داريا .. من “التعفيش” إلى “التنحيس”

tag icon ع ع ع

أسامة عبد الرحيم – ريف دمشق

“نشاهد يوميًا سحبًا من الدخان الأسود يصعد من داخل داريا، سألت صديقي في حاجز قريبٍ للنظام عن سبب هذه الأدخنة، فأوضح أن تجار المستعمل يفصلون الغلاف البلاستيكي عن النحاس بحرقه ليصبح صافيًا وصالحًا للبيع بما يقارب سبعة آلاف ليرة للكيلو الواحد”، يقول محمد أبو علي، الذي يسكن في طريق العلالي المطل على داريا من صحنايا.

سحب الدخان هذه، يراها جيران المدينة التي أفرغت من سكانها، في 26 آب الماضي، بعد اتفاقية مع النظام السوري، عقب حصار استمرّ أربع سنوات، وبدأ شبيحته وعناصر الأجهزة الأمنية، بـ “تعفيش”، كل ما يمكن أن يباع من المدينة.

مصطلح “التعفيش” أطلقه شبيحة النظام السوري، تعبيرًا عن نشاطاتهم اليومية في تفريغ وتنظيف منازل المدنيين من جميع محتوياتها، ومعظم من يتداول هذا المصطلح هم أهل الساحل، الذي ينتمي إليه رأس النظام السوري وأكثرية ضباط الجيش والدفاع الوطني وأجهزة المخابرات.

واشتُقّ المصطلح من كلمة عَفْش في اللغة العربية وتعني الفرش والأثاث، وفعل عَفش الشيء يعني جمعه، وعَفَش المنزل أي نقل عفشه، وهذا ما يقوم به الشبيحة من تجميعها في مكان واحد ونقلها إلى أسواق باتت معروفة تحت سيطرة النظام، أشهرها حي السومرية ومدينة صحنايا المجاورة لمدينة داريا بالإضافة الى حي دويلعة.

ولم يقتصر مصطلح التعفيش على نقل الأثاث فحسب بل شمل أيضًا سرقة الأبواب والنوافذ وحتى “الملابن” (إطارات الأبواب والشبابيك)، بالإضافة إلى خزانات المياه والمازوت وصحون “الستالايت” المثبتة على الأسطح.

يقول رامز محمد، وهو من سكان داريا واستطاع الدخول إلى المدينة مؤخرًا، عبر أحد معارفه في قوات الأسد، “للوهلة الأولى فرحت كثيرًا عندما شاهدت منزلي قائمًا، بعكس الكثير من المنازل في طريقي التي عانق سقفها أرضها، ولكني انصدمت عندما دخلت عليه، لأتفاجأ بخلوه من أي محتوى، لم أستطع تمالك نفسي من هول الصدمة”.

ويوضح رامز “لم يتجاوز عمر منزلي ست سنوات، وكان كل ما أملك، كلفني فرشه في تلك الآونة قرابة مليون ونصف (ما يعادل 30 ألف دولار)، كان تحت سيطرة النظام منذ ثلاث سنوات ونصف، ولم يتعرض الحي الذي أسكن فيه لدمار كبير، نظرًا لانسحاب فصائل الجيش الحر منه منذ بداية المعركة”.

كثيرٌ من القصص والشهادات وصلتنا عن مواطنين وجدوا أثاث بيوتهم يباع في أسواق المستعمل، واضطروا لشرائها مرة أخرى، إما لأنها عزيزة عليهم كذكرى، أو لأنهم بحاجتها فعلًا.

“أم سعيد”، (55 عامًا) سيدةٌ من داريا تقطن في صحنايا، تقول إنها وجدت أثاث “غرفة الضيوف” على أحد الأرصفة في حي الدويلعة، واتصلت بزوجها بسرعة لشرائها بنصف القيمة.

ولم يتوقف مفهوم التعفيش عند هذا الحد، بعد خلو المنازل من أي شيء يستفاد منه أو يمكن بيعه، بل تطور المفهوم الى مصطلح جديد بات متداولًا بين تجار التعفيش يسمى “التنحيس”، حسب وصف عناصر النظام على أحد الحواجز المحيطة بالمدينة.

و”التنحيس” يعتبر المرحلة الثانية بعد “التعفيش”، الذي يقوم على سحب أسلاك الكهرباء من مكانها داخل الجدران وحرقها للحصول على مادة النحاس غالي الثمن.

ولم تكن داريا التجربة الأولى، فقد سبقتها حمص والزبداني والقصير وغيرها من المدن التي تم تطهيرها من سكانها و”تعفيشها”، بينما ما يزال أهالي المدينة يأملون بالعودة ولو على أنقاض منازلهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة