تعا تفرج

دبكة السكرانين العرب

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أنا لست من آل “بَعْرِفَاتو” الذين يعرفون كل شيء، ومع ذلك، وجدت أن الصلة بين ما يجري في هذه الأيام، ودبكة السكرانين، وثيقة جدًا، فإخوتنا السكارى، حفظهم الله، عندما يكون العرس في آخره، لا يكتفون بالتدبيك “بأرضَكْ بأرضَكْ”، بل ويغنون ويصيحون مواويل، ولكن، أنا أتحدى من يقول إنه يفهم منهم شيئًا!

هذا ما يجري الآن، وأنا لا أفهمه، ولذلك آثرت أن أنظر إلى الأمور بمجملها، وليس بوقائعها اليومية، عسى أن أخرج منها بنتيجة منطقية. ومن هذا المنطلق وجدت أن المنطقة التي تسمى العربية، أخذت تشهد، خلال بضع السنوات الأخيرة، تحولات جذرية، وهذا يمكن ملاحظته من خلال تحركات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بوصفه الرجل الذي يشتغل على إحداث هذه التغيرات. ولكن..

إذا عدنا في الزمن، مسافة نصف قرن، سنجد أن تحسس حكام السعودية لخطر صعود الخمينية في إيران كان جديًا، وأن الدولة الإيرانية قد أصبحت خطرًا حقيقيًا عليها، فبعد انتصار ما سمي “الثورة الإسلامية”، أطلقت إيران شعار تصدير الثورة، وأعلنت بالأقوال، وبالأفعال، عن سعيها لتحقيق هدفها الاستراتيجي، ألا وهو الوصول إلى الأماكن المقدسة، أي تشليح السعودية زعامتها للعالم الإسلامي، والاستيلاء على الرموز الإسلامية، مكة والمدينة والكعبة، متسلحة بالنسخة الشيعية من الإسلام. وكان طبيعيًا أن تهب السعودية لمواجهة هذه النيات، بتقوية النسخة السنية المتشددة، أعني الوهابية (السلفية الجهادية)، وأطلقت ما عُرف باسم الصحوة الإسلامية، وهذا الفعل، على الرغم من أنه انطلق من مخاوف سعودية محلية، فإنه لقي ارتياحًا لدى الأمريكيين، وأهل الغرب عمومًا، لأنه لا يؤدي إلى إضعاف إيران وحدها، بل ويقف عائقًا أمام تمدد الشيوعية في منطقتنا، ويستنزف الثروات الهائلة الموجودة في حوزة دول النفط، وكان المناخ، يومئذ، مواتيًا، فالرئيس المصري، محمد أنور السادات، القادم على أنقاض الناصرية العروبية، لم يقل: أنا رئيس عربي لدولة عربية، أو رئيس مصري لدولة مصرية، بل: أنا رئيس مؤمن لدولة مؤمنة، وفتح ذراعي بلاده، على مصراعيهما، لتلقي الصحوة الإسلامية.

عند هذه النقطة، فتحت إيران خزانتها المالية على مصراعيها، لتمويل حملاتها التوسعية، باسم الدين والمذهب، وراحت تموّل صحفًا ومجلات، وتفتح فضائيات دعوية، وترسل رسلها الذين تمتلئ حقائبهم بالدولارات إلى أماكن وجود الشيعة في البلاد الإسلامية، ليغدقوا عليهم المال، ويفتحوا لهم الحسينيات، وقابلتها السعودية بسخاء منقطع النظير، في تجنيد المشايخ، وخصهم برواتب ما كانوا يحلمون بعشر معشارها قبل ذلك، وبدأ المواطن المسلم الغلبان يفتح فمه وجفنيه على مصاريعها، وهو يرى صراع الفضائيات، وكيف راح المشايخ المتصارعون ينكتون تاريخ الإسلام، والصحابة، وكل طرف يمجد رموزه، ويقزم رموز خصمه.

بعد مضي عشر سنوات من القرن الـ21، انطلقت ثورات الربيع العربي، وبدأ الصراع الذي أسسوا له بالفضائيات والكتب يتحول إلى صراع مسلح، وبدأ جنود الطرفين بإفناء بعضهما بعضًا، وهنا يمكن، بسهولة، فهم ما يجري اليوم، حيث يقود محمد بن سلمان، ومعه محمد بن زايد، عملية لجم ذلك الصراع، وإخماد نيران الحرب، وإدخال المنطقة في طور مختلف.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة