“ستموت في العشرين”.. الاستسلام لشبح الموت أم لحب الحياة؟

camera iconمشهد من الفيلم

tag icon ع ع ع

يقدّم الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” انعكاسًا لبعض الأفكار الخاطئة في المجتمعات الفقيرة التي يسيطر عليها الجهل، باعتبار هذه الأفكار هي عقائد وتعاليم دينية ثابتة غير قابلة للنقاش في بعض المجتمعات.

والفيلم مبني على قصة “النوم عند قدمي الجبل” للكاتب السوداني حمور زيادة، وحوّل المخرج السوداني أمجد أبو العلاء القصة المكتوبة إلى أخرى حية، عبر جمال الصورة وإيحائيتها، وذكاء المشهد المشبع بموسيقى الموضوع التي ألّفها الموسيقيّ الفرنسي التونسي أمين بوحامة.

وتجول كاميرا أمجد أبو العلاء في منطقة الجزيرة، وسط السودان، لتلتقط تفاصيل المكان الذي تكثر فيه المزارات والأضرحة الدينية، وتلاقي التعاليم الصوفية بيئة خصبة لتعبر عن نفسها عبر مشهد افتتاحي لـ”حضرة” يتنبأ فيها الشيخ لـ”سكينة” التي جسدت دورها الممثلة السودانية إسلام مبارك بموت ابنها في العشرين من عمره.

تتنازع سكينة بعد هذا المشهد الهموم من جهة وعاطفة الأمومة من جهة أخرى، فتحرم طفلها “مزمّل” من اللعب مع الأطفال، وتبقيه في جوارها طوال الوقت خوفًا من شبح الموت المرتقب.

وهذا يؤكد معنى وقيمة أن تبقى بعض الأشياء مجهولة ومبهمة لإراحة البال، فبعض العلم بالأشياء والحقائق لا ينفع، وقد ينغص لذة العيش، فكيف بالخرافات والأقاويل التي لا سند لها ولا برهان.

ترتدي الأم الثياب السوداء حدادًا على ابنها في حياته، وتعيش طويلًا في الفيلم متشحة بثياب الحداد، وهي تعد الأيام بانتظار اليوم المنتظر.

يعكس العمل نظرة بعض المجتمعات الفقيرة للدين على أنه العلم الوحيد، مقابل إهمال الحساب والعلوم الأخرى، ما يجعل القرية منقادة لما يقوله رجل الدين باعتباره “يعرف أكثر من الجميع”.

الطفل “مزمّل” يعيش مع هذه الحقيقة ويحفظ القرآن ليعمل صالحًا يلاقي به ربه، وينكشف أمام عينيه طيف النفاق الذي يداريه صاحب الدكان الذي يعمل لديه، وهو رجل مداوم على الصلاة، لكنه يبيع الخمر سرًا لـ”سليمان” الذي جسّد دوره الممثل محمود السراج.

وتشكل شخصية “سليمان” الطرف النقيض لأفكار القرية وأعرافها، فيعيش في منزل بعيد، غارقًا في عزلته وعالمه الخاص المفعم بالموسيقى والتصوير، والاطلاع على ثقافات عايشها عبر أسفاره قبل أن يعود ويحط رحاله في قريته دون أدنى احتكاك بالناس ما عدا “مزمّل” وامرأة تحبه وتعيش لأجله.

يسلّط “ستموت في العشرين” الضوء على الخوف من الذنب بصورة تمنع الحياة نفسها، وهذا ما خبره “مزمّل” من خلال نقاشاته مع “سليمان”، والحقيقة أنها لم تكن نقاشات بمقدار ما كانت تفتيحًا لمدارك “مزمّل” على يد “سليمان” الذي يكفر بما شاب عليه أبناء قريته من تسليم بالأفكار البالية.

مرّ نص العمل بـ11 ورشة كتابة، قبل أن يكتبه بصورته الأخيرة المخرج أمجد أبو العلاء والسيناريست الإماراتي يوسف إبراهيم، لتدور كاميرا التصوير مع انطلاق الثورة السودانية، ويعرض للمرة الأولى في 8 من كانون الثاني الماضي.

حظي العمل بتقييم 7 من 10 في موقع “IMDb” المتخصص بالنقد السينمائي، ونال العمل، في 2 من تشرين الثاني عام 2019، جائزة الاتحاد الدولي للنقاد لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية بمهران “قرطاج”، وجائزة “أسد المستقبل” في مهرجان “فينيسيا” السينمائي الدولي، في أيلول من عام 2019.

ورشحته اللجنة الوطنية في وزارة الثقافة السودانية لتمثيل السودان ضمن حزمة جوائز “أوسكار” التي ستعلن ترشيحاتها الرسمية في منتصف آذار المقبل، قبل دورة المهرجان السينمائي المزمع عقدها في نيسان المقبل لإعلان النتائج.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة