عالقون بين محاكم سلطتين.. دعاوى استرداد الملكية ترهق أهالي الحسكة

camera iconسوق "اليهود" في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا-16كانون الأول 2022(عنب بلدي/مجد السالم)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مجد السالم

فوجئ محمد شلبي (61 عامًا) عند طلب المخطط التنظيمي لأرضه (كروكي) من مجلس بلدية القامشلي من أجل بيعها، باستحواذ شخصين على جزء منها، دون أن يحصل على مقابل، ودون أن يأذن بذلك.

وقال محمد لعنب بلدي، إن شخصين اشتريا عقارات ملاصقة لعقاره، وبنى كل منهما منزلًا على حساب أرضه، ليفقد بذلك حوالي 50 مترًا مربعًا يقدّر سعرها بالملايين، وهو ما يظهره المخطط التنظيمي الذي اطّلعت عنب بلدي على نسخة منه.

ورغم توكيل محامٍ منذ خمسة أشهر، ورفع دعوى “استرداد حيازة” ضد “المتعدين”، لم يستطع محمد استرداد حقه جراء تزوير الشخصين أوراقًا تخص العقار، وتعطيهما حق الاستحواذ على أجزاء منه، وفق قوله.

“سأضطر لبيعهما المساحة التي استحوذا عليها بالتراضي”، تابع محمد مبررًا ذلك بارتفاع تكاليف الدعوى، وطول الوقت الذي يمكن أن تحتاج إليه.

ويقدّر سعر المتر المربع ضمن مدينة القامشلي بنحو 100 دولار أمريكي، بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من أصحاب مكاتب عقارية.

“غصب العقار”

أجبر الصراع مئات من أهالي القامشلي على اللجوء إلى مختلف البلدان، تاركين وراءهم العديد من العقارات والممتلكات دون حماية، ما أتاح فرصة لعمليات الاستيلاء على الممتلكات من خلال تزوير عقود الملكية.

المحامي المقيم في القامشلي والذي يعمل ضمن محاكم النظام السوري، عاصم، رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال إن هذه العمليات منتشرة بكثرة في المدينة، وسبب لعشرات الدعاوى التي تسمى “غصب عقار” أو “التزوير واستعمال المزوّر”.

غصب عقار: الاستيلاء على العقار دون أن يحمل الفاعل أي سند بالملكية أو بالتصرف، ولا يتغير التوصيف القانوني للجرم ولا حتى العقوبة المفروضة على الفاعل (مرتكب الجرم)، سواء كان موضوع الغصب عقارًا كاملًا أو جزءًا منه.

التزوير واستعمال المزوّر: تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يُراد إثباتها بصك أو مخطوط يُحتج بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي.

وأضاف عاصم أن عمليات الاستيلاء على أملاك الغير “تزايدت” خلال السنوات الماضية بشكل “مرعب”، وأصبحت “الشغل الشاغل” للمحاكم، والسبب وراء معظم الخلافات بين المواطنين.

كما أصبحت مدخلًا “للفساد الإداري والقضائي”، إذ تجني من ورائه شبكات “التزوير” آلاف الدولارات شهريًا، وفق ما قاله المحامي.

ولا يخلو الأمر من الدعاوى “الكيدية”، بحسب المحامي، إذ يقوم شخص برفع دعوى “غصب عقار” ضد شخص ما، رغم وجود عملية بيع وشراء نظامية بينهما.

ويبرر ذلك برغبة صاحب العقار ببيعه بسعر أعلى، بعد الارتفاع الذي شهدته سوق العقارات في المدينة، وهو ما يسمى “النكول عن عقد البيع”.

بين محاكم سلطتين

تسيطر على محافظة الحسكة “الإدارة الذاتية” باستثناء مربعين أمنيين في كل من القامشلي والحسكة، يقعان تحت سيطرة النظام، ويضمان المؤسسات الخدمية، وعلى رأسها المحاكم.

ولا تعد القوانين والقرارات الخاصة بالعقارات الصادرة عن محاكم النظام قابلة للتطبيق، جراء وجود العقارات في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.

أحد المحامين الذين يعملون في محاكم “الإدارة الذاتية” عدنان (38 عامًا)، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن دعاوى استرداد الأملاك و”غصب العقار” و”التزوير” كثيرة جدًا، وتتكرر من الأشخاص نفسهم في محاكم “الإدارة” والنظام.

ويعاني معظم أصحاب الدعاوى الاستنزاف المادي والنفسي، جراء تعدد القوانين والمحاكم، وفق ما قاله المحامي.

وأضاف أن “الإدارة الذاتية” ليس لديها سجل عقاري خاص بها، وهذا يشكّل “معضلة” لدى المحاكم التابعة لها، إذ يضطر العاملون بالمحاكم إلى الاعتماد على ثبوتيات صادرة عن النظام.

ويُجبر المواطنون على اللجوء إلى محاكم “الشعب” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، باعتبارها الوحيدة القادرة على تحريك “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) كجهة تنفيذية لديها “مهام الضابطة العدلية” تستطيع إخلاء العقار من مغتصبه “بالقوة” وإرجاعه لصاحبه، بحسب ما قاله المحامي.

وتسفر هذه الحالة عن تناقض وتنازع في الحكم بين محاكم “الإدارة” والنظام فيما يخص دعاوى “غصب العقار”، إذا كان أحد أطراف القضية عاملًا في “الإدارة الذاتية” أو مقربًا منها.

فوضى أمنية

أرجع المحاميان اللذان تحدثت إليهما عنب بلدي، شيوع هذه المشكلة إلى غياب القانون الرادع، والفوضى الأمنية التي تشهدها المنطقة، وعجز القوى المسيطرة عن إيجاد آلية للتنسيق ومنع ازدواجية القوانين والقرارات، وشبكات “النصب والاحتيال”.

بدوره، أرجع القاضي في محكمة البداية المدنية الأولى بالقامشلي فاروج شمعون، هذه المشكلة إلى وجود عمليات تزوير جراء خروج المنطقة عن سيطرة “الدولة”، وفق ما قاله لصحفية “البعث” الحكومية، في أيلول 2022.

وأضاف شمعون أن المحكمة سجلت العديد من الدعاوى، مدعيًا أن جميع العقارات أٌعيدت إلى المالكين الأصليين.

ولا تقتصر الظاهرة على محافظة الحسكة أو منطقة القامشلي، إذ تنتشر في مختلف المحافظات، ما دفع وزارة العدل لإصدار عدة تعاميم لمعالجة هذه الظاهرة والحدّ منها، بحسب ما قاله شمعون.

وتقضي التعاميم بإجراء الكشف والتقييد المحلي على العقار، وسماع أقوال الجوار لمعرفة المالك الحقيقي، بالإضافة إلى إجراء الخبرة على توقيع أو بصمة البائع الموجودة على العقد للوقوف على صحتها.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة