"ماذا يفعل بلاغ في مدينة يسكن فيها 20 مليون شخص"

حوادث السرقة في تركيا تعكّر أمان السوريين فيها

عناصر من الشرطة التركية في منطقة السلطان أحمد في اسطنبول (إنترنت)

camera iconعناصر من الشرطة التركية في منطقة السلطان أحمد في اسطنبول (إنترنت)

tag icon ع ع ع

حنين النقري – عنب بلدي

تتباين الأفكار لدى زائر تركيا للمرة الأولى، ما بين التحذيرات الكثيرة التي تنهمر عليه من المقيمين فيها “دير بالك من السرقة”، والقصص التي يسمعها عن سرقات المنازل في وضح النهار، وبين ما يشاهده من أمان واضح ينعكس في العديد من المظاهر، مثل عرض محلّات الذهب مصوغاتها على الواجهات، أو ترك باعة الخضار بضائعهم كما هي أمام محلّاتهم إلا عبر تغطيتها بقطعة قماش، فإلى أيّ الكفتين يميل السوريون؟ وهل يحميهم الأمان الظاهريّ في تركيا من وقوعهم ضحايا للسرقة؟

عندما وصل وليد، مبرمج من مدينة حماة، إلى تركيا منذ عامين، كان انطباعه الأول الانبهار بالأمان والأمانة فيها، وهو ما استمر عنده لأشهر من إقامته فيها، إلى أن تعرّض للسرقة بشكل شخصي، الأمر الذي جعله يراجع حساباته، يروي قصّته “ذهبتُ وزوجتي في أحد أيام العطل إلى أحد المولات الكبيرة هنا، وبعد ساعتين أو ثلاث من التسوق خرجنا من المول وانتظرنا على موقف الباصات، وما هي إلا لحظات حتى أدركتُ بأن جزداني ليس بحوزتي، وأنه قد سقط مني هنا أو هناك داخل المول، أو أنه قد سُرق”.

فرحة لم تكتمل

عاد وليد إلى مركز التسوق وأبلغ موظفة الأمن، وطمأنته إلى أن أحد زملائها عثر على محفظة تنطبق على الأوصاف التي ذكرها بالفعل، يتابع “حمدتُ الله، وسررت للأمان الموجود في هذه الدولة، وما هي إلا لحظات حتى أتى موظف الأمن وسألني بضعة أسئلة عن شكل الجزدان ومحتوياته ليتأكد من ملكيتي له، أخرجه بعدها من وراء ظهره وناولني إياه”.

تفحّص وليد محفظته بسرعة وتأكد أنها له، شكر بعدها الموظفيَن، وخرج سعيدًا، لكن سعادته لم تَطل، “إذ اكتشفتُ أن محتويات الجزدان المالية جميعها مفقودة، ولا يحوي سوى بطاقة المصرف والهوية، بالطبع لم يكن بإمكاني مراجعة الموظفين فبذلك اتهام واضح لهما، لكن هذه الحادثة جعلتني أراجع الأفكار المسبقة لديّ عن الأمان المطلق في تركيا”.

موعود

لا تنتهي السرقات التي يتعرض لها السوريون بحالة وليد، بل لعلها أبسطها وأقلها خسائر، إذ تتنوع ما بين التسلل إلى المنازل ليلًا وحتى نهارًا، والتهديد بالسلاح أو حتى انتحال شخصية رجال الأمن، بوجود أصحاب المنزل أو خلوّه، ولعلّ تجربة منذر وأصدقائه مثال على ذلك، يقول “نقيم أنا وأربعة شباب في سكن مشترك في اسطنبول، وعادة لا نحمل الكثير من الأموال بشكل نقدي، فلدى كلّ منا حساب مصرفيّ ما يجعل الحاجة للنقد أقلّ، لكن ذلك لم يجنّبنا تجربة السرقة كما كنّا نعتقد، وكان ذلك أثناء وجودنا جميعًا في المنزل، خلافًا لما توحي به الكثرة من الشعور بالأمان”.

ورغم خلو المنزل في معظم أوقات النهار بسبب توجّه كل شابّ إلى عمله، إلا أن اللص قصده في الليل، أثناء نوم الجميع، يعلل منذر ذلك “نحمل معنا هواتفنا وحواسيبنا في النهار، وكل ما عدا ذلك لا يستحق السرقة، فلماذا سيقصد الحرامي منزلنا نهارًا؟”.

استيقظ منذر وأصدقاؤه صباحًا، ليجدوا أجهزتهم الإلكترونية جميعها قد سرقت، ما بين هواتف وحواسيب وأجهزة لوحيّة، إضافة لما وُجد معهم من أموال، يقول “استغربنا عن كيفية دخول اللص، أو اللصوص، للمنزل وسرقته أثناء نومنا، ثم علمنا أن هذا النوع من السرقات شائع للغاية ويستخدم فيه اللص مخدّرًا ليتمكن من العمل براحته”. يضحك منذر، ويضيف “بالطبع أخبرنا الشرطة، لكن ماذا يفعل بلاغ في مدينة يسكن فيها 20 مليون شخص، وعدونا خيرًا.. موعود”.

دينار ذهبيّ

السيدة أم محمد تعرّضت لحادثة سرقة أيضًا، لكن قصتها لا تشبه شيئًا مما ذُكر، ما جعلها تستهلها بقولها “يلي صار معنا أغرب من الخيال”، مهيّئة سامعها لتفاصيل حكاية لا تنتمي لهذا الزمان “ما سُرق من بيتنا في ولاية هاتاي لا يقدر بثمن، ماديًا أو معنويًا، وحيازتنا له قصة بحدّ ذاتها”.

تعود أم محمد 18 عامًا إلى الوراء، عام 1998، في مزرعتهم بالغوطة الشرقية، وتضيف “كان أولادي يلعبون بالتراب عندما وجد أكبرهم (محمد) قطعة لامعة، وحسِبها ربع ليرة أو ما شابه. عندما غسلتها بالماء تبيّن أنها ذهب، ومكتوب عليها سورة (الصمد)، وعدة كلمات أخرى بأحرف عربية دون نقاط، ومع البحث في الكتب والموسوعات عرفنا أنها دينار إسلاميّ عمره مئات السنين، وتقدّر قيمته بالملايين”.

احتفظت العائلة بالدينار الذهبيّ سنين طويلة دون إخبار أحد به، فحيازته في ظل نظام الأسد جريمة، تعلل أم محمد ذلك “القانون يجبرنا على تسليمه للدولة لكننا لم نفعل، احتفظنا به ولم نخبر أحدًا سوى المقربين”.

مرّت السنوات، ولجأت العائلة إلى تركيا بعد استشهاد ابنها البكر (محمد) على يد النظام، تقول السيدة أم محمد “رغم كل ما تركته في البلد حملتُ الدينار، فهو ذكرى غالية من ابني الشهيد، كما أننا قررنا بيعه والتصدق بنصف ثمنه على روحه، وشراء منزل يأوينا هنا ويكفينا هم استئجار البيوت والتنقل بينها، ولهذا استشرنا صديق زوجي، وهو تاجر يعمل في تحويل العملات وله علاقاته، وأخبرنا أن قيمة الدينار عشرات ألوف الدولارات بأقل تقدير”.

ويشار إلى أن القانون السوري يجبر من يعثر على أي قطعة أثرية على تسليمها لأقرب سلطة إدارية خلال 24 ساعة، إذ تنص المادة السادسة من قانون الآثار: “إن ملكية الأرض لا تكسب صاحبها حق التصرف بالآثار الثابتة أو المنقولة، التي قد توجد على سطحها أو في باطنها، كما لا تخوله حق التنقيب عن الآثار فيها”.

أغرب من الخيال

في أواخر شهر تشرين الثاني من العام الجاري، دخلت أم محمد إلى منزلها في هاتاي، كان أول ما لفت انتباهها وجود خزانتها مفتوحة، تقول “وجدتُ خزانتي مفتوحة، والحقيبة التي أضع فيها مجوهراتي مرميّة على السرير، تفقدتّها فلم أجد شيئًا مفقودًا سوى الدينار، رغم وجود مال وصيغة في الحقيبة، اللص سرق الدينار فقط”.

بعد تجاوز نوبة الهلع والبحث المستمر دون جدوى، بلّغت العائلة الشرطة، والذين قاموا بإجراءاتهم المعتادة من رفع للبصمات واستجواب للجيران، لكن ذلك لم يسفر عن نتيجة، تقول أم محمد “بيتنا في الطابق الأرضي والدخول إليه سهل جدًا، لكننا لم نشعر بالتهديد يومًا ولم نفكر بتعزيز إجراءات الحماية، اللص يعرفنا ويعرف بوجود الدينار، وهو يراقبنا وانتهز فرصة خروجنا لتوصيل ابنتي للمدرسة بسرقة ما يريده تحديدًا”.

تتابع أم محمد أن الشرطة أكدت لهم العمل على قضيتهم، واستجواب المشتبه بهم، وبشكل خاص بعد شهادة أحد الجيران بخروج شخص من منزلهم في غيابهم، تضيف “بالطبع شكوكنا تحوم تجاه تاجر العملات كونه شبه الوحيد ممن يعلم بوجود الدينار وقيمته، لكننا لا نستطيع إثبات شيء، كل ما نملكه هو الدعاء على السارق، علينا بالخلَف وعليه بالتلف”. تتابع أم محمد “بدأت القصة أغرب من الخيال وانتهت أغرب من الخيال”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة