلى طبيب جراحة عامة لإجراء عملية تجميل.

نقيب الأطباء في سوريا، غسان فندي، قال لصحيفة “الوطن” المحلية، في نيسان 2023، معلقًا على الأخطاء الطبية، “لا يمكنني القول إن الأخطاء الطبية أكثرها تكون من علميات التجميل، لكن عمليات التجميل بشكل عام تحقيق غاية وليست بذل عناية”، موضحًا أنه عندما يراجع الشخص طبيب التجميل فإنه يكون له طلب محدد يريد أن يتحقق، وعندما لا تتحقق الغاية التي يريدها الشخص يعتبر أن الطبيب لم يقم بعمله ويقدم على تقديم شكوى.

وكشف رئيس فرع نقابة الأطباء في دمشق، عماد سعاده، لنفس الصحيفة، في 20 من كانون الأول الحالي، عن معالجة 100 شكوى وردت إلى النقابة عبر القضاء أو مديرية الصحة بحق أطباء، واتخاذ قرار نهائي بها، إما بوجود خطأ طبي أو اختلاط.

وأكد سعاده أنه بموجب بعض هذه الشكاوى اتخذ قرار بإحالة بعض الأطباء إلى المجلس المسلكي، وأن هناك أطباء جرى إيقافهم عن العمل لفترة محددة إضافة إلى إيقاف أحد الأطباء عن العمل لمدة ثلاث سنوات، مشيرًا إلى أن هناك عقوبات مسلكية تؤدي إلى الشطب النهائي، لكن هذا القرار يحق للطبيب أن يعترض عليه أمام محكمة الاستئناف في القضاء.

لا رقابة أو حماية

المحامي توفيق من دمشق قال لعنب بلدي، إنه لم تسجل مقاضاة حقيقية لطبيب تجميل عن أي خطأ طبي، وإن أغلب القضايا المرفوعة بسبب الأخطاء الطبية تنتهي بتوجيه إنذار للطبيب أو إغلاق المركز.

وتوجب المادتان “550-551” من قانون العقوبات معاقبة الطبيب إن تسبب بوفاة أحد عن إهمال أو قلة احتراز بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وإذا أدى العمل الطبي إلى ضرر مرضي أو تشوه أو عاهة دائمة بالحبس من شهرين إلى سنة.

ووفقًا للمادة “164” في القانون المدني، يجب تعويض المتضرر بمبلغ تقدّره المحكمة وقد يصل إلى ملايين الليرات، وفق توفيق.

وأضاف المحامي (رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) أنه حاليًا كل طبيب تجميل محاط بكادر كبير من المحامين للدفاع عنه، وهناك لجان طبية تتأخر في كتابة تقريرها وتغيب عن حضور المحاكمات، فهناك دعاوى لأخطاء طبية تستمر لسنوات ولا يتم البت فيها وتسقط مع مرور الزمن.

نقيب الأطباء في سوريا، غسان فندي، صرح، في آب الماضي، أن الأخطاء الطبية في سوريا “ما زالت ضمن النسب العالمية”، مضيفًا أن الأخطاء الطبية موجودة في كل دول العالم، وهي بنسب مختلفة من دولة إلى أخرى، وحتى مسألة اكتشافها تختلف من دولة إلى أخرى.

وأشار فندي إلى دراسة إمكانية وضع مشروع قانون المسؤولية الطبية بالتواصل مع الجهات المعنية في وزارتي الصحة والعدل.

رئيس “الجمعية العربية السورية لطب الجلد”، سمير محفوض، أفاد، في 26 من تشرين الثاني الماضي، بأن عدد الأطباء في الجمعية يبلغ نحو ألف طبيب، منهم أطباء يعملون داخل البلد وآخرون خارجها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة