دمشق الشام القابضة.. غطاء قانوني لاستثمارات رجال الأعمال

camera iconاجتماع أعضاء شركة دمشق القابضة في مشروع ماروتا سيتي -10 كانون الأول 2018 (دمشق القابضة فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

بات اسم شركة “دمشق الشام القابضة” يتردد بشكل كبير في وسائل الإعلام السورية بمختلف توجهاتها السياسية، خلال الأشهر الماضية، وخاصة بما هو مرتبط بمشروع “ماروتا سيتي” خلف الرازي في العاصمة دمشق.

تدور حول الشركة تساؤلات كثيرة حول ماهية عملها وتبعيتها المالية وتحالفاتها الاقتصادية، لا سيما بعدما بدأت الإعلان عن تأسيس شركات تابعة أو مساهمة بها، إلى جانب الحيازة على ملكية بعض المناطق التابعة لمحافظة دمشق، مثل حديقة الطلائع في أوتوستراد المزة، بحسب ما أعلنت المحافظة في 10 من كانون الأول الحالي، وحي الحمراوي الأثري في دمشق القديمة، في أيار الماضي.

الأسد يمهد لرجال أعماله بمرسوم

البداية كانت في 2012 عندما أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسوم التشريعي 66 والقاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين، الأولى في منطقة خلف الرازي وبساتين المزة العشوائية باسم “ماروتا سيتي” (تعني بالسريانية السيادة والوطن)، والثانية تمتد من جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين باسم “باسيليا سيتي” (وتعني الجنة).

وتعود ملكية وأصول المناطق السابقة إلى محافظة دمشق التي لا تملك قدرة وميزانية كبيرة للإعمار والاستثمار فيها، ما يضطرها إلى بيع بعض مقاسمها في مزاد علني لشركات خاصة، بحسب ما قال مصدر اقتصادي مطلع على عمل الشركة وآليات تشكيل شراكاتها (تحفّظ على ذكر اسمه) لعنب بلدي.

وأشار المصدر إلى أن الشركات الخاصة (التابعة والمقربة للنظام ورجال أعماله) التي ستدخل في استثمار هذه المناطق عبر المزاد العلني ستعاني من “الرسوم والضرائب والقوانين ونقل الملكية وغيرها”، إضافة إلى عدم وجود غطاء قانوني لها، وستكون عرضة للتضارب مع أي مادة قانونية وأحكام قضائية، فضلًا عن فضح استثمارات رجال الأعمال المقربين من النظام بين السوريين، لذلك كان الحل في إنشاء “شركة قابضة”.

وتمهيدًا لذلك أصدر الأسد في نيسان 2014 المرسوم التشريعي “رقم 19” الذي يجيز، بـ “قرار من وزير الإدارة المحلية بناء على اقتراح مجلس المحافظة أو مجلس المدينة إحداث شركة سورية قابضة مساهمة مغفلة خاصة (…) تهدف إلى إدارة واستثمار أملاك الوحدة الإدارية أو جزء منها”.

الشركة القابضة هي شركة تمارس سيطرة إدارية ومالية على الشركات التابعة لها، وتحتكر سلطة اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتحديد التوجهات الكبرى لشركاتها.

المستشار القانوني مصطفى القاسم، اعتبر أن سلطة منح الترخيص وإجازة الأعمال في المرسوم هي لوزير الإدارة المحلية الخاضع بشكل كلي لإملاءات السلطات السياسية والأمنية والمالية، توجهه كيف شاءت وتملي عليه من القرارات ما تريد.

وقال القاسم لعنب بلدي إن المرسوم يمنح الشركات القابضة، التي تنشأ في ظله، صلاحيات واسعة تجعلها غير خاضعة للرقابة والمساءلة والتدقيق، موضحًا أن تبعيتها للإدارة المحلية تبعية إدارية محدودة من حيث الإحداث والتنسيق، وهي تبعية ظاهرية، إذ إن صلاحيات مالكي هذه الشركات، من الناحية الفعلية، تفوق صلاحيات الجهات العامة نتيجة قدرتهم الفعلية اللامحدودة على تشكيل هذه الجهات، وصولًا إلى تكليف الوزراء والمدراء وحمايتهم في حالة الرضا أو عزلهم ومحاسبتهم عند الغضب.

وبناء على المرسوم، أعلنت محافظة دمشق في 17 من كانون الأول لعام 2016، تأسيس شركة “دمشق الشام القابضة” برأسمال قدره 60 مليار ليرة سورية، وتتكون الهيئة العامة، استنادًا إلى المرسوم، من رئيس وأعضاء مجلس الوحدة الإدارية (محافظة دمشق) بحسب الإدارة، ويرأس مجلس إدارتها محافظ دمشق، عادل العلبي، بعد تعيينه محافظًا في تشرين الثاني الماضي، خلفًا لبشر صبان الذي استلم المنصب لمدة 12 عامًا.

وأعطى المرسوم للشركة صلاحية تأسيس أو المساهمة في شركات (تابعة أو مساهم بها) وإدارتها، كما تعفى الأملاك المنقولة إلى الشركة القابضة أو من الشركة القابضة إلى الشركات التابعة لها أو المساهم بها من جميع الضرائب والرسوم مهما كانت مسمياتها.

شركات أسستها دمشق الشام القابضة

تأسيس “دمشق الشام القابضة” مهد الطريق أمام ظهور تحالف شركات للاستثمار في “ماروتا سيتي”، وبحسب تقرير صادر عن الشركة في نيسان الماضي، فإن عدد الشركات التي تم توقيع عقود تأسيسها مع شركات أخرى بلغ ست شركات بمجموع رأس مال 380 مليار ليرة سورية.

ومن أهم الأسماء البارزة في تأسيس هذه الشركات رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد، عن طريق تأسيس شركة “روافد” برأسمال 25.9 مليار ليرة سورية، بالاشتراك بين “دمشق الشام القابضة” وأربع شركات بينها “راماك للمشاريع” التي يملكها مخلوف.

كما برز اسم رجل الأعمال الغامض سامر فوز، عبر إنشاء شركة “أمان دمشق المساهمة المغفلة” برأسمال 18.9 مليون دولار، بين ثلاث شركات هي “دمشق الشام القابضة” و“أمان القابضة المغفلة المساهمة”، التي تأسست في أيار 2017 برأسمال 600 مليون ليرة والعائدة لسامر وزهير وعامر فوز بالتساوي، إلى جانب “فوز التجارية” العائدة لرجل الأعمال سامر فوز والمنشَأة في 1988.

أما الاسم الثالث فهو رجل الأعمال مازن الترزي، الذي وقعت معه الشركة عقدًا لاستثمار المول المركزي في “ماروتا سيتي” بمساحة 120 ألف متر مربع وبقيمة 108 مليارات ليرة سورية، وإنشاء ستة مبان استثمارية إضافية بمساحة 26 ألف متر مربع، وبيعه خمسة مقاسم ضمن المدينة بقيمة تصل إلى 70 مليون دولار.

التوجه نحو خصخصة المشاريع

ومن الصلاحيات التي حازت عليها “دمشق الشام القابضة” تفويضها من قبل المحافظة بتكليف إحدى شركات الإدارة التابعة لها بمهام إدارة المناطق التنظيمية، ومنحها تراخيص البناء ومراقبة تنفيذها وتحصيل جميع الرسوم والغرامات المتعلقة بأعمالها لصالح المحافظة (الوحدة الإدارية)، إضافة إلى “تولي مهام صناديق المناطق التنظيمية المحدثة وتحصيل الأقساط ومتابعة سداد القروض وفوائدها مباشرة أو عبر المصارف، وإحداث وإدارة مراكز خدمة المواطن”.

واعتبر المهندس محمد مظهر شربجي، الذي شغل سابقًا رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق، في حديث إلى عنب بلدي، أن إصدار المرسوم “رقم 19” هدفه إعطاء غطاء قانوني للشركات التي تنشأ من خلال التعاقد مع “دمشق الشام القابضة”، من أجل تمرير وتسويق مشاريع لرجال أعمال مقربين من النظام أو تابعين لجهات سياسية ودولية، مشيرًا إلى أن الشركة المنشأة قد تكون مقربة من المحافظ أو أحد أقربائه، والذي تعطيه الشركة الجديدة غطاء قانونيًا لتيسير أمور قطاع عام (أملاك المحافظة) عبر شركة خاصة.

من جهته، أشار المستشار القانوني مصطفى القاسم إلى أن المرسوم أعطى صلاحيات مطلقة لرأس المال الدائر في فلك السلطة بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والقدرة على التملك الجبري والاستيلاء على عقارات الناس خلافًا لإراداتهم، لافتًا إلى أن الشركات المشكّلة تسهم، مستفيدة من صلاحياتها الواسعة، في تنفيذ المشاريع المشبوهة في مناطق المرسوم التشريعي “رقم 66” لعام 2012، التي تحاول قوى النفوذ الإيرانية تمريرها في مناطق محيط السفارة الإيرانية بدمشق، بحسب قوله.

وتحدث القاسم عن أن مخاطر المرسوم “رقم 19” تكمن في إدارة السلطة الفعلية لأزلام السلطة (النظام) من أصحاب رؤوس الأموال جميع تفاصيل العمليات، بدءًا من اختيارهم المشاريع الأعلى ربحية بصرف النظر عن خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية المزعومة والموازنة العامة للدولة، وحصر التراخيص بهذه الفئة المحدودة، إضافة إلى منحهم صلاحيات واسعة في تحديد المنطقة التي ستقام فيها المشاريع والاستيلاء على عقاراتها، والاستفادة من المزايا الممنوحة للسلطات الإدارية، والتمتع بالإعفاءات من الضرائب والرسوم، وعدم الخضوع للرقابة والمحاسبة في ظل التغوّل على الحكومة وغياب السلطة القضائية والحمايات التشريعية الاستثنائية.

واعتقد القاسم أن المشاريع التي ستنشأ في ظل هذا المرسوم ستدعم توجه الخصخصة الذي تحاول السلطة تمريره بهدوء نسبي، وستمكن الفئة المحدودة من رجال مال السلطة من إحكام سيطرتها بشكل أكبر على مقدرات البلاد، وستستغل هذه المشاريع قطاعات العقارات والسكن والصحة والاتصالات والنقل والاستيراد والتصدير وبقايا الثروات الوطنية على حساب المهجرين والمشردين والفقراء من أبناء الشعب السوري.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة