وحدة الأراضي السورية.. شعار من لا شعار له

tag icon ع ع ع

محمد عبد الستار إبراهيم

لكل حرب مفرزاتها ونتائجها على المدى القريب أو البعيد، وفي حربنا السورية ذقنا النتائج التي أفرزتها الحرب على المدى القريب والآني، وبدأنا نلامس ونلاحظ ماذا سيكون شكل النتائج على المدى البعيد.

صُدعت رؤوسنا بالشعارات التي يرفعها كل طرف، والجميع يدعي بأن نضاله المزعوم هو حفاظ على وحدة الأراضي السورية، والجميع يدرك أن كل جانب يتبع لجهة دولية ما، ولم نقرأ في كل التجارب التاريخية أن قوى خارجية أرادت الخير لدولة ما تتحكم فيها بأحد أطراف النزاع.

وها هي طبول الحرب تدق لاجتياح شرق الفرات الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا، والتي تعتبرها الدولة التركية الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها إرهابيًا.

وهاهم القادمون من غرب النهر يريدون اجتياحها حفاظًا على وحدة الأراضي السورية، وهم أنفسهم يأتمرون بأوامر تركية، وهم ليسوا إلا وقودًا لحرب تريدها تركيا لأجل مصالحها العُليا، والذين في الشرق يتجهزون لحرب ضروسة سيتعارك فيها أكثر من 80 ألف مقاتل من كِلا الطرفين، وهم مدعومون من الولايات المتحدة الأمريكية ويقولون إن هذا الاجتياح يضر بوحدة الأراضي السورية.

كم يفتك الروح هذا الشعور حين نرى أن أبناء البلد الواحد سيخوضون حربًا لا ناقة لهم فيها، هي أجنداتٌ دولية تحاك لسوريا وشعبها وكافة مكوناتها. الطرفان الدوليان الأمريكان والأتراك أيضًا باتوا يرفعون شعار وحدة الأراضي السورية، وهم أنفسهم يرمون أبناء سوريا وقودًا في هذه الحرب، ويستغلون خلافاتهم لتمرير سياسات وأجندات تخدم مصالحهم.

وأما على المستوى الشعبي، فكل طرف متأثر بفكرٍ ما، وهذا الأمر بات طبيعيًا في بلد فتكت الحرب كل ما فيها منذ سبع سنوات، ومن الطبيعي جدًا أن البنية الاجتماعية السورية انهارت، فأغلب المناصرين للحملة على شرق الفرات على المستوى الشعبي لا يريدون وجود قوات كـ”قسد” لها أجندات انفصالية بحسب آرائهم، ويؤيدون التدخل التركي والحملة التي يشرفون عليها.

وهنا أضع تساؤلي، لماذا لا أكون مع وحدة الأراضي السورية في الوقت الذي أعتبر التدخل التركي احتلالًا لأرض سورية، لماذا أنا كسوري لا أتحرر من هذه الأجندات ويكون لي مشروعي الوطني من غير أن أكون ورقة بيد دولة أخرى.

أما على مستوى التمثيل السياسي، فكل من ادعى تمثيل الثورة فشل فشلًا ذريعًا وبات جميع الأطراف يتجاهرون بتبعيتهم للخارج، بعكس زمن مضى كانت التبعية خيانة عظمى، لكن اليوم في زمن بات هدر الدم فيه أمر عاديًا، ستصبح التبعية أمرًا عاديًا سيجاهر بها صاحبها.

فإن بدأت المعركة وتم اجتياح شرق الفرات المتنوع بمكوناته الاجتماعية مذهبيًا وعرقيًا ودينيًا، ستكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وستصبح وحدة الأراضي السورية شعارًا حقيقيًا، فالوحدة لا تكون بقطعة أرض، إنما وحدة الوطن تكمن في وحدة شعبها، وهذا الاجتياح لن يجلب لسوريا سوى التفتت الاجتماعي، وحقد سيزرع إلى أمد بعيد، إلى درجة لن يعد يثق فيه السوري بأخيه، وإن كان هذا الأمر نلاحظه بعض الشيء حاليًا، فسنلاحظه بكثرة في الفترة المقبلة، وفي مرحلة ما ستنعدم هذه الثقة.

كانت الثورة السورية بداية جيدة لتشكيل مدرسة سورية وطنية، بعيدًا عن مدرسة البعث التي خرجت أجيال اعتادت على التهميش والتفرد والإقصاء، ولكن سرعان ما تهدم هذا الحلم منذ أن اغتالوا كل عقول الثورة من المفكرين والسياسيين والعسكريين الوطنيين، ليخرج إلى الواجهة أدعياء لا ينتمون إلى الثورة، ولكنهم ادعوا تمثيلها، ليكونوا خير عون لإنهاء الثورة بأبشع الطرق، والذين أجروا المصالحات في طول البلاد وعرضها خير دليل، والذين آمنوا بالثورة وفكرها ومطالبها، هاهم يحلمون بوحدة حقيقية لسوريا فكرًا وأرضًا وشعبًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة