جهاد عيسى الشيخ.. رجل ظل يقود دبلوماسية “تحرير الشام”

القيادي في "هيئة تحرير الشام" جهاد عيسى الشيخ المعروف بـ"أبو أحمد زكور" (تعديل عنب بلدي)

camera iconالقيادي في "هيئة تحرير الشام" جهاد عيسى الشيخ المعروف بـ"أبو أحمد زكور" (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

تخطو “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ في إدلب، بسياسة مرسومة مسبقًا، تمكّنها من إدارة المنطقة، عسكريًا واقتصاديًا وخدميًا.

وتقف خلف هذه السياسة مجموعة من الشخصيات، تمتلك الصلاحيات لاجتراح خطوات في واقع معقد، وتعكس في ذات الوقت رؤية الإدارة المركزية للفصيل.

من بين هذه الشخصيات، القيادي جهاد عيسى الشيخ المعروف بـ”أبو أحمد زكور”، الذي نشر صورة قديمة جمعته مع القيادي العراقي في “الهيئة” ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، ما أعاد الحديث عن إحدى أبرز الأذرع في “تحرير الشام”.

الصورة المنشورة، في 2 من تشرين الثاني الحالي، غاب عنها شرح الزمان والمكان، سوى أنها ملتقطة فوق الثلوج، وبزي تخلّت عنه “تحرير الشام” مع تبدل خطابها خلال السنوات الماضية، ما يشير إلى أنها قد تكون في حقبة “جبهة النصرة” التي أُنشئت في سوريا نهاية 2011، وفكّت ارتباطها بتنظيم “القاعدة” عام 2016، ثم شكّلت مع جماعات أخرى فصيل اليوم.

رافق الصورة دعاء من جهاد عيسى الشيخ، بالثبات على درب “الدعوة والجهاد” مع “رفيق الدرب شيخنا أبو ماريا”، حسب وصفه.

القياديان أبو أحمد زكور وأبو ماريا القحطاني (حساب عيسى الشيخ/ تويتر)

القياديان “أبو أحمد زكور” و”أبو ماريا القحطاني” (حساب عيسى الشيخ/ تويتر)

“القحطاني” كان سباقًا إلى نشر صورة تجمعه مع جهاد عيسى الشيخ بحوالي 18 يومًا، جمعتهما مع القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، بالتزامن مع دخول “الهيئة” إلى مناطق عفرين، بريف حلب الشمالي، إثر اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني”، وجدت فيه “تحرير الشام” فرصة للتوغل في منطقة عمل “أبو أحمد زكور” على تمهيد وجودها فيها، على مدار عامين.

من اليمين القيادي في "هيئة تحرير الشام" جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) والقائد العام لـ"الهيئة" أبو محمد الجولاني و القيادي العسكري في "تحرير الشام"، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ"أبو ماريا القحطاني"- 15 من تشرين الأول 2022 (Mayasara Bn Ali/ تويتر)

من اليمين القيادي في “هيئة تحرير الشام” جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) والقائد العام لـ”الهيئة”، “أبو محمد الجولاني” والقيادي العسكري في “تحرير الشام”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”- 15 من تشرين الأول 2022 (Mayasara Bn Ali/ تويتر)

رغم قلة ظهوره إعلاميًا، أدار “أبو أحمد زكور”، المنحدر من منطقة النيرب بريف حلب، وأشرف على أبرز الملفات والقضايا الشائكة في “تحرير الشام”.

وتنوعت أدواره بين عدة مناصب، منها مدير العلاقات العامة ومسؤول سابق لملف الاقتصاد وقائد “لواء عبد الرحمن” التابع لـ”تحرير الشام”.

ويدير منذ عامين ملف العلاقات والتواصلات مع فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في مناطق ريف حلب.

بسط نفوذ “تحرير الشام”.. شعبيًا

منذ 2014، حين بدأت خلافات “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” آنذاك) مع عدد من الفصائل، التقى “أبو أحمد زكور” بوجهاء القرى والمناطق لإبعادهم وتحييدهم عن أي مشاركة ضد “الهيئة”، سواء بتحركات شعبية أو بالقتال.

وأسهم بتثبيت وجود “الهيئة” في المناطق والقرى التي كانت مستاءة من ممارسات “الهيئة” وسياساتها من خلال دعم المجالس المحلية والفعاليات الاجتماعية بالمال.

ويُعرف عن “أبو أحمد زكور” أنه يمتلك ثروة مالية، ويُتهم بإدارة استثمارات “تحرير الشام” من خلال تشغيلها خارج سوريا عبر أشخاص يديرونها كواجهة بعيدًا عن اسمه واسم “تحرير الشام”.

حين هاجمت “تحرير الشام” فصائل أخرى محسوبة على المعارضة السورية و”الجيش الحر”، وعملت على بسط نفوذها على المنطقة، لتكون الجسد العسكري الوحيد المسيطر وصاحب النفوذ، التقى جهاد عيسى الشيخ مع بعض قادة كتائب الفصائل الرافضة لسياسة “تحرير الشام”، وعمل على انشقاقها أو تحييدها.

يحظى “أبو أحمد زكور” بحاضنة شعبية في عشيرة “البو عاصي” بقبيلة “البكارة”، إحدى أكبر القبائل العربية في المنطقة، وهذا ما جعله أبرز الشخصيات التي مهّدت لـ”تحرير الشام” سيطرتها على محافظة إدلب، وجزء من ريف حلب الغربي، وريف اللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة.

فتح “أبو أحمد زكور” باب العلاقات أمام “أبو محمد الجولاني” مع شيوخ العشائر، إذ سعى “الجولاني” للتقرب منهم وكسب حاضنة شعبية له ولفصيله، مع توقف العمليات العسكرية في المنطقة بعد اتفاق “موسكو” أو “وقف إطلاق النار”، في 5 من آذار 2020.

وبرز ذلك في زيارات عديدة أجراها “الجولاني” لشيوخ العشائر في الشمال السوري، كانت أولاها في أيار 2020 لامتصاص غضب الأهالي بعد مظاهرات حاشدة في مدن وبلدات الشمال، تنديدًا بممارسات “هيئة تحرير الشام” ضد المدنيين، عقب مقتل مدني برصاص “الهيئة” حينها، ورفضًا لفتح معبر تجاري مع النظام السوري.

في آب 2021، أعلنت قبيلة “البكارة” خلال مؤتمر افتتاحها عن إنشاء مجلس شورى في مدينة إدلب، ورعت “هيئة تحرير الشام” مؤتمر القبيلة، بحضور ممثلين عن “تحرير الشام” وحكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة” التابعة لها.

وطالبت “تحرير الشام” العشائر في المناطق التي تسيطر عليها بالتنسيق معها من أجل تشكيل مجالس شورى منفصلة، وتنظيم شؤون كل عشيرة، وحل مشكلاتها وتسوية النزاعات.

ورغم ذلك، لا يمكن للقبائل “اتخاذ قرارات مستقلة فيما يتعلق بجميع المسائل، فـ(هيئة تحرير الشام) هي صانع القرار النهائي”، وفق ما قاله المتحدث باسم “مجلس العشائر السورية”، مضر حماد الأسعد، لموقع “المونيتور“.

أحد وجهاء قبيلة "البكارة" والقيادي في "هيئة تحرير الشام" جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) (إدلب بوست/ تلجرام)

أحد وجهاء قبيلة “البكارة” والقيادي في “هيئة تحرير الشام” جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور) (إدلب بوست/ تلجرام)

لا خصوم.. القنوات مفتوحة

لا تحمل منشورات “أبو أحمد زكور” عبارات الاتهام والانتقاد و”الحقد والضغينة”، التي تحملها منشورات القيادي “أبو ماريا القحطاني” تجاه فصائل “الجيش الوطني”، التي تسود بينها وبين “تحرير الشام” حالة من العداء والخلاف وعدم التوافق والانسجام.

ونشر “أبو أحمد زكور” منشورات عديدة عبر “تويتر” حول توحيد الصفوف ومساعيه المستمرة والمتواصلة لذلك، فكان “دبلوماسيًا”، كما وصفه مصدر خاص في “تحرير الشام” لعنب بلدي، مضيفًا أن لديه “مرونة” في التعامل مع قيادات “الجيش الوطني” رغم حالة العداء.

وذكر المصدر أن “أبو زكور” يعيد نشر بعض التغريدات لقياديين في “الجيش الوطني” للإشارة إلى تقارب الأفكار، رغم معرفة كلا الطرفين بغياب علاقات الود بينهما، لكنه يرغب بـ”إنجاز مهمته وفتح قنوات حوار” في مناطق ريف حلب.

العلاقات السيئة بين الطرفين خلال هذه الأعوام، لم تمنع خروج بعض التسريبات أو التصريحات المنقولة على لسان بعض قادة الفصائل في كلا الطرفين، التي تحدثت عن وجود زيارات متبادلة وإمكانية تحقيق اندماج ودرء الفرقة والانقسام.

وكانت عنب بلدي حصلت على معلومات من عناصر في “تحرير الشام” تفيد بزيارات لقياديين من الصف الأول في الفصيل، عقدوا لقاءات في ريف حلب مع قيادات في فصائل عسكرية تتبع لـ”الجيش الوطني”، بقصد التقارب والتنسيق مع “الهيئة”.

وهذا ما أكدته زيارة القيادي جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) إلى مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، حيث التقى قياديين ووجهاء من المنطقة، في تموز 2021.

وفي نيسان الماضي، ظهر قائد “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، محمد الجاسم (أبو عمشة)، بعد إدانته بقضايا انتهاك، في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، رغم الخلاف الموجود بينهما.

وفي تسجيل مصوّر قيل إنه لزيارة “أبو عمشة” إلى منطقة أطمة شمالي إدلب، في مناطق سيطرة “تحرير الشام”، ظهر بمضافة أحد شيوخ العشائر.

منصات وصفحات محلية ومعرفات مقربة من “الجيش الوطني” هاجمت زيارات القياديين، وحذّرت من خلط أوراق المنطقة، ومن “خطر التعاون والتحالف” بين “أبو عمشة” و”الجولاني”.

القياديون في "تحرير الشام" جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) ومظهر الويس، والقيادي أبو ماريا القحطاني (متداول شبكات محلية)

القياديان في “تحرير الشام” جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور) ومظهر الويس، والقيادي “أبو ماريا القحطاني” (متداول شبكات محلية)

الطريق إلى حلب.. على ظهر “العمشات”

في شباط الماضي، أعلنت لجنة ثلاثية حققت بانتهاكات “العمشات”، عزل قائدها محمد الجاسم (أبو عمشة) من جميع مهامه الموكلة إليه، فيما بدا حينها أنه بوادر محاكمته على انتهاكات عديدة نُسبت إليه.

توعدت “غرفة القيادة الموحدة” (عزم) بتطبيق قرارات اللجنة، ونقل الشكاوى إلى القضاء، الذي سيتابع جميع الشكاوى المقدمة والواردة في التحقيقات بحق العناصر، والتعهد بالعمل على “نصرة المظلوم وإرساء العدل”.

وتنضوي “عزم” تحت راية “الجيش الوطني”، وكان يقودها مهند الخليف (أبو أحمد نور) قائد “الفيلق الثالث” حينها أيضًا، ما جعل محاسبة “أبو عمشة” خطرًا على “تحرير الشام” من وجود جهة تحاسب أو تملك مشروعًا لقيادة المنطقة، وخاصة “الفيلق الثالث” الذي تسود بينه وبين “الهيئة” علاقات عداء.

ومع تطورات قضية “أبو عمشة”، لم تعتبر “هيئة تحرير الشام” نفسها بمعزل عن هذه التغيرات، التي ترى أن أي تطور وتوحد فصائلي يفوّت عليها فرصة التوغل في المنطقة، وخسارة حلفاء لها.

وطالب ” أبو أحمد زكور” بأن تتم محاسبة المفسدين “من قبل جهات محايدة يثق الناس في دينها وقدرتها”، معتبرًا أن محاربة الفساد يجب ألا تبقى “ذريعة للتغلب والقتال الداخلي”.

ورفض “تهميش الأجهزة الرسمية في مدينة عفرين، من شرطة عسكرية وغيرها”، وفق تغريدة نشرها عبر “تويتر” في 17 من كانون الثاني الماضي.

اختراق عفرين وتنسيق مع “الحلفاء”

تصدّر اسم “أبو أحمد زكور” المشهد الميداني والإعلامي مع دخول “هيئة تحرير الشام” إلى ريف حلب ضمن مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، بكونه عرّاب الاتفاقيات والزيارات مع قيادات في “الوطني”.

في حزيران الماضي، دخلت “تحرير الشام” إلى مناطق في عفرين بعد اشتباكات واقتتال بين “الفيلق الثالث” وأحد مكوّناته “أحرار الشام- القاطع الشرقي”، وقالت إن تدخلها جاء “منعًا لجر الساحة إلى جولات اقتتال داخلي عبثية”، بالإضافة إلى “الضغط على الأطراف لضرورة التفاهم وتحكيم لغة العقل، بعيدًا عن لغة السلاح”.

وفي تشرين الأول الماضي، سيطرت “تحرير الشام” على عفرين وجنديرس وعدة بلدات وقرى بريف حلب، وتحالفت مع فرقتي “الحمزة” (الحمزات) و”السلطان سليمان شاه” (العمشات) ضد “الفيلق الثالث”.

عناصر في “لواء عثمان” التابع لـ”هيئة تحرير الشام” بمدينة عفرين في ريف حلب الشمالي- 13 من تشرين الأول 2022 (إدلب بوست/ تلجرام)

وسبق أن نشرت صفحات محلية وقياديون سابقون انشقوا عن “تحرير الشام” ومعرفات عبر “تلجرام” أن “القحطاني” و”أبو أحمد زكور” يسعيان لتفكيك “الفيلق الثالث”، من خلال سياستهما على الأرض.

وظهرت اتهامات لـ”أبو أحمد زكور” بأنه دفع بعد لقاءات مع قيادات في “الوطني” لتشكيل “هيئة ثائرون” لمواجهة تمدد “الفيلق الثالث” وغرفة “عزم”، وجرى الحديث على اندماج بين “هيئة ثائرون” و”تحرير الشام” لاحقًا.

وسحبت “تحرير الشام” قواتها من ريف حلب الشمالي بعد الاقتتال مؤخرًا، في حين لا يزال عناصر “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب موجودين في ريف حلب.

اقرأ أيضًا: حرب تحالفات ترسم خريطة الشمال

رغم الملفات الكبيرة التي يدخل بها “أبو أحمد زكور”، ويشترك في إدارتها تحت راية “تحرير الشام”، لا يزال الغموض يحيط بالقيادي وماضيه، على غرار أبرز القياديين الجهاديين الذين اعتادوا العمل بصمت في خدمة المشروع.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة