لماذا وصلنا إلى هنا وماذا يمكن أن نفعل؟

محمد رشدي شربجي

camera iconمحمد رشدي شربجي

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

حسنًا! علينا أن نعترف بشكل واضح، خلال سنوات الثورة الست لم يمر عليها أيام كهذه، إسقاط بشار الأسد بات أبعد من أي وقت مضى مع تفريغ محيط العاصمة من كل معاقل المعارضة وتقدم متسارع للنظام داخل مدينة حلب أهم معقل حضري للثورة، وقد أطلقت هذه التغييرات “موجةً” من المراجعات لابد منها لعمل الثورة والمعارضة والتي بالغت بجلد الذات بعض الشيء.

ولكن كيف وصلنا إلى هنا بالرغم من كون قضية الثورة هي قضية محقة، وهي قضية حق ضد الباطل؟ نستطيع أن نذكر لذلك خمسة أسباب:

أولًا: تماسك النظام

ليس إجرام النظام جديدًا على السوريين الذين خبروه أيام حماة، هناك من اعتقد أن أيام حماة ولّت إلى غير رجعة، ولكن حماة وسجن تدمر بقيا ماثليَن بذاكرة الجميع، بيد أن تماسك النظام إلى هذا الحد، على عكس ما جرى مع دول الربيع العربي الأخرى، هو ما شكل الاستثناء السوري.

ثانيًا: اندفاع حلفاء النظام

حتى من توقع تماسك النظام لم يتوقع أن يتفانى حلفاؤه في الدفاع عنه إلى هذا الحد، رسميًا هناك جيشان (روسيا وإيران) يحاربان إلى جانبه، عدا عن ميليشيا هي شبه الجيش مثل حزب الله، والمتتبع لمعارك النظام منذ معركة القصير منتصف 2013 التي خاضها حزب الله يرى أن النظام منذ ذلك الحين لم يخض معركة بمفرده في عموم سوريا.

ثالثًا: باراك حسين أوباما

بالرغم من كل ما يقال من كلام محق عن إعادة تموضع أمريكي في المنطقة بعد ثورة النفط الصخري لديها وتوجهها شرقًا لمحاصرة التنين الصيني، فإن الموقف الأمريكي “الممانع” لسقوط النظام لا يمكن فهمه دون قناعات الرئيس الأمريكي بشكل خاص، التي أظهرها ملف عقيدة أوباما الذي نشره المركز الأطلنطي في بداية العام، حيث اعتبر أوباما حينها أن أعظم إنجازاته أنه ألغى الضربة العسكرية على نظام الأسد مخالفًا بذلك آراء جميع أركان إدارته الأخرى.

أوباما الحريص على إنجاز الاتفاق النووي الإيراني بأي ثمن، ضغط على حلفاء المعارضة مرارًا كيلا يُسلح الثوار بسلاح نوعي قادر على إنهاء المعركة.

رابعًا: تنافس الثوار وتشرذم المعارضة السياسية

منذ بداية الثورة انقسمت المعارضة السياسية إلى كيانات مختلفة متصارعة داخل مؤسسات المعارضة سواء مجلس وطني أو ائتلاف بعدها، وطغت عقلية المحاصصة على أداء المعارضة ما جعل مؤسساتها بعشرات الرؤوس، وهو ما أدى في النهاية إلى شللها شللًا تامًا.

ولم يسلم الثوار من هذه العقلية أيضًا، فمنذ البداية انقسموا كذلك إلى تشكيلات وهيئات وتنسيقيات وفصائل لا تنتهي، ودخلت الثورة بحرب أهلية غريبة عجيبة على الإسلام والعلمانية وشكل الدولة، ونزاعات شخصية تغلف بكل هذا قضت عليها كليًا، وتركتها لقمة سائغة لمن يريد، والأهم أنها أفسحت المجال واسعًا لأن تحتل السلفية الجهادية مشهد الثورة برمته.

خامسًا: السلفية الجهادية

ليس خفيًا أن النظام السوري أراد دفع الأمور منذ البداية بهذه الاتجاه، فهو أطلق منذ بداية الثورة آلاف المعتقلين السلفيين لديه ليتصدروا العمل المسلح في عموم سوريا بعدها بعام، خاصة أن النظام هيّأ خلال هذا العام، عبر مئات المجازر، التربة المناسبة لذلك.

ارتكبت السلفية الجهادية وعلى رأسها “جبهة النصرة” عدة كوارث بحق الثورة السورية، فهي بداية أتاحت موضع قدم لتنظيم الدولة، ومن ثم فإنها ربطت انتصار الثورة بهزيمة أمريكا وكأن الثورة لا يكفيها عدو بحجم النظام وروسيا وإيران.

عدا عن أن السلفية بانغلاقها على نفسها وتكفيرها لكل ما غيرها أسالت بينها الدماء أنهارًا وهو ما أفقد الثورة آلاف المقاتلين الأشداء بعد أن أفقدت السلفية الجهادية الثورة قطاعات واسعة من الشعب السوري أو نقلتها من الحياد إلى صف النظام.

وأخيرًا فإنها أدخلت التناقض حول حقيقة الثورة نفسها، فلم يعد النقاش عن الإسلام والعلمانية “بل إن كان من الجائز أن نسميها ثورة أصلًا”، و”كيف تكون ثورة وهي تدعو للحرية والديمقراطية الكافرة”، وغيرها مما تفتقت علينا به قرائح السلفية الجهادية.

كل سبب من الأسباب الخمسة السابقة هو بأهمية الأسباب الأخرى، وهي تغذي بعضها بعضًا، فتماسك النظام شجع اندفاع حلفائه وتردد الولايات المتحدة وبالتالي صعود السلفية الجهادية، وبالمقابل صعود السلفية الجهادية ساهم بتماسك النظام وتردد الولايات المتحدة وبالتالي اندفاع حلفاء النظام، وهكذا.

كما نرى فإن الثورة لا تتحمل المسؤولية كاملة عما وصل إليه الحال، وهو ما ينساه كثير من المشغولين اليوم بالمراجعات، صحيح أنها مسؤولة إلى حد ما بسبب تشرذمها وتفرقها واستراتيجيتها العسكرية الغريبة، ولكن يكفي تخيّل أنه لو لم تكن روسيا مهتمة بسوريا ولم ترفع خمسة فيتوهات في مجلس الأمن لكانت الأوضاع مختلفة كليًا اليوم.

بالمقابل فإن اتفاق الثورة على برنامج وطني شامل وعودتها إلى مشروع الثورة الأول بالحرية والديمقراطية سيكون عاملًا أساسيًا باستعادة جزء من مكانتها.

ليس لدى الثورة خيارات كثيرة والحالة هذه، وأمام تقدم النظام على مختلف الجبهات يبقى أحلى خياراتها مر، وباعتقادي فإن الهدف الاستراتيجي للثورة يجب أن يتمثل في “البقاء”، البقاء ولو على قطعة صغيرة من أرض سوريا تتيح لها مكانًا بأي تسوية سياسية مقبلة، ولا يوجد اليوم في سوريا مكان تسيطر عليه المعارضة ويحظى “بحد أدنى” من الحماية إلا مناطق درع الفرات.

لم يعد إسقاط النظام بالطريقة الحالية أمرًا ممكن التخيل، والاستمرار بالطريقة الحالية يعني فقط تدمير حواضر الثورة وحواضنها وخلق مشاكل هجرة ولجوء جديدة، هذه حقيقة مرة، وصعبة التصديق والابتلاع بعد مئات آلاف الشهداء وملايين المهجرين، ولكن هذا ما كسبته أيدينا، وما أورثه إيانا حظنا العاثر الذي أوقعنا في عالم من الوحوش.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة