حكومة دمشق تبحث عن روافد جديدة

زيادة ضرائب المهن.. توقعات بنتائج عكسية على الاقتصاد السوري

نقاش موازنة 2024 في مجلس الشعب في دمشق كانون الأول 2023 (وزارة المالية/ فيس بوك)

camera iconنقاش موازنة 2024 في مجلس الشعب في دمشق كانون الأول 2023 (وزارة المالية/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

أدت العمليات العسكرية الطويلة في سوريا، التي نفذها النظام السوري على امتداد الجغرافيا، وخروج مناطق واسعة عن سيطرته، إلى تجفيف منابع تمويل الخزينة العامة في البلاد، مع توقف التصدير والصناعات وحركة السياحة، وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي.

طيلة سنوات، حاول النظام خلق مصادر جديدة للتمويل، سواء عبر القروض المالية المباشرة من حليفيه (روسيا وإيران)، أو بمنحهما عقودًا استثمارية في قطاعات تشكل ثروات سوريا، كالفوسفات والكهرباء وسكك الحديد والمواني البحرية والاتصالات، بالإضافة إلى عمليات الخصخصة المتتالية لعدد من القطاعات الأخرى.

جاءت هذه الخطوات عمليًا في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق النظام السوري، والتي يعد أحد أوجهها التراجع الكبير في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، الذي تظهر آثاره بشكل مباشر ليس على الأسعار اليومية للأسواق السورية فقط، بل كذلك على الموازنة العامة.

وفي محاولة جديدة من النظام لتأمين روافد مالية جديدة لخزينته، جاء قرار وزارة المالية في 30 من كانون الأول 2023، برفع نسبة الضرائب على عدد من المهن والقطاعات، وصل بعضها إلى 45%، مع قرار بتخفيضها في حال كان الدفع إلكترونيًا لا نقديًا.

ورغم هذه المحاولات من النظام السوري، فإن آثار القرار قد تؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد والسوق والمواطنين أيضًا، خاصة أن الاقتصاد في مناطق النظام السوري لا يبدو أنه يسير وفقًا لخطط واضحة، ويخسر رأس ماله البشري كذلك.

الوزارة اعتبرت أن القرار جاء لـ”تحقيق العدالة الضريبية بين المكلفين، وتحديد الربح الصافي لكل فعالية أو نشاط للمكلفين بالضريبة من فئة مكلفي الدخل المقطوع، وانطلاقًا من رقم العمل الواقعي لهم”.

آثار سلبية متوقعة

منذ 2021، بدأت حكومة النظام رفع الضرائب بشكل متكرر، في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها المناطق التي يسيطر عليها.

في الوقت نفسه، ومع ارتفاع نسبة التضخم، وانهيار العملة السورية، وجفاف الموارد، ومحاولات الهجرة المتتالية بسبب الظروف الاقتصادية، يأتي القرار الجديد، الذي سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف، إذ عادة ما يلجأ التجار لترحيل الضريبة ليدفعها المستهلك، عبر رفع الأسعار.

وفق الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، فإن القرار جاء وسط ضعف الطلب والقوة الشرائية وانخفاض قيمة الليرة، وهو ما يعني “حكمًا على التجارة والاقتصاد والصناعة بالفشل”، وسيتم رفع قيمة التكاليف، يضاف إليها الصعوبات التي يعانيها التجار والصناعيون.

وأضاف أن هذه التكاليف تعني بشكل مباشر إرهاقًا للتجار وللمستهلكين، وبالتالي للاقتصاد ككل.

لذا فإن عام 2024 سيشهد نقلات كبيرة بسعر صرف الدولار، لأن الموازنة تضاعفت بنسبة 115%، ومع ضخ النظام مزيدًا من العملة المحلية، ستصل الكتلة النقدية في العام الحالي إلى 35 تريليون ليرة سورية، وهذا يعني أنه حكم على الاقتصاد بالتضخم قبل بداية السنة، ومع رفع الأسعار وزيادة الضرائب ورفع التكاليف، سيكون الوضع سوداويًا، وفق شعبو.

وتبلغ قيمة الموازنة، بحسب سعر الصرف الرسمي الذي يحدده مصرف سوريا المركزي بـ8500 ليرة للدولار الواحد، نحو 4.1 مليار دولار أمريكي.

بينما تعادل الاعتمادات الأولية 2.5 مليار دولار أمريكي، بحسب سعر صرف “السوق السوداء”، الذي يبلغ 13850 ليرة سورية للدولار الواحد، بالسعر الرائج وقت صدور الموازنة.

وفي كل عام، تزداد اعتمادات الموازنة العامة للدولة عند حساب قيمتها بالليرة السورية، فيما تتراجع بالدولار الأمريكي.

وكانت الموازنة العامة لعام 2023 بلغت 16550 مليار ليرة سورية، ما يعادل نحو 6.6 مليار دولار أمريكي عند إقرارها، وفق سعر الصرف الرسمي الذي كان محددًا حينها بـ2500 ليرة للدولار الواحد، ويقارب العجز حوالي خمسة آلاف مليار ليرة سورية.

ويبدو أن القرار الأخير قد يحمل آثارًا سلبية على الاقتصاد والخدمات والمستهلكين كذلك، وفق شعبو، الذي يرى أن القرار ليس سوى مورد مالي وعملية إجرائية لن تنعكس على الاقتصاد والخدمات إلا بالسوء، وعلى التكلفة إلا بالزيادة، وعلى المواطن إلا بتردي الأوضاع.

ردود فعل تستلزم توضيحات

بعد صدور القرار، وردود الفعل الواسعة عليه، خرجت “الهيئة العامة للضرائب والرسوم” لتوضيح ما حصل عبر وسائل الإعلام المحلية، الحكومية والخاصة، ورصدت عنب بلدي أربعة أحاديث صحفية متتالية لمدير عام الهيئة، منذر ونوس.

ونوس اعتبر في حديث لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 2 من كانون الثاني الحالي، أن القرار الأخير “تضمن شريحة واسعة من التخفيضات على نسب الأرباح الصافية الخاضعة للضريبة”، معتبرًا أن نسب الربح الصافية “تتناسب مع أرقام العمل التي سيتم اعتمادها لتكون أكثر واقعية”.

تصريحات ونوس لـ”سانا”، كررها لموقع “غلوبال” المحلي، في 3 من كانون الثاني، في حين قال لصحيفة “الوطن” المحلية المقربة من النظام السوري، إن القرار جاء “بعد نقاش مع أصحاب المهن والفعاليات الاقتصادية، وفق تبدل وارتفاع كلف ونفقات الإنتاج”.

وفق الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، يتعامل النظام السوري مع الضرائب والدخل بطريقتين مختلفتين، الأولى عندما يتحدث عن رفع الضريبة يربطها بارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية، ويجب أن تكون بنفس المستوى.

ووصل سعر صرف الدولار إلى 14300 ليرة سورية، وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار صرف العملات الأجنبية، وقت كتابة التقرير.

فيما يتحدث النظام، وفق شعبو، عندما يتعلق الأمر برفع الدخل للمواطنين، عن ضعف الموارد وقلّتها، وكأن وزارة المالية “تتعامل بعقلية التاجر لا بعقلية الدولة”، وأصبحت المديريات ترهق التجار بالضرائب.

“إغراء” للدفع الإلكتروني

يروّج النظام السوري منذ 2023 لعمليات الدفع الإلكتروني، التي تصطدم بغياب البنية التحتية اللازمة لتنفيذها، ورغم ذلك، يستمر الترويج لها.

كما تواجه المصارف خللًا إداريًا، تفاقم بعد أن ربط النظام بعض المعاملات بمصارف محددة غير قادرة على تأدية المهام الموكلة إليها.

ويرجع إصرار النظام على الدفع الإلكتروني، بما في ذلك الترويج له عبر الضرائب في القرار الأخير، إلى “محاولة تقليل التهرب الضريبي”، بحسب شعبو، موضحًا أن النظام في حال نجح بربط الفواتير إلكترونيًا، سيحصل على رقابة شاملة وكاملة على السوق، وبالتالي سيتحكم بالضرائب وفرضها، خاصة مع محاولات التجار للتهرب الضريبي.

كما أن الدفع الإلكتروني يعني اقتطاع الضريبة بشكل مباشر لخزينة الدولة، وبالتالي توفير مورد مالي سريع يمكن تحصيله شهريًا، بعكس النظام المعتاد، الذي يستغرق وقتًا أطول لتوفير السيولة، حسب تحليل شعبو.

وفي أيلول 2023، بحث وزير الاتصالات، إياد الخطيب، والكهرباء، غسان الزامل، وحاكم مصرف سوريا المركزي، محمد عصام هزيمة، إمكانيات تسهيل عملية دفع فواتير الكهرباء عبر منظومة الدفع الإلكتروني، والاستغناء عن طريقة الدفع التقليدية.

وبشكل مشابه خلال الشهر نفسه، ناقش الخطيب ووزير الموارد المائية، تمام محمد رعد، وهزيمة، واقع وآلية الدفع الإلكتروني لدى المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي والشركة السورية للاتصالات.

وآخر عمليات الترويج جاءت في القرار الأخير لرفع الضرائب بمناطق النظام، إذ خُفضت نسبة الضريبة في حال رُبطت بنظام الدفع الإلكتروني، وتراوحت نسبة التخفيض بين 2 و4%.

وفي مسح أجرته الأمم المتحدة عام 2022 للحكومات الإلكترونية، حلت سوريا في المرتبة 156 عالميًا من إجمالي 193 دولة، بينما وصل ترتيبها في عام 2020 إلى المركز 131 عالميًا، ما يشير إلى تراجع وضع الخدمات الإلكترونية بمرور الأعوام في سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة