في البر والبحر والجو

ممرات حيوية يحاول النظام السوري فتحها

camera iconسفينة سوريا في أثناء عبورها من مضيق البوسفور – 3 من آب 2018 (مرصد البوسفور)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- ضياء عودة

يتصدر مصطلح “الحل السياسي” الحديث عن سوريا بعد سبع سنوات من الثورة ثم النزاع بين النظام والمعارضة. حل تحاول الدول الإقليمية الفاعلة التوصل إليه مع قرب الانتهاء من الأعمال العسكرية على الأرض، لكن على الجانب الآخر “المخفي” هناك “حل اقتصادي” يسير فيه النظام السوري مع حلفائه الدوليين بشكل سريع وبخطى “ثابتة”، فالوصول لأي تطور في مضمار السياسة يجب أن يقابله “انتعاش اقتصادي” لما هدم وتمت خسارته.

يعتبر ملف إعادة الإعمار الذي يدور الحديث عنه حاليًا النقطة الأساسية التي يتصورها السوريون كحل اقتصادي للبلاد، وهي كذلك لكنها تقوم على عدة أساسيات وخطوات من بينها إعادة العلاقات ولو بصورة جزيئة مع دول الجوار، من خلال الممرات الاقتصادية التي تربطها معهم.

وعلى مدار الشهريين الماضيين، اتجه النظام السوري بدعم روسي لإعادة تأهيل الطرق الحيوية الدولية في سوريا، إلى جانب سعيه لإعادة تفعيل معابره الحدودية، ومن بينها نصيب على الحدود الأردنية الذي سيطر عليه من يد فصائل المعارضة، وبموازاة ذلك أعلن عن عدة إجراءات تندرج في إطار ذلك بينها فتح خطوط جوية مع بلدان أخرى، والتجهيز لتفعيل خطوط بحرية.

ويقول المحلل الاقتصادي مناف قومان لعنب بلدي إن الواقع الحالي يشير إلى أن النظام “مخنوق” بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه، وبسبب عدم توقيع اتفاق نهائي يؤدي إلى إعادة تأهيله حتى الآن على الأقل.

ومع استعادة النظام لمساحات جغرافية واسعة، يرى قومان أن النظام يحاول استباق التوصل إلى ذلك الاتفاق عبر مغازلة الدول من البوابة الاقتصادية، خاصة الدول التي تضررت اقتصاديًا بسبب الحرب في سوريا كما تضرر النظام، سواء من خلال البحر أو البر أو الجو.

“جس نبض” عبر البحر

في 3 من آب الحالي، مرت باخرة تجارية سورية عبر مضيق البوسفور التركي محملة من ميناء تركي، لأول مرة منذ سنوات، بعد انقطاع العلاقات السياسية السورية- التركية بشكل كامل، بسبب وقوف الأخيرة إلى جانب المعارضة السورية، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لها.

تحمل الباخرة اسم “سوريا”، وقال “مرصد البوسفور” الرسمي إنها كانت تحمل حمولة من ميناء تركي إلى ميناء أجنبي، لأول مرة منذ وقت طويل، وأضاف أنها توقفت في ميناء هيريكه في خليج إزميت، وتوجهت فيما بعد إلى ميناء القوقاز على البحر الأسود.

مرور الباخرة فتح باب التساؤلات عن أهمية هذا التطور وتداعياته في الأيام المقبلة بين الموانئ السورية والتركية، ورغم غياب التصريحات الرسمية من الجانبين، حظي خبر مرور الباخرة بمساحة واسعة في الصحف التركية، والتي تناولت الأمر كتطور غير مسبوق منذ بدء الحرب السورية.

لم يمض يومان على مرور “سوريا” حتى تحدثت جريدة “الأخبار” اللبنانية في تقرير لها عن عودة الحياة إلى خط النقل التجاري البحري بين سوريا وتركيا.

وقالت الصحيفة إن شركة “نبتنوس للملاحة البحريّة” تستعد لتدشين “خط حاويات بحري جديد”، وأُطلق عليه اسم “لاميرا لاين”، ومن المقرّر أن يَنشط بين اللاذقية ومرسين (في الاتجاهين)، إضافة إلى نشاطٍ بين اللاذقية وكلّ من طرابلس، والإسكندرية، وبنغازي.

تأسست شركة نبتنوس في عام 2006، ومقرها اللاذقية.

وتعمل في مجال النقل التجاري البحري بين الموانئ.

وتختلف محاولات النظام في “المغازلة الاقتصادية” بحسب الباب الاقتصادي الذي يطرقه، ومدى تدهور العلاقة مع الدولة المقابلة، ويرى قومان أنها لا تزال تندرج تحت إطار الاختبار و”جس النبض”، ومن جهة أخرى رسالة من النظام لتلك الدول أنه يرغب بعودة العلاقات كما كانت.

وبينما لم يتم الإعلان بشكل رسمي من قبل الدول المقاطعة للنظام عن تطبيع العلاقات معه، يعتبر المحلل في حديثه لعنب بلدي أن هذه الخطوات لا تزال أولية وقد تنتكس في أي لحظة، بمعنى أن تركيا ومع قبولها بتمرير “سفينة سورية” عبر البوسفور قد تمنع مرورها في لحظة ما وتحجب عن النظام الممرات البحرية والجوية والبرية، لأغراض أو تنازلات تسعى لها.

وربما يمكن قراءة السماح للسفينة بالمرور، ولغيرها في دول أخرى، من بوابة حفظ خط الرجعة فيما لو تم تأهيل النظام، ولم يبق للدول المقاطعة أمامها سوى التعامل معه، وبحسب قومان قد تكون مبادرة أولية من قبل الطرفين، لكن مع عدم ثبات شيء حتى الاتفاق السياسي النهائي، الذي سيضع النقاط على الحروف ويبين مستقبل النظام السوري.

فتح المعابر البرية خطوة أولى

برؤية مختلفة يعتبر الباحث في “المنتدى الاقتصادي السوري”، ملهم جزماتي، أن مرور الباخرة السورية من مضيق البوسفور لا يوجد له أي تبعات، خاصةً مع غياب التصريحات التركية والسورية الرسمية.

ويقول جزماتي لعنب بلدي إن مضيق البوسفور دولي ولا يمكن لأي جهة منع البواخر التجارية من المرور عبره، مشيرًا إلى أن أغلبية البواخر في سوريا تتبع للقطاع الخاص، والتي من الممكن أن تكون غير مشمولة في قائمة العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري.

خريطة توضح الطرق البرية الرئيسية في سوريا بالإضافة إلى المعابر الحدوية (تعديل عنب بلدي)

وتندرج الباخرة “سوريا” ضمن ملاك المؤسسة العامة السورية للنقل البحري في وزارة النقل التابعة للنظام السوري، والتي يتبع لها ثلاث سفن هي (سوريا، لاوديسا، فينيقيا)، وخط سيرها ضمن البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.

ويرى الباحث جزماتي أن فتح المعابر البرية يأتي كخطوة أولى لدى النظام السوري مع الدول المجاورة له، والتي يريد إعادة العلاقات معها كما كانت سابقًا، كمعبر نصيب الحدودي الذي يدور الحديث عنه حاليًا مع الأردن.

ويوضح أنه حتى اليوم لا يوجد أي اتصال مباشر بين تركيا والنظام، ويتمحور الأمر عن طريق الوسيط الروسي، والذي يهيمن بشكل كامل على السواحل السورية والموانئ فيها، كميناء مدينة طرطوس.

خط روسي.. تركيا الممر

بالرجوع إلى مقابلة سابقة مع وكالة “سبوتنيك”، في تموز 2017، قال وزير النقل في حكومة النظام السوري، علي حمود، إن قيمة الأضرار في النقل البحري بلغت 485 مليون دولار مع انخفاض إيراداته خلال سنوات الحرب من 71.6 مليون دولار إلى 14 مليون دولار، وتراجع عدد السفن التي تستقبلها المرافئ السورية من 4614 سفينة سنويًا قبل الحرب إلى 1554 سفينة خلال سنوات الحرب، كما تراجعت كمية البضائع المنقولة من 24 مليون طن إلى تسعة ملايين طن، مع العلم أن معظم حركة البضائع هي لاستيراد القمح والنفط.

لكن حمود أشار إلى عدة مشاريع يجهز لها لإعادة تفعيل النقل البحري، بينها إعداد دراسة لإنشاء مرفأ بمواصفات عالمية في ريف محافظة اللاذقية يتضمن محطة حاويات بطاقة استيعابية لا تقل عن 2.5 مليون حاوية سنويًا، بالإضافة إلى استقبال السفن على أرصفة لا يقل عمقها عن 17 مترًا.

وكان التطور الأبرز الذي شهده القطاع البحري للنظام بعد بدء الحرب، في شباط عام 2016، بإطلاق الخط البحري المنتظم بين مرفأ اللاذقية وميناء نوفوروسيسك الروسي بالتعاون مع شركة (سيما سي جي إم) الروسية، على أن تبدأ عبره ثلاث بواخر بالتحرك تباعًا، من مرفأ اللاذقية السوري إلى مرسين التركي ثم أوديسا الأوكراني، وصولاً إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي.

ويختلف سير الخط البحري الروسي عن الذي ذكرته صحيفة “الأخبار”، والذي لم يفتح حتى اليوم، ويجهز له بين مرسين واللاذقية فقط في الأيام المقبلة.

تسارع لتفعيل ممرات البر

بموازاة الخطوات في القطاع البحري، والذي يعد قطاعًا أساسيًا للمساعدة في عملية إعادة الإعمار المستقبلية، من جانب الدول التي ستشارك في ذلك، سواء “الحليفة” أو التي ستدخل على الخط مستقبلًا، يعمل النظام على إعادة تفعيل بواباته الحيوية في البر والجو.

على الأرض يعتبر معبر نصيب الحدث الأبرز الذي يدور الحديث عنه من جانب النظام السوري والأردن، ورغم غياب أي خطة لفتحه في الوقت الحالي، تؤكد جميع المعطيات من الجانبين على ضرورة تشغيله لتحقيق المنفعة المتبادلة منه.

ولـ”نصيب” أهمية سياسية بالنسبة للنظام، إذ تمهد السيطرة عليه لعودة العلاقات مع الأردن وتخفيف الحصار المفروض على النظام، وقدرت قيمة الصادرات السورية عبره خلال عام 2010 بأكثر من 35 مليار ليرة سورية، فيما بلغت قيمة المستوردات نحو 47 مليار ليرة سورية.

ووصل حجم الصادرات خلال عام 2014 وحتى تاريخ إغلاق المعبر في نهاية شهر آذار عام 2015، إلى أكثر من 27 مليار ليرة سورية، وبلغت قيمة المستوردات 78 مليار ليرة، بحسب ما نشرت صحيفة “تشرين” الحكومية مطلع تموز الماضي.

وسبق الحديث عن معبر نصيب خطوات بدأها النظام بتوجيهات روسية لفتح الطرق الدولية داخل سوريا وإعادة تأهيلها، أبرزها الطريق الدولي حمص- دمشق، وطريق دمشق- درعا، ورافق الأمر معلومات نشرتها عنب بلدي، مطلع العام الحالي، تم الإشارة فيها إلى نية روسيا وتركيا فتح طريق دمشق- غازي عنتاب المار من مناطق سيطرة فصائل المعارضة من إدلب، على أن تدير تركيا الجزء المار من مناطق المعارضة، وروسيا الجزء المار من مناطق النظام.

تتوجه أنظار النظام السوري إلى معبر البوكمال أيضًا، وكان السفير العراقي لدى سوريا، سعد محمد رضا، قال في تموز الماضي، إن الطرفين (سوريا والعراق) يبحثان حاليًا آليات فتح المعابر الحدودية لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وأضاف “نحن بصدد فتح هذه المعابر، خاصة معبر البوكمال- القائم”.

ويقدر حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق، قبل عام 2011، بنحو أربعة مليارات دولار، وذلك عبر المعابر الحدودية، وكان النظام السوري أعلن أنه ينتظر الجانب العراقي لإعادة تفعيل معبر البوكمال الحدودي بين البلدين، بحسب ما قاله مدير إدارة الهجرة والجوازات في حكومة النظام، ناجي النمير، في شباط الماضي.

خريطة توضح الطريق البحري بين سوريا وروسيا (تعديل عنب بلدي)

 

خطوط جوية جديدة

ضمن الإجراءات التي يسير فيها النظام لتفعيل ممراته الحيوية، بموجب “الحل الاقتصادي” الذي يعمل عليه حلفاؤه، لا يمكن تجاهل التطورات التي شهدها القطاع الجوي أيضًا.

وكانت شركة “أجنحة الشام” للطيران (الخاصة) بدأت بتسيير رحلاتها من مطار دمشق إلى العاصمة الأردنية عمان، ابتداءً من 29 تموز الماضي، كما سيّرت “الشركة السورية للطيران” رحلات بين العاصمتين السورية والأردنية.

وتعتبر “أجنحة الشام” أول شركة طيران خاصة في سوريا، وتملكها مجموعة شموط التجارية، وبدأت الحكومة ووسائل الإعلام الرسمية تتعامل معها كناقل وطني بدل شركة “السورية للطيران”.

تأسست الشركة عام 2008 وانطلقت أولى رحلاتها من مطار دمشق الدولي إلى مطار بغداد في تشرين الثاني عام 2007، ثم توسعت لتشمل عدة مدن عربية وعالمية، واضطرت الشركة للتوقف عن العمل مع بدايات عام 2012 بسبب العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، لتعاود إطلاق رحلاتها في أيلول 2014.

لم يقتصر تسيير رحلات “أجنحة الشام” على الدول المذكورة سابقًا، بل توسع منذ مطلع العام الحالي ووصلت رحلاتها إلى قطر والسودان والإمارات وروسيا والعراق ومصر وإيران.

 

خريطة توضح خطوط الطيران في سوريا (تعديل عنب بلدي)




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة