مجلس عسكري سوري انتقالي.. واللعب خارج القرار “2254”

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

الإحاطة التي قدمها غير بيدرسون لمجلس الأمن الدولي في 9 من شباط الحالي، ليست على غير صلة بما سُمّي اقتراح تشكيل مجلس عسكري انتقالي في سوريا.

الإحاطة أوضحت أن وفد النظام لم يتعامل بإيجابية مع جدول أعمال الدورة الخامسة، الذي يتعلق بمناقشة موضوعات ومبادئ دستورية، وهو أمر قد يفسّر طرح مقترح من قبل منصة “موسكو” مع السيد جمال سليمان، بخصوص تشكيل مجلس عسكري انتقالي، بمساعدة روسيا.

صحيفة “الشرق الأوسط” نشرت مقالًا لكاتبها إبراهيم الحميدي، يؤكد فيه وجود نسخة من هذا المقترح، رغم نفي مهند دليقان عضو منصة “موسكو” وجود مقترح كهذا.

النفي هنا لا يقدّم ولا يؤخر، فقد نشر الصحفي ياسر بدوي ما يشبه ذلك في صحيفة روسية هي “نيزافيسيمايا غازيتا”، وبذلك يمكننا القول، إن قراءة المقترح المنشور يجعلنا نقول عنه إنه يقع عمليًا خارج مربع الحل الدولي وفق القرار “2254”، فهذا المقترح يقفز فعليًا خارج مضامين القرارات الدولية، المعنية بالصراع السوري، وينسف عمل “هيئة التفاوض السورية”، واللجنة الدستورية، وهما هيئتان أقرت بشرعيتهما الأمم المتحدة، وشُكّلتا وفق ضوابط تخدم تنفيذ القرار الدولي المذكور.

فما الغاية والأهداف من وراء مقترح كهذا، وتحديدًا في هذه المرحلة بالذات؟ وهل بالإمكان أن يصبح له ساقان، يمشي بواسطتهما، في ظل تعطّل تنفيذ القرار “2254”؟

القرار “2254” الذي أقرته الأمم المتحدة، في 18 من كانون الأول 2015، هو قرار صدر بالإجماع، ووقّعت عليه روسيا، وبالتالي ينبغي تنفيذه، لأنه قرار قادر على إنهاء الكارثة السورية، التي تسبّب بها النظام، نتيجة رفضه تقديم إصلاحات سياسية في المرحلة الأولى من الثورة السورية.

إن اقتراح تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يعني الاستمرار بمنح العسكر دورًا في حكم سوريا، ويعني أيضًا مسح ذاكرتنا السورية مما تركه حكم العسكر من مساوئ على الأصعدة كافة، وإن بصورة انتقالية، وهذا احتقار حقيقي لتضحيات الشعب السوري الكبرى، لأنه يتجاهل مطالبه بدولة مدنية ديمقراطية تعددية، في وقت ينص القرار الدولي على هذا الحق، من خلال تشكيل هيئة حاكمة انتقالية من كل الأطراف، وخارج مشاركة أي جهة تلوثت يداها بالدم السوري، وأولاها حلقة الحكم الحالية.

هناك من يريد أن يتغافل عن تنفيذ القرار “2254”، وذلك بأن يستبدل به فكرة تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يقود البلاد وفق دستور بشار الأسد لعام 2012، وتنتقل إليه صلاحيات الرئاسة والحكومة، وهو بذلك يدعو، دون أن يعلن، إلى نسيان دور “هيئة التفاوض السورية” واللجنة الدستورية، وعمل الأخيرة بما يخصّ وضع مسوّدة دستور جديد للبلاد، يتم التوافق عليها بوساطة الأمم المتحدة.

إن الدعوة إلى تشكيل المجلس العسكري من ثلاثة أطراف هي: متقاعدون خدموا في حقبة حافظ الأسد، وضباط ما زالوا في الخدمة، وضباط منشقون لم يتورطوا في الصراع السوري، هي دعوة تريد إضفاء صفة الشرعية على قوات جيش النظام، في حين يتحمل هذا الجيش بصورته الحالية والمقترحة مسؤولية ما لحق بالبلاد والعباد من جرائم مختلفة.

إن المقترح المذكور ينسف جوهر القرارات الدولية، بما فيها محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، ويريد أن يقول، إن الأمم المتحدة عاجزة عن تنفيذ قراراتها الخاصة بالصراع السوري. والأغرب من ذلك، أنه يطالب بإخراج القوى الأجنبية كافة من البلاد، ويستثنى من ذلك القوات الروسية، التي يعتقد أصحاب المقترح أنها تعمل على مساعدة المجلس العسكري و”الحكومة المؤقتة”، في تأمين الاستقرار وتنفيذ القرار “2254”، وتشكيل “هيئة مصالحة”، وهذا يعتبر إغفالًا متعمدًا للدور الروسي في ارتكاب جرائم بحق المدنيين السوريين، من خلال قتلهم عبر القصف بالطائرات، أو بالصواريخ العابرة، وعبر تهجيرهم بالقوّة عن قراهم وبلداتهم ومدنهم.

لكن هناك الأهم من كل ذلك، إذ إن فكرة تشكيل مجلس عسكري انتقالي تحتاج إلى توافقات دولية بين الروس والغرب، وهذه التوافقات لا تزال بعيدة، فالولايات المتحدة الأمريكية، ومعها دول الغرب الأوروبي، تصرّ على أن قاعدة الحل في سوريا هي تنفيذ مضمون القرار الدولي “2254”، وأن تشكيل هذا المجلس لا يقع ضمن حيّز مضمونه.

إن هذا المقترح، هو مقترح يمرّر المشروع الروسي، الذي بدأ بـ”أستانة” ثم “سوتشي”، كي يلتف على القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري (بيان جنيف 1 لعام 2012، والقرار 2118 لعام 2013، والقرار 2254 لعام 2015).

ولكن هناك أسئلة لم يجب عنها المقترح، مثل: هل يقبل نظام بشار الأسد بتشكيل مجلس عسكري لا يكون على رأسه؟ وهو يعرف أن تشكيل مجلس كهذا سيطيح بحكمه؟ وكيف يمكن أن نقرأ إصرار النظام على تنفيذ انتخاباته المزوّرة، التي لا تزال موسكو تؤيدها؟ أليس طرح مقترحات كهذه يراد منه شقّ صف المعارضة تحت مضمون سياسي يقول: إن روسيا هي من تملك أوراق الحلّ والربط في الصراع السوري؟

إن الدعوة إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي في هذه المرحلة، هي دعوة الغاية منها صرف النظر عن إفشال الروس والنظام وإيران مفاوضات اللجنة الدستورية، بغية كسب الوقت لتمرير انتخابات مزوّرة، تفرض من جديد استمرار حكم بشار الأسد.

هذه الدعوة لا قيمة لها أمام إصرار المجتمع الدولي على تحميل نظام الأسد مسؤولية إفشال مفاوضات “جنيف”، إذ صدر بيان غربي يحمل تواقيع خمس دول غربية، من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وكذلك هناك مواقف واضحة للولايات المتحدة من موضوع انتخابات الرئاسة، التي ينوي نظام الأسد إجراءها، إذ يعتبر الأمريكيون هذه الانتخابات مسرحية هزلية.

بقي أن نقول، إن الحل السياسي للصراع في سوريا لن يستقيم دون إقرار حقوق الشعب السوري، التي خرج بتظاهراته السلمية من أجلها، وتحديدًا حقه بحكم نفسه بنفسه عبر صناديق اقتراع، في انتخابات نزيهة، وبإشراف دولي تام، من أجل أن يستبدل بنية نظام حكم مدني ديمقراطي تعددي ببنية نظام الحكم الحالي الاستبدادية.

استحقاقات القرار “2254” اليوم، ستكون غيرها بعد اليوم، فهل سيلتقط النظام إشارة الموقف الأمريكي الجديد، أم أنه سيصرّ على المضي نحو الهاوية؟ سؤال تجيب عنه الأيام القريبة المقبلة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة