عمليات التجميل تجتاح دمشق.. رزق “النّصابين” على “المهووسين”

سيدات سوريات يتفحصن منتجات للتجميل في أول معرض متخصص في دمشق 7 كانون الأول 2014 (AFP)

camera iconسيدات سوريات يتفحصن منتجات للتجميل في أول معرض متخصص في دمشق 7 كانون الأول 2014 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هند مقصوص

آية فاكهاني، طفلة في الرابعة عشر من عمرها، أزعجهاالنمشالموجود في وجهها، فأرادت أن تفاجئ صديقاتها وتزيله، في عطلة نهاية الفصل الدراسي الأول.

أصرت الطفلة على والدتها، التي اضطرت، بنيّة إرضاء فتاة في مقتبل شبابها، لأخذها إلى مجموعة نساء يجرين عمليات على جهازليزر، في منزلهن الواقع بمنطقة العقيبة (قريبة من شارع بغداد في دمشق).

ذهبت آية ووالدتها إلى المنزل، وبدأت إحداهن تجري عملية إزالة النمش وتدهن وجه الطفلة بالمساحيق، شعرت آية أن صدرها يضيق ووجهها يحترق، إلا أن المرأة لم تكترث وقالت للأم هذا طبيعي ابنتك “تبالغ”.

وما هي إلا لحظات، حتى بدأ وجه آية يذوب، وأخرجت مادة بيضاء من فمها، أسرعت الأم إلى مستشفى “المجتهد”، إلا أنّ الأوان قد فات.

توفيت الطفلة، وهربت النساء، وفق رواية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وتأكدت عنب بلدي منها من مصادر متقاطعة، وسط “ذهول” وتنديد “أين الرقابة على هؤلاء النصابين؟” حتى بعثت الأم رسالة تحذر فيها: ”انتبهن على بناتكنّ من عمليات التجميل غير المرخصة”.

هوسعمليات التجميل يجتاح دمشق

تشهد محافظة دمشق “موضة” لم تكن شائعة بين السوريات من قبل، مع تزايد تعقيدات الزواج وطلبات العريس “التعجيزية” لمواصفات الزوجة المستقبلية، بحسب ما تقوله نساء في دمشق، انتشر بينهن مؤخرًا “هوس” ما يُعرف بـ “عمليات التجميل”، وأصبحن يلجأن للتجميل، أملًا منهن بفرص أكبر للزواج.

تُقدّم أغلب المراكز التجميلية عمليات للوجه والجسم، وتتفاوت الأسعار بحسب منطقة العملية، لتبدأ من 50 ألف ليرة (ما يعادل 100 دولار أمريكي) لأبسط العمليات، دون حد لانتهائها.

إلا أنّ الكثير من السيدات حذّرن من انتشار مراكز غير مرخصةٍ، لا يملك أصحابها أي خبرة سابقة، وتؤدي العمليات فيها إلى تشوّهات بدل تحسين ما يراد تجميله.

وتشهد أغلب الصفحات النسائية، والمجموعات المخصصة للـ “الصبايا”، أسئلة عن “دكتور تجميل شاطر”، مرة  كل أسبوع على الأقل.

ورصدت عنب بلدي أكثر المراكز التجميلية شهرة في دمشق، وبحسب آراء رواد مواقع التواصل الاجتماعي، احتل مركز “رودينا” الصدارة، ويليه مركز “سيف بيوتي”.

أكثر العمليات المطلوبة.. وأسعارها

وتحدثت عنب بلدي مع اختصاصية تجميل في مركز “رودينا”، حول أكثر العمليات المطلوبة من قبل الدمشقيات، وقالت إن أنواع العمليات تعتمد على المواسم، والطلب يزيد حسب الموضة الدارجة.

عمليات التجميل بالأرقام

تُجرى كل عام نحو عشرة ملايين عملية تجميل في العالم، وفي عام 2013 وصلت إلى 12 مليونًا، بحسب إحصائيات أوردها موقع “DW” الألماني.

وأكدت دراسة نقلتها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، ارتفاع عدد المقبلين على عمليات تجميل في الوجه، خاصة إزالة الدهون الزائدة في الذقن.

ووفقًا لإحصائيات “ديلي ميل” فإن هناك زيادة إلى أكثر من 16% في عدد الأشخاص الذين يخضعون لعمليات التجميل في الذقن، شهدها عام 2015.

صور”سيلفي” هي من أكثر الأسباب للزيادة، فأحيانًا لا يوجد تشوه واضح في شكل الذقن، إلا أن الأفراد يقدمون على تجميلها لمجرد أن أشكالهم في صور “السيلفي” لم تعجبهم.

ويعدّ فصل الشتاء الوقت الأفضل لإجراء عمليات الجراحة التجميلية، في حين يعتبر الوقت الأنسب لعمليات الوجه هو الخريف وبداية الربيع، لأنه يصعب حماية هذا الجزء من الجسم من الصقيع.

وبحسب “ديلي ميل” فإن عمليات وضع “المكياج الدائم” شهدت إقبالًا كبيرًا من السيدات، خلال السنوات الثلاث الماضية، نتيجة تطور التقنيات، وزيادة حرفيتها ودقتها.
وأشارت إلى أن العديد من الحالات فشلت، وكانت النتائج عكس المرغوب بها.

وبالرغم من كثرة عمليات التجميل، ونجاحها في معظم الأحيان، إلا أن الجميع مازال متفقًا أن الجمال الطبيعي أفضل من الاصطناعي، خصوصًا مع تزايد تقنيات المكياج أو ما يُعرف بـ “كونتورينغ”، والذي يُخفي عيوب الوجه دون الحاجة إلى جراحة.

ويعتبر مركز “رودينا” أن أسعاره “عادية جدًا” ومتوسطة، مقارنةً ببقية المراكز والعيادات، فعملية “قص المعدة” تكلف 350 ألف ليرة سورية، بينما تزيد عن 500 ألف في مراكز أخرى، كما تخبرنا الاختصاصية.

أما عملية “تكبير الثدي” فتكلف 500 ألف ليرة سوري، ومثلها عملية “شد الوجه”، بينما يكلف “نحت الجسم” 275 ألفًا، وتجميل الأنف 150 ألفًا تقريبًا، أما ضحكة “هوليوود” فتكلف 50 ألف ليرة عن كل سن.

وقالت الاختصاصية إن جلسة الاستشارة، التي تعقدها قبل إجراء أي عملية، تشرح فيها بشكل مفصل عن العملية وآثارها الجانبية، وآلية العمل ومدة الاستشفاء.

كما تعرض، على حد قولها، النتيجة المتوقعة على المريضة، وتناقشها بالنقاط المطلوب تعديلها، وأحيانًا تحتاج لأكثر من جلسة نقاش، لضمان حصولها على رضا تام عن النتيجة.

وأضافت “يكون لدى المريضة تصوّر واضح عن الموضوع، وننصح المريضة في حال عدم لزوم العملية، وطبعًا لا نجريها إذا كانت غير مناسبة وغير صحية”.

 كيف يفسر علم النفسهوسالفتيات بالتجميل؟

الاختصاصية النفسية، أسماء رشدي، عزت توجه الفتيات للتجميل إلى عدة أسباب، أولها عدم الثقة بالنفس، وشعور الفتيات بـ “عقدة نقص”، إذ غالبًا ما تقارن الفتاة شكلها بالأخريات، وتلجأ للتجميل لتكمل نقصها المعنوي قبل الملموس.

وأوضحت الاختصاصية أن السوريات حاليًا يعانين من ضعف داخلي، نظرًا للأحداث الجارية في سوريا، ما يدفعهن للتأثر بأي موضة، ليثبتن قوتهن وأنهن ما يزلن يعشن حياة طبيعية سليمة.

كما أن معظم الفتيات أصبحن معيلات لأسرهن، ما يدفعهن إلى عمليات التجميل كنوع من “الدلال” لذواتهن، ومكافأة لتعبهن واجتهادهن، بحسب رشدي.

ونظرًا لقلة الشباب في البلد، وصورة المرأة المثالية في الإعلام، أصبحت المرأة في صراع مع نفسها والمجتمع لتكون “كاملة مكملة”، وتحاول بجمالها أن تحافظ على زوجها، أو أن تصيد عريسًا مثاليًا.

وتابعت “أحيانًا يكون هناك تشوه واضح في شكل الفتاة، مثل عظمة أنف بارزة، أوسمنة مفرطة، ما يدفعها إلى اللجوء للتجميل، لكن انتشار برامج تعديل الصور وتحميل صور سيلفي (رائعة) على مواقع التواصل الاجتماعي، زاد الوهمية لدى الفتيات اللاتي رغبن بالحصول على جمالٍ واقعي بعيدًا عن برامج التعديل”.

ما رأي السيدات الدمشقيات؟

أجرت عنب بلدي استطلاع رأي لفتيات في دمشق، عبر مجموعة خاصة في “فيس بوك”، حول رأيهن بالعمليات التجميلية، فأجابت نور، وهي معلمة في مدرسة خاصة، أن عمليات التجميل ضرورة في حال وجود تشوه.

وتابعت “مثلًا أنا بعد الولادة أرهق وجهي كثيرًا وظهرت علامات كلف وتجاعيد حول العينين، وبعض التغييرات الجسدية بسبب الحمل، لذا فالعمليات التجميلية ضرورية، لإزالة علامات المرض”.

وعبرت ربا، وهي خريجة إعلام، عن تشجيعها لعمليات التجميل حتى في حال عدم وجود تشوه، معللة ذلك بأن الجمال والمثالية “حق” لأي امرأة، لكن دون أن يتحول لـ “هوس”.

أما مجد، الطالبة الجامعية (23 عامًا)، فكان لها رأيٌ مختلفٌ عن سابقاتها، وقالت إن “للعمر حقه، ولا مشكلة في أن تظهر علامات العمر، بما أنني على طبيعتي”.

وأضافت “إننا بعمليات التجميل نسعى لتغيير ذواتنا، وندعو العالم لعدم تقبلنا على حالنا، إلا إذا كنا كما الصورة المرسومة في أذهانهم”.

وأكدت أنها ترفض أن تكون ضحية وحالة إعلانية لترسيخ صورة نمطية عن المرأة العصرية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة