وباء فيروس “كورونا المستجد” والصحة النفسية

كورونا المستجد
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

مع الانتشار الواسع لوباء فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في جميع أنحاء العالم، فُرض الحجر المنزلي في معظم الدول لفترة غير محددة قد تستمر لأسابيع، وأصبح الجميع في حالة من الترقب لم يسبق لها مثيل.

وانعكست آثار هذا الوباء سلبًا على جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فأُغلقت دور العبادة والمدارس والجامعات، والمطاعم والملاعب والصالات، وأُلغيت الاحتفالات والمؤتمرات والأنشطة الفيزيائية المختلفة، وتوقفت حركة الطيران والسفر، واقتربت بورصات العالم من أدنى مستوياتها، ودخل الاقتصاد العالمي مرحلة انكماش، ولا يعرف أحد الدرك الذي ستصل إليه الأوضاع، إذ ما زالت أعداد المصابين تتزايد في كل دول العالم.

مع اقتران ذلك بعدم المعرفة الدقيقة لحركة الفيروس وطبيعته، وعدم اكتشاف لقاح ناجع يقي من الإصابة به، وأصبح العالم كله يتحدث عن فيروس “كورونا”، سواء شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، أو الأهل والجيران والأصدقاء والزملاء.

قد تؤدي حالة الذعر هذه، بالإضافة لبعض السلوكيات والتصرفات الخاطئة من قبل كثيرين في التعامل مع هذه الظروف الاستثنائية، إلى آثار نفسية بالغة الصعوبة، على الكبار والصغار.

وبالتأكيد فإن هناك ثمة علاقة وطيدة بين الحالة النفسية وصحة الجسم، فإذا سيطر على الإنسان الجزع والخوف والتوتر الزائد جراء الإصابة بمرض، ما فإن مناعة الجسم تضعف وقد تتفاقم الحالة المرضية، بالمقابل فإن الطاقة الإيجابية والحالة النفسية للمريض تلعب دورًا فاعلًا في التصدي للمرض، وقد تسهم في التخلص منه أو تكون أحد أهم العلاجات الفعالة في التغلب عليه، ومن هنا وجدنا أنه لا بد من التعريف بمبادئ الوقاية النفسية انطلاقًا من مفهوم الإسعافات النفسية الأولية وسبل تعزيز المناعة النفسية.

ما مبادئ الوقاية النفسية

تتضمن إجراءات الوقاية النفسية انطلاقًا من مفهوم الإسعافات النفسية الأولية المبادئ التالية:

  • القراءة عن الأمراض ومسبباتها وطرق الوقاية منها، وبخاصة فيما يتعلق بفيروس “كورونا” في أيامنا هذه.
  • التعرف إلى الخدمات وأنواع الدعم المتوفرة.
  • متابعة المعلومات الطبية من مصادر موثوقة، واتباع الإرشادات الصادرة عن الجهات المعنية الرسمية.
  • الانتباه للمحيطين ممن تصدر عنهم ردود فعل غير اعتيادية بسبب الضيق والتوتر، خاصة الأطفال، والعمل على تقديم الدعم النفسي الاجتماعي لهم.
  • إبعاد الأطفال عن الأخبار الصادمة والمعلومات الكثيرة المغلوطة المنتشرة في التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي، وطمأنتهم بأن أهاليهم قد اتخذوا التدابير اللازمة وأنهم يقومون بحمايتهم، لكي يشعروا بالأمان.
  • الاتصال بمقدمي الدعم النفسي الاجتماعي في حال الشعور بالقلق والتوتر.
  • الإصغاء إلى التعليمات والنصائح والإرشادات النفسية التي تعمل على تحقيق الشعور بالهدوء والطمأنينة.
  • التزود بالمعلومات والأخبار الإيجابية الداعمة للتخفيف من ردود الفعل السلبية.

ما أعراض القلق النفسي بسبب أزمة فيروس “كورونا المستجد”

من الطبيعي أن يمر الإنسان بمجموعة من المشاعر والأعراض النفسية عند التعرض لأي أزمة، وتتفاوت هذه الأعراض من شخص لآخر، وتشمل الأعراض النفسية بسبب وباء “كورونا” ما يلي:

  • الغضب والانفعال.
  • القلق والذعر.
  • الشعور بالضيق الشديد.
  • الأرق وصعوبة النوم.
  • أعراض جسدية: صداع، إرهاق، ارتعاش، آلام معممة.
  • صعوبة في التركيز.
  • حساسية شديدة بشأن صحة البدن.
  • الخوف من السعال أو المرض.
  • استحواذ مشاعر اليأس والإحباط والأفكار السلبية حول المرض والأزمة بشكل عام.
  • الانسحاب الاجتماعي، وعدم التجاوب مع الآخرين، وقلة التكلم معهم.

كيف يجب التعامل مع أعراض القلق النفسي الناتجة عن أزمة “كورونا المستجد”

عند ظهور أعراض القلق النفسي يجب الأخذ بالإرشادات التالية لتعزيز المناعة النفسية:

  • تجنب قضاء وقت طويل في متابعة الأخبار المتعلقة بالفيروس، لما يتركه ذلك من مشاعر سلبية.
  • عدم الأخذ بالشائعات وتناقل الأخبار فيما يتعلق بالفيروس.
  • التحدث مع  أفراد الأسرة، ومع الأصدقاء عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، بمواضيع إيجابية وخارج نطاق أزمة فيروس “كورونا”.
  • وضع جدول زمني محدد، يتضمن كل ما يجب القيام به خلال اليوم، مع تحديد ساعات دعم للأطفال في تلقي دروسهم وإنجاز تمارينهم.
  • تناول الطعام وشرب الماء بانتظام، والتركيز على تناول الأغذية التي تقوي الجهاز المناعي، كالحمضيات والفواكه والمأكولات البحرية، والابتعاد عن النيكوتين (دخان أو نرجيلة) والكحول.
  • ممارسة بعض التمارين الرياضية داخل المنزل.
  • قراءة الكتب والمجلات والصحف.
  • الاستماع للقرآن الكريم، أو للموسيقى الهادئة، لما يتركه ذلك من أثر إيجابي على الحالة المزاجية.
  • الاسترخاء التنفسي والعضلي، والتفكير بنقاط القوة والنواحي الإيجابية، وخاصة بما يخص موضوع الحجر المنزلي، فهو أمر مؤقت هدفه المحافظة على السلامة الشخصية وسلامة الآخرين، وهو فرصة للراحة والتخلص من ضغوط العمل، وتعزيز الدفء العائلي بمشاركة الأسرة أنشطة ترفيهية، وممارسة الهوايات القديمة كالرسم والكتابة والشعر وما شابه مما يشعرنا بالإنجاز.
  • النوم الكافي ضمن أوقات منتظمة.

في حال استمرار أعراض القلق رغم اتباع إرشادات تعزيز المناعة النفسية، يجب عدم التردد في طلب المساعدة النفسية من ذوي الاختصاص عن طريق الاتصال بمقدمي الدعم النفسي الاجتماعي.

هل تؤثر أزمة وباء فيروس “كورونا المستجد” على نفسية الأطفال أيضًا

يرى بعض الاختصاصيين أن الأطفال هم أكثر الفئات عرضة للتأثر بالخوف من فيروس “كورونا”، إذ يمكن أن يتكون في ذهن الطفل قلق من أنه سيصاب بالمرض هو ومن حوله، ولكن تأثير مثل هذه الأزمات ليس واحدًا على جميع الأطفال؛  بل هناك عوامل عدة توضح إلى أي مدى ستتأثر نفسية الطفل، منها: عمر الطفل، وحالته العاطفية والمزاجية، وردود فعل والديه والمحيطين به.

بالنسبة لتأثير العمر، فإن الأطفال قبل عمر السادسة يتمتعون بخيال واسع جدًا، ويمكن أن يكوّنوا أفكارًا خيالية عن الفيروس، مثل أنه وحش عملاق قبيح الشكل يقتل الإنسان أو يأكله، وبعض لأطفال في هذه السن يمكن أن يفكروا في أنهم هم من تسبب في هذه الكارثة بسبب خطأ ما ارتكبوه.

أما الأطفال في سن المدرسة فيمكن أن تكون لديهم أفكار أكثر واقعية، وهم يتعرضون لكثير من المعلومات من أصدقائهم في المدرسة ومن المحيطين بهم.

وبالنسبة لتأثير الحالة المزاجية، فإن الأطفال أصحاب المزاج القلق الذين يخافون دائمًا من الإصابة بالأمراض، ولا يثقون كثيرًا بالعالم الخارجي، يمكن أن يتأثروا أكثر من غيرهم بأخبار الوباء.

أما بالنسبة لردود فعل الأهل، فإن مشاعر الخوف والذعر لدى الأبوين أو المخالطين للطفل مشاعر معدية، لذلك فإن استخدام لغة الخوف والقلق من الإصابة بالفيروس أمام الطفل تنعكس سلبًا على مشاعره وحالته النفسية.

كيف يجب التعامل مع أعراض القلق من فيروس “كورونا المستجد” عند الأطفال

  • على الوالدين أولًا أن يسيطرا على القلق والهلع لديهما ليكونا مثالًا يحتذى به من قبل أطفالهما.
  • عليهما توفير المعلومات الصحيحة والإيجابية حول استفسارات أطفالهم عن فيروس “كورونا” بلغة تُفهم بسهولة، ومن خلال الرسومات والصور، وبطريقة مرحة، تجنبًا لأي مشاعر قلق، أو استجابات سلبية لديهم، كالكوابيس والتبول اللاإرادي.
  • على الوالدين أن يشرحا لأطفالهما ما الذي يجب عليهم القيام به لحماية أنفسهم من العدوى، مع تجنب التهويل والمبالغة عن خطورة هذا المرض، وعليهما ألا يكثرا الحديث عنه، وأن يحاولا قدر الإمكان مواصلة حياتهم اليومية الطبيعية مع اتخاذ كل التدابير الوقائية اللازمة.
  • يجب وضع مهام للأطفال، عملية وسلوكية وعلمية، لإنجازها في كل يوم.
  • استخدام أسلوب المسابقات والتعزيز لإضفاء جو من المرح في البيت ينعكس على الأطفال.
  • في حالة القلق الشديد، يجب طمأنة الطفل أن الأمور بخير واستخدام مشتتات الانتباه، كبعض التمارين التي تصرف تفكير الطفل عن موضوع فيروس “كورونا”.
  • وإذا لوحظ أن حالة القلق والذعر عند الطفل مستمرة وتعيق حياته اليومية، عندئذ يجب التوجه إلى طبيب نفسي متخصص في الطب النفسي للأطفال.

أخيرًا، ننوه إلى أن الاضطرابات النفسية التي قد تحدث بسبب أزمة وباء “كورونا” قد تكون غير ناتجة عن الخوف من المرض، أو الانغلاق القسري بين جدران المنزل نتيجة للحجر الصحي المفروض، إنما قد تنتج عن الصعوبات المادية الشديدة التي يعاني منها الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم في مثل هذه الظروف.

وهنا يأتي دور السلطات الحكومية في تأمين متطلبات المعيشة للمواطنين، إضافة للتواصل المستمر معهم وإبلاغهم بالمستجدات فيما يخص تطور وباء “كورونا” في بلادهم، وإشعارهم بالامتنان الخالص لأنهم انسجموا مع دعوتها للحجر من أجل الصحة العامة، وهذا يشجع الناس على البقاء في بيوتهم بنوع من الارتياح.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة