tag icon ع ع ع

وقفت روسيا مع النظام السوري في قمعه للاحتجاجات الشعبية منذ بدئها عام 2011، مستخدمة نفوذها السياسي لتمنع التحرك الدولي ضده، وقدراتها العسكرية لمنحه حياة جديدة بعد تراجعه أمام الفصائل المسلحة عام 2015، إلا أن تحليلات ومؤشرات جديدة شككت بالتمسك الروسي برئيس النظام، بشار الأسد.

قدمت روسيا السلاح والجند، وتحملت النقد الدولي لإسهامها بقصف المدنيين السوريين وتهجيرهم، ومع بدء العملية السياسية الجديدة، المتمثلة باللجنة الدستورية، وتأكيد الضامن الروسي على دعمها، عاد الحديث عن مستقبل الأسد للطرح واحتمالات التخلي عنه في سبيل إنهاء النزاع.

لكن هل ترغب روسيا بإنهاء النزاع الذي أعادها لصدارة الساحة الدولية حقًا؟ وهل تمسك بمصير الأسد وحدها؟

أجرى برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، استطلاعًا لآراء الشارع السوري، والتقى بمحللين وباحثين سياسيين للبحث في الموضوع.

البوصلة الروسية تقود إلى المصلحة “الشرعية”

انطلق تمسك الروس برئيس النظام السوري، بشار الأسد، من الالتزام بـ”الشرعية”، الرافضة للثورة المسلحة على رئيس “منتخب”، والتي لا تقبل إبعاده إلا عن طريق صناديق الاقتراع، حسبما قال الدكتور الإعلامي والباحث السياسي نصر اليوسف.

وأعلنت روسيا مرارًا عدم تمسكها بشخص الأسد بل بـ”الشرعية الدستورية والقانون الدولي”، وتوقع اليوسف، بحديثه لـ”صدى الشارع”، أن التخلي عنه أمر متوقع “عند تهيئة الظروف الدولية اللازمة لإقناع روسيا بثبات المكتسبات التي مهدوا لها منذ عام 2011″.

تستخدم روسيا الأسد كـ”شماعة وستار” لإخفاء مصالحها الحقيقية، التي تتجاوز الحدود السورية إلى الساحة الدولية الأعم، وكان إصرارها على رفض الطائفية في سوريا منذ “جنيف 2012″، عند احتجاجها على تنحية الأسد، ما هو إلا “كلمة حق أريد بها باطل”، حسبما يرى اليوسف مشيرًا إلى أن الشعب السوري لم يطلب رحيل الأسد كونه من الطائفة العلوية، وإلى وجود عشرات الموالين لروسيا من الطائفة العلوية الذين بإمكانها استبدالهم به، مثل سهيل الحسن وآل مخلوف.

لم تنضج الظروف الدولية بعد لإنهاء النزاع السوري، حسبما قال الباحث السياسي، لوجود قضايا خلافية “أهم” بالنسبة لروسيا، تستخدم لأجلها القضية السورية للمفاوضة مع الأطراف الغربية لتضمن تحقيق مصالحها.

أوكرانيا مفتاح سوريا

تتحكم روسيا بالملف السوري، مع اقتصار الاهتمام الأمريكي على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومع امتلاكها لعدد من القضايا العالقة مع الغرب، منذ تدخلها في أوكرانيا ومالدوفا وجورجيا والقرم وأبخازيا، تبقى مسألة إنهاء النزاع السوري رهنًا بالتوازنات السياسية، وإن وجدت حلًا يرضيها فستحل الأمور بسوريا “بكل بساطة”، حسب رأي الإعلامي والباحث السياسي نصر اليوسف، الذي قال إن المسألة السورية “ليست بالحسبان لحد ذاتها” بالنسبة للروس.

وأشار اليوسف إلى أن بدء عمل اللجنة الدستورية لم يتحقق قبل رضا روسيا عن نتائج الانتخابات الأوكرانية الأخيرة، وإن لم يتحقق لها ما تريد من الغرب فستستمر بعرقلة العملية السياسية.

وأضاف اليوسف أن سوريا لا تمثل حافزًا اقتصاديًا مهمًا لروسيا، إذ إن الشواطئ الدافئة على المتوسط مفتوحة للاستثمار الروسي في مصر وليبيا ولا تقف عند اللاذقية وطرطوس التي باتت اليوم في القبضة الروسية، ويمنع حتى على خفر السواحل والجمارك السورية تفتيش أي شيء قادم إلى القواعد الروسية.

وما تريده روسيا هو ضمان بقاء ما حققته من مكاسب في سوريا من عقود واستثمارات سالمًا دون إعادة فتحه، بعد أن خسرت “الكثير” من سمعتها في أعين القوى الديمقراطية المحبة فعلًا للسلام، وفي حال أمنت مصالحها فسيتحرك ملف اللجنة الدستورية وستمهد الظروف “الشرعية” لإبعاد الأسد، الذي قد لا يترشح نهائيًا في الانتخابات المقبلة.

حل عالق بين الرغبة والمصالح

تتوفر الرغبة الدولية لتحقيق الاستقرار في سوريا، حسب رأي الباحثة والأكاديمية عضو اللجنة الدستورية الموسعة، سميرة مبيض، مع أثرها على السياسة الإقليمية والعالمية، إلا أن ذلك مرتبط مع تحقيق أكبر قدر من المصالح لكل الأطراف المتدخلة بالشأن السوري.

وحذرت مبيض، في حديثها لبرنامج “صدى الشارع”، من أن الاستقرار في حال لم يمرر من مصالح السوريين لن يكون حقيقيًا وسيكون مرحلة مؤقتة تنتهي بانفجار جديد للصراع في سوريا.

ومع امتلاك روسيا، التي تعتبر الضامن الأساسي للأسد، علاقات اقتصادية واستراتيجية مع المنطقة العربية نشأت ما بعد تدخلها في سوريا عام 2015، لم يعد اعتمادها على وجود النظام السوري كموقع للتعاون مع العالم العربي كما كان، إلا أنه بقي مرتبطًا بالملفات الدولية والعلاقات مع الغرب.

وتسعى روسيا ألا تصنف كعدو للغرب لكن كشريكة بصفه لمحاربة “الإرهاب”، الذي تبينت إسهام النظام السوري في خلقه بالقمع والظلم والتجهيل وتجميد المجتمع والسماح بـ”هيمنة” المؤسسات الدينية مع إفسادها، وتعامله المباشر مع تنظيمات مصنفة “إرهابية” مثل “النصرة”، ما وضعه في موضع شك جديد لأهليته بتحقيق الاستقرار في المنطقة، حسبما قالت مبيض.

وأضافت أنه وعلى الرغم من ارتباط إيران بالنظام السوري، ارتباطًا عضويًا وأيديولوجيًا، يمنع ابتعادها عنه، إلا أن بوادر التقاء المصالح الروسية والتركية والأمريكية مع بدء العملية السياسية، التي قد تفضي لإجراء انتخابات، ترتبط سلامتها بابتعادها عن هيمنة النظام السوري وتوصل السوريين لرؤية موحدة، ستقود لإقامة مستقبل “أفضل”، لا تسلّم فيه صلاحيات الحكم في سوريا لشخص بذاته.

مقالات متعلقة