مسلسل سوري كاتبه معارض.. تلك هي المشكلة

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

كان المسلسل السوري- اللبناني “دقيقة صمت” سيمر بشكل طبيعي، ويوصَف بالجرأة، وتسليط الضوء على الفساد المستشري منذ عقود في البلاد، مثل عشرات المسلسلات التي سبقته، والتي تناولت القضية بمستويات مختلفة من الجرأة، لولا أن كاتبه معارض، يكتب ويصرّح علنًا بأنه ضد النظام السوري. هذه بالضبط هي مشكلة مسلسل دقيقة صمت بالنسبة لممثليه ومنتجيه وربما للشريحة الأكبر من جمهوره.
لم يقدم المسلسل استثناءً كبيرًا على صعيد القضية التي يناقشها، ولا هو من الفرادة بمكان ليكون هناك صراع حوله، وانقسامات تتمثل قبل كل شيء في الخلافات التي توضحت ضمن كادره، وتبرُّؤ هذا من تصريحات ذاك، وارتباك في دوائر الرقابة في وزارة الإعلام السورية حيال إعطائه الموافقة للتصوير في سوريا، وحول عدم حصولها على مجمل الحلقات قبل منح التراخيص اللازمة، ومن ثم اتهامها منتجيه بتجاوز القانون. لا فرادة في المسلسل توحي بأنه من المنطقي أن تسري خلفه كل هذه الإشكاليات، لكن ببساطة كاتبه لديه صوت مختلف عن بقية القائمين عليه، يخرج علنًا ليعلن أنه معارض للنظام السوري، وأن مسلسله يناقش قضية تسببت في إحراق البلاد. هذا كلام بالتأكيد لن يتماشى مع منتجين لهم باع في صناعة الدراما السورية، وممثلين ينتمون إلى الجمهور المؤيد للنظام بغالبيتهم.

ضابط شرطة فاسد، مؤسسات أمنية متورطة في الجرائم قبل تورط المجرمين فيها، ظلم، فوضى، انحلال أخلاقي، جملة ميزات يمكن وسم كل مراكز السلطة السورية بها، يقوم المسلسل بتتبع بعضها وتقديمها بطريقة اتبعت سابقًا في عدد كبير من الأعمال السورية، وبجرأة أكبر أحيانًا، يتم الاعتماد على هذه الميزات كسمة عامة للعمل، تغطي فيما تغطيه على مكامن ضعف كثيرة في الأداء وصناعة الصورة والحوارات، وهو ما اعتادته الكثير من المسلسلات التي تجعل الجرأة ثيمة لها، في ظل وسط رقابي دموي. هو الفساد مجددًا شماعة نجاح الكثير من الأعمال، الأعمال التي لم تنتج يومًا إلا في دوائر رسمية مخابراتية تحدد مقاييس الجرأة، وتتدخل في صلب الأعمال، وتعطي الموافقة على ما ترتئيه، وتترك للجهات المنتجة والفنانين مساحة للتغني بجرأتهم.

لو أن المقاييس اختلفت بالفعل، لكان لهذه الجرأة أن تنتقل إلى مراحل أكثر تقدمًا، أن تتخلى عن رتبة عميد شرطة وتنتقل للأعلى، إلى سوية أعلى من المسؤولين، أن تسمي جهات بعينها، أن تدخل في صلب مؤسسة الجيش التي تطحن البلاد شرقًا وغربًا، أن تدخل غرف التعذيب المظلمة. لكن شيئًا لم يتغير، المتغير الوحيد أن كاتبًا يعلن مواقفه المعارضة، قدم عملًا أشرفت عليه جهات منتجة معروفة، وقام بأداء أدوار البطولة فيه ممثلون ذوو باع في تجميل صورة النظام السوري والدفاع عنه، فبدأ الجميع بمحاولة التنصل من الكاتب، بدافع خوف على أعمالهم اللاحقة وتاريخهم الإنتاجي داخل سوريا، وخوف الممثلين ربما من أن يوضعوا في بوتقة كاتب وصل حد الهجوم عليه إلى الاتهام بالعمالة (التهمة الجاهزة المعتادة).
لا جديد يرتجى من “دقيقة صمت”، هي الوجوه ذاتها، والطرح ذاته. مسلسل دارت كاميراته داخل سوريا بموافقة سلطاتها المخابراتية، كل شيء كان يسير في سياقه الطبيعي الذي أنتجت فيه أعمال كثيرة، للكاتب نفسه، وللمخرج نفسه، لكن سامر رضوان (الكاتب) أعلن ما كان أعلنه سابقًا بشكل غير مباشر أو واضح كما هو عليه اليوم، أنه يقف ضد النظام السوري كليًا، إعلان قال إنه اجتزئ من مقابلة طويلة معه، وكرره حتى في انتقاده لاجتزاء المقابلة، وهو ما قد يبدو طعنة في ظهر منتجي العمل، ورقابته متعددة المكاتب، خاصة في وقت يتم تداول المسلسل فيه على أنه فريد في جرأته، وأنه مثار للأخذ والرد بين داعمي النظام ومعارضيه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة