tag icon ع ع ع

عنب بلدي – سيما نعناعة

للتركمان السوريين عبر العصور دورٌ بارزٌ في مجريات تاريخية شهدتها سوريا، فكوّنوا جزءًا ثقافيًا وتاريخيًا في المجتمعات المحلية، وانتشروا في معظم المحافظات السورية في الشمال والجنوب والشرق والغرب.

من هم التركمان ومن أين أتوا.. لماذا هاجروا إلى سوريا وأين توزعوا جغرافيًا.. ما دورهم في الثورة السورية، وأين هم الآن؟

التركمان عبر التاريخ

أصل التركمان

الأتراك، أو “التركمان”، كما ورد ذكرهم في أرشيف الدولة العثمانية، هم أقوام آسيوية جاءوا من أواسط آسيا، وهم أولاد عم المغول، انحدروا من قبائل “الأوغوز”، إحدى أكبر القبائل التركية الـ 24، بحسب ملحمة “أوغوز كاغان”، أحد أهم المراجع عن التاريخ التركي، أو الـ 22 قبيلة بحسب معجم المؤرخ التركي الكبير “كاشغارلي محمود”.

ولكن وإن اختلفت الأرقام، تبقى قبيلة “الأوغوزهان”، أكبر وأهم قبيلة، انحدرت منها أهم الدول والإمبراطوريات التركية التي عرفها التاريخ، ونقصد هنا كل من: السلاجقة، والزنكيين، والعثمانيين، فهم والتركمان في يومنا هذا، من ذات القبيلة.

وكي لا يخطئ القارئ الفهم، فعندما نذكر التركمان، لا نتحدث عن عائلة أو فخذ واحد، فهم لا ينحدرون جميعًا من ذات الفخذ، ومثال على ذلك السلاجقة والعثمانيون، فهم أولاد عم.

وقبيلة “الأوغوز”، قبيلة كبيرة تضم أفخاذًا كثيرة، والتركمان هاجروا من أفخاذ مختلفة، عبر دفعات، واستقروا تدريجيًا في منطقة آسيا الصغرى، ويطلق اسم التركمان على جميع الأتراك الذين بقوا في المنطقة بعد انفصالهم عن السلطنة العثمانية أواخر القرن العشرين.

الأتراك عبارة عن قبائل تعنى بالزراعة والرعي بشكل أساسي، بالإضافة إلى كونهم محاربين أشداء، وكانوا على صراع دائم مع الإمبراطورية الصينية، كما تسطر ملاحمهم القديمة، واعتادوا الهجمات المستمرة على سور الصين العظيم أيضًا.

ولعل كونهم محاربين أشداء، هو السبب الأساسي الذي جعل السلاجقة يعتمدون عليهم ويستعينون بهم في أكثر من معركة وحرب شهدتها منطقة الشرق الأوسط قديمًا (سيرد ذكرها لاحقًا).

قرويين عجزة من تركمان سوريا (رويترز)

عجوزان من تركمان اللاذقية في سوريا
(رويترز)

الهجرات التدريجية

هاجر التركمان على دفعات من موطنهم الأم آسيا الوسطى، وبشكل تدريجي نحو الجنوب، فكانت حياتهم قبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حاليًا، عبارة عن ترحال مستمر وتدريجي، من الشمال إلى الجنوب، أشبه بحياة البدو الرحل، تهاجر قبيلة تلحقها الأخرى وهلمّ جرّا.

وكانوا يختلفون عن البدو بطريقة الترحال، إذ يعدون مستقرين في وجهتهم، من الشمال إلى الجنوب، مقتربين أكثر فأكثر من منبع الحضارة آنذاك، الشرق الأوسط، وأسسوا دولًا من خلال ترحالهم، مثل الدولة “الخوارزمية”، ودولة “القراخانات”، وغيرها من الدول، وصولًا إلى السلاجقة والعثمانيين، بينما البدو يرتحلون بحثًا عن الكلأ والمرعى وفي وجهات عشوائية، يحطون رحالهم أينما عثروا على واحة تغذيهم، ولم يشكلوا دولة تخصهم عبر تاريخهم.

وبالطبع هاجر التركمان مع عوائلهم وعتادهم، وحيواناتهم أيضًا، وتركزت هجرتهم إلى المنطقة، في بدايات القرن العاشر والحادي عشر الميلادي، وسبق ذلك هجرات بسيطة إلى منطقة سوريا الحالية في القرن السابع، واستقروا بداية في كل من حلب ودمشق، بفضل المساحات الزراعية الواسعة، بالإضافة إلى أن هذه المدن تشكل المركز التجاري والثقافي في البلاد.

وبدأ الأتراك يقتربون من العرب أكثر فأكثر، خاصة بعد دخولهم الإسلام، والذي تمثل في بادئ الأمر مع الأتراك “السامانيين”، ولاحقًا أسلمت دولة “القراخانات” (الملوك السود) عام 960 ميلادي، وكانت أول دولة تركية تعلن إسلامها.

وشكل السلاجقة أول دولة تركية في منطقة الشرق الأوسط، ورافقهم الزنكيون أيضًا، ومع فوز السلاجقة بمعركة “داندان أكان” ضد الغزنويين عام 1040، بدأ بقية التركمان بتركيز هجراتهم، وذلك مع عام 1063.

واستعان السلاجقة لاحقًا بالتركمان المهاجرين أثناء الغزو الصليبي عام 1096، أيام عماد الدين الزنكي وابنه نور الدين الزنكي، وهم أتراك أيضًا، وبذلك بدأوا يشكلون نواة الجيش السلجوقي واستقروا بكثرة في منطقة حلب، واستمر هذا التعاون بين السلاجقة والقبائل التركمانية المهاجرة أيام الغزو المغولي أيضًا، إذ هاجرت قبيلة “الكاي” بزعامة “سليمان شاه” جد مؤسس الدولة العثمانية إلى الأطراف الشمالية من سوريا، واستعان بهم السلاجقة لدحر المغول في موقعة “كوسة داغ”عام 1243، وكمكافئة لهم منحوا قطعة أرض في آسيا الصغرى.

ومع هزيمة المماليك بقيادة “طومان باي”، أمام السلطان العثماني “سليم الأول” عام 1516 في معركة “مرج دابق” شمال غرب حلب، بدأ الحكم العثماني في المنطقة، واستمر لغاية عام 1918.

من هم تركمان سوريا؟

يدعى الأتراك الموجودون في سوريا ضمن السجلات العثمانية باسم “تركمان حلب”، وكان لهم وضع خاص لدى السلطان ويعتبرون تحت رعايته الخاصة، ما سهل لهم أمورهم بشكل نسبي في تلك الآونة.

وعرفوا بتنقلهم بشكل مجموعات، حيث يتمركزون شتاءً في منطقة حلب، وصيفًا يتوجهون حتى منطقة “سيفاس” (تركيا حالياً) في منطقة الاناضول.

ويقال “تركمان الشام” للتركمان الذين يقطنون دمشق، بينما الذين يقطنون حلب والرقة يقال لهم “تركمان جولاب”، أما تركمان منطقة اللاذقية فيقال لهم “تركمان باير بوجاك”، نسبة لمرتفعات “بايربوجاك” (جبل التركمان) شمال اللاذقية.

ويعود سبب انتشار التركمان في معظم الأراضي السورية الحالية، إلى رغبة السلطنة العثمانية فرض التغيير الديموغرافي في مناطق البدو والعشائر العربية في كل من اللاذقية وحماة والرقة وحمص، وبهدف فرض سيطرتها عليهم، إذ كان من الصعب قيادتهم والتحكم بهم، بالإضافة لضمان جباية الضرائب المفروضة عليهم.

لاحقًا ومع المتغيرات الاقتصادية والسياسية في القرن السابع عشر، أجبرت الدولة العثمانية القبائل التركمانية على الاستقرار في أماكن معينة بعيدًا عن حياة الهجرة، وفي أواخر القرن الثامن عشر استقر نصف التركمان في كل من حماة، والرقة، وحمص، وغازي عنتاب، إلا أن المناخ والبيئة في منطقة الرقة (صحراوي)، لم تناسب التركمان، فحاولوا الهجرة إلى مساكنهم القديمة، ولكن أعيدوا إلى هناك مجددًا.

مطلع القرن التاسع عشر شهدت سوريا هجرة عكسية للتركمان باتجاه الأناضول، لأسباب أبرزها الزلزال المدمر عام 1822، والأمراض السارية التي انتشرت في تلك الآونة، إلى جانب سيطرة إبراهيم بن محمد علي باشا على سوريا، بينما بقي الآخرون في مناطق العرب السنة واندثرت لغتهم التركية تقريبًا.

كما وجهت الدولة العثمانية الأتراك المهاجرين من منطقة القوقاز بسبب “حرب 93” (معارك بين العثمانيين والروس خلال عامي 1877-1878) إلى سوريا ليستقروا فيها، وبذلك بدأت موجة هجرة جديدة من الأتراك إلى المناطق السورية.

استقرار التركمان نهائيًا في سوريا

في بدايات القرن العشرين، وبعد انفصال الدولة العثمانية عن سوريا، عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، منحت تركيا ضمانة تخص تركمان سوريا من خلال اتفاقية “أنقرة” عام 1921، أي حصلت على ضمانة تخص ضم القرى التركمانية، دون التطرق للحدود السورية أبدًا.

وفي أعقاب معاهدة “لوزان” عام 1922، وعندما رُسّمت الحدود السورية- التركية عام 1923 تم اعتماد الحدود الموضحة في اتفاقية أنقرة، رغم محاولات القرى التركمانية للبقاء داخل الحدود التركية، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعًا، وبذلك بقي قسم كبير من التركمان في سوريا، ولم ينضموا إلى أبناء جلدتهم، وأصبحوا تركمانًا سوريين، ومنحوا الجنسية السورية.

اندثرت الثقافة واللغة التركية لدى قسم من تركمان سوريا، وذلك بسبب سياسة الاستيعاب (التعريب) مع بدايات القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الأولى ونهاية الحكم العثماني في المنطقة وبالتزامن مع الانتداب الفرنسي، إذ تم منع اللغة التركية، وحُمّل التركمان تبعة خسارة العرب لأراضيهم، وبذلك تعرّب التركمان الذين يشكلون الأقليات في بعض مناطق سوريا وأصبحوا عربًا مع الزمن، أما المناطق التي يقطنها عددٌ كبيرٌ من التركمان، فحافظوا على صفتهم وهويتهم التركية، وتابعوا استخدام لغتهم.

لم يعتبر النظام السوري “التركمان” أقلية، لذلك لا يمكن معرفة أعدادهم بدقة عند العودة إلى سجلات النفوس، فهم سجّلوا على أساس ديني كونهم مسلمين، كما لا توجد إحصائية رسمية حسب التصنيف العرقي للسكان في سوريا.

يشير كتاب “الصراع لأجل السلطة في سوريا” للكاتب “نيكولاس فان دام”، والذي يعد أحد أهم الكتب التي تطرقت لتعداد التركمان في المنطقة، إلى أن نسبة التركمان السوريين تشكل 3% من التعداد الكلي للسكان ، ويقدر عددهم بـ 484 ألف نسمة من أصل ما يزيد على 16 مليونًا، بحسب أرقام عام 1997، كما تشير بعض المراجع إلى أن التركمان بين من يعلمون بأصولهم التركية ومن لا يعلمون، وفي مختلف مراكز وجودهم، تتراوح أعدادهم بين 3- 3.5 مليون تركماني.

توزع التركمان في سوريا جغرافيًا

طفلان يلعبان في مخيم يايلاداغي الحدودي في تركيا، 22 فبراير 2016 - (إيرين)

طفلان يلعبان في مخيم يايلاداغي الحدودي في تركيا، 22 فبراير 2016 – (إيرين)

في هذا المحور نبدأ بتوزع التركمان في سوريا، وفق الكثافة السكانية لهم، من الأعلى وصولًا إلى الأقل، بالإضافة إلى أعداد وأسماء قراهم وأحيائهم داخل المدن، بالاعتماد على مراجع ودراسات أغلبها لباحثين تركمان، وآراء سياسيين ومثقفين تركمان، وسط انعدام المراجع والإحصائيات الرسمية التي عنيت بهذا الموضوع في سوريا.

ورقة مهمة كانت طرحت في أول مؤتمر للغة التركية، في مدينة أضنة بتاريخ 5 أيار 2007، من قبل مثقفَين سورييّن تركمان، هما أحمد حمدي وهشام صالح، ذكرا فيها أن التركمان يتوزعون في كل من: حلب، وحماة، وحمص، والجولان، وأشارا إلى أن قرى التركمان في الجولان “المحتلة” تزيد عن 11 قرية، ومنها: كفر نفّاخ، وعين السمسم، وظابيا، وغديرية، وأحمدية وغيرها، وذلك بحسب بحث قدمته “مؤسسة بحث تركمان العراق لحقوق الإنسان”.

ويتمركز التركمان عبر تاريخ هجرتهم إلى سوريا، بشكل أساسي في كلٍ من مدينتي حلب ودمشق، بسبب أهميتهما التجارية والثقافية والسياسية، رغم أنهم عملوا بالزراعة والرعي وانخرطوا في الجيش أيضًا، ويليها مدن اللاذقية، وحمص، وحماة، والرقة، ودرعا، والجولان، بحسب ما صرّح الكاتب والصحفي التركماني أحمد حاميش.

تركمان حلب

ويشكلون الأغلبية التركمانية السورية، ويتوزعون في مدن منبج والباب وجرابلس واعزاز، إلى جانب وجود كبير في بلدة الراعي (جوبان باي)، ويوجد شمال محافظة حلب قرابة 145 قرية تركمانية، أما داخل المدينة يسكن التركمان في كل من أحياء الهلّك وبستان الباشا والحيدرية والأشرفية وقاضي عسكر، وقلة في أحياء أخرى، وفق دراسة تحت اسم “من هم تركمان سوريا عبر تاريخهم الطويل؟”، للباحث والسياسي التركماني علي أوزتركمان.

سمير حافظ، سياسي ومثقف تركماني سوري، وهو الرئيس الأول لـ “المجلس التركماني” الذي تأسس عام 2013 في أنقرة، أوضح في حديث إلى عنب بلدي أن مجموعة من التركمان يوجدون في مدينة “عين العرب” (كوباني) شمال شرق حلب أيضًا.

تركمان اللاذقية

تأتي محافظة اللاذقية بالمرتبة الثانية بالنسبة لتعداد وتوزع التركمان فيها، حيث يتمركزون في القسم الشمالي بالقرب من الحدود التركية، في منطقة رأس البسيط ومرتفعات “بايربوجاك”(جبل التركمان)، إذ يوجد حوالي 70 قرية تركمانية فيها، بالإضافة إلى وجود حييّن داخل المدينة، هما حي “علي الجمال” و”الرمل الشمالي”، بحسب دراسة الباحث “علي أوز تركمان”.

وأضاف سمير حافظ، المنحدر من “باير بوجاك”، مفصلًا توزع التركمان في اللاذقية، وقال إن تركمان الساحل يتوزعون بين منطقتي “باير” و”بوجاك”، ويوجد في “باير” نحو 27 قرية تركمانية، بينما تقع بقية قرى “بوجاك” على الساحل.

وعدد حافظ بعض قرى “البوجاك”، التي تقع على الساحل، مثل قرية “ترونش”، وفق تسميتها القديمة أيام السلطنة العثمانية، أما بعد حكم البعث فسميت بـ “أم الطيور”، بالإضافة إلى قرى صلّيب التركمان، وبرج إسلام، والبدروسية، والعيسوية، وغيرها من القرى.

أطفال تركمان في ريف اللاذقية وكالات تركية

أطفال تركمان في ريف اللاذقية (وكالات تركية)

تركمان حمص

وسط انعدام مصادر رسمية حول نسبة التركمان في محافظة حمص، وعدد قراهم، حصلت عنب بلدي على معلومات حول أعدادهم وتوزعهم في حمص المدينة والقرى، من دراسات وباحثين تركمان.

بالنسبة للباحث التركماني، أوزتركمان، يشكل تركمان حمص نسبة 65% من سكان المدينة، ويشير في دراسته إلى أنه يوجد نحو 57 قرية تركمانية، الأمر الذي أكده الصحفي حاميش، من أبناء المحافظة ذاتها، مشيرًا إلى أنهم تركزوا في المنطقة أيام العثمانيين، واندمج قسم منهم مع السكان العرب، ونسي معظمهم اللغة التركية، وبعضهم نسي أصوله التركية أيضًا.

ودعم حاميش، معلوماته وفقًا لكتاب “الجذر السكاني” للكاتب “نعيم زهراوي”، الذي يعود لستينيات القرن الماضي، مشيرًا إلى أن الكتاب يعدّ من أهم الدراسات حول تركمان حمص في ذلك الوقت.

وتابع حاميش، أن التركمان يتوزعون داخل المدينة في أحياء: الوعر، وجوبر، وباباعمرو، إلى جانب حي التركمان في القصير، وقرية جوسية القريبة منها.

فيما يرى حافظ، أن تركمان حمص معظمهم اندمج مع عرب المدينة، وحافظ الكبار على لغتهم التركية باللهجة التركمانية، فيما لا يتكلم الشباب والصغار لغة أهلهم، مؤكدًا على نسبة التركمان الكبيرة في حمص.

تركمان الشام

هاجر التركمان إلى دمشق أيام السلاجقة والعثمانيين، بالإضافة إلى قسم نزح من الجولان خلال حرب عام 1967، واستقروا في كل من أحياء التضامن، والقدم، وبرزة، والحجر الأسود، والسيدة زينب، وكان يوجد نحو 20 قرية تركمانية في الجولان، وفق أوزتركمان.

بقية تركمان سوريا، يتوزعون على شكل أقليات في كل من محافظات: حماة (30 قرية في منطقتي مصياف والسلمية)، ومدينة تل أبيض في الرقة، وطرطوس (خمس قرى)، محافظة إدلب (خمس قرى)، وفي محافظة درعا (13 قرية)، وذلك بحسب تطابق المصادر التي استندت إليها عنب بلدي.

التركمان في ظل الثورة السورية

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، برز دور التركمان من جديد، وخرجوا بمعظمهم ضد النظام السوري في الحراك السلمي ومرحلة العسكرة.

وعانى التركمان من ظلم وفساد نظام الأسد على مر أربعة عقود، وعوملوا معاملة “مواطن من الدرجة الثانية”، وفق الصحفي أحمد حاميش، الذي رأى أنهم “وجدوا النور والأمل مع أولى شرارات الثورة”، للتخلص من ظروفهم وأوضاعهم “المأساوية”، وخاصة في محافظة حمص.

الفصائل العسكرية

وأكدّ السياسي التركماني سمير حافظ على ولوج التركمان في الثورة منذ بدايتها، وقال إن شباب ورجال “باير بوجاك”، الذين بقوا في مناطقهم، شكلوا كتائب عسكرية لحماية أراضيهم طيلة ست سنوات، مثل كتائب “السلطان عبد الحميد”، وكتائب “جبل الإسلام”، بالإضافة إلى كتائب أخرى تلقّت دعمًا دوليًا من قبل غرفة عمليات “تنسيق الدعم” (الموك).

وأضاف حاميش أن التركمان انضموا إلى الحراك الثوري إلى جانب “إخوتهم السوريين”، في كل من حلب وحمص ودمشق، إذ شكلوا “لواء الجولان” في دمشق، و”اللواء التركماني الأول” في القلمون، والذي تشكل من أبناء القصير الذين نزحوا بعد اجتياح مدينتهم.

وأشار الصحفي حاميش إلى أن الحراك التركماني بدأ من حمص ومن حي باباعمرو تحديدًا، إلى جانب حي جوبر الحمصي وقرية جوسية، وتابع موضحًا الكتائب العسكرية التركمانية التي تشكلت في المحافظة، وأبرزها “لواء أحفاد عثمان” في ريف حمص الشمالي، منوهًا إلى أنه لم تتشكل كتائب عسكرية خاصة بالتركمان في حي باباعمرو.

وأضاف حاميش، أن تركمان “باير بوجاك” بريف اللاذقية شكلوا “الفرقة الساحلية الأولى”، و”لواء السلطان عبد الحميد”، بالإضافة إلى محافظة حلب، حيث شكلوا في الريف الشمالي “فرقة السلطان مراد” و”فرقة الحمزة”، وفصائل تركمانية أخرى، مؤكدًا أن جميع الفصائل التركمانية انضوت في صفوف “الجيش الحر”.

الكتل السياسية

وبالانتقال إلى الشق السياسي، أوضح سمير حافظ لعنب بلدي، التشكيلة السياسية لهم، بصفته رئيسًا سابقًا لـ “المجلس التركماني”، وقال إن “التركمان تمكنوا من تأسيس كتل سياسية ناجحة في تركيا، والتي تعد الوطن الأم لهم، وأنجزوا العديد من الأمور التي تخص التركمان، بما يتعلق بأمورهم القانونية، وعملية نزوحهم وهجرتهم، وإيوائهم في المخيمات داخل سوريا وخارجها، في تركيا ولبنان، إلى جانب تأمين الغذاء والمؤن والدواء للمحاصرين والنازحين في الداخل السوري أيضًا”.

وأشار حافظ إلى أنه لدى نزوح التركمان إلى تركيا، تشكلت في بادئ الأمر “الكتلة التركمانية” عام 2012، وهي عبارة عن “حركة سياسية عملت بشكل متفانٍ، وأنجزت إنجازات رائعة من أجل التركمان، وخاصة في مخيم (يايلا داغ) في أنطاكيا، ومنطقة (جبل التركمان) فيما يتعلق بالجانب الإغاثي”.

وأوضح أن “الكتلة التركمانية” كانت تعطي تقريرًا أسبوعيًا عن الأوضاع الراهنة داخل سوريا بالنسبة للتركمان، من زيادة أو نقص، بالإضافة إلى أعداد الموجودين، مضيفًا أنها ساعدت على تشكيل كتائب عسكرية أيضًا.

لاحقًا وبسبب بعض الخلافات بين الأطرف، انشق عنها تيار سياسي سمّي “الحركة التركمانية”، والتي رغم محاولات إجهاضها تمكنت من الصمود، وأصبحت حركة لها نشاطها الخاص، واستعادت علاقتها مع الكتلة، وفي عام 2013 دعت الحكومة التركية حوالي 1000 تركماني، لمناقشة موضوع تشكيل مجلس تركماني، ورشحت سمير حافظ ليكون رئيسًا لـ “المجلس التركماني”، وكان ذلك بحضور رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته.

مقاتلون تركمان في ريف اللاذقية الشمالي (وكالات تركية)

مقاتلون تركمان في ريف اللاذقية الشمالي (وكالات تركية)

تمكن سمير حافظ خلال رئاسته للمجلس التركماني عام 2013، من الحصول على استثناء لـ 23 تركمانيًا، منحوا من خلاله الجنسية “بصعوبة”، بعد نحو 18 شهرًا من تقديم المقترح لوزير الخارجية وقتها، أحمد داوود أغلو.

وقال حافظ “سلمت مقترح الجنسية لـ 23 تركمانيًا سوريًا للوزير داوود أغلو، وقلت له أسلمك هذا الملف (على مضض)، وأنا أعلم تحفظ الحكومة التركية حيال هذا الموضوع”، فأجابه وزير الخارجية أن “تركيا حذرة بموضوع منح الجنسية للتركمان”، وأرجع ذلك بدوره للقوانين التي ذكرناها آنفًا.

النزوح واللجوء جراء المعارك

بعد اشتداد قصف قوات الأسد على المناطق السورية أواخر عام 2011، وخاصة في محافظات حمص واللاذقية ودرعا وغيرها، بدأت حملة نزوح وهجرة التركمان، حالهم حال بقية السوريين، الذي اضطروا لمغادرة منازلهم وأراضيهم، في حملة تهجير ممنهجة من قبل النظام، لتفريغ المناطق “السنية” من سكانها، بحسب باحثين.

ونالت محافظة حمص النصيب الأكبر من عمليات التهجير، إذ اضطر التركمان هناك إلى النزوح بالآلاف، منهم من دخل إلى تركيا واستقر في مخيماتها أو في المدن، لكن الغالبية الكبيرة منهم توجهوا إلى مخيمات شمال لبنان، بحسب السياسي سمير حافظ.

وأوضح الصحفي أحمد حاميش، أن نحو 47 قرية تركمانية من ريف حمص، إضافة إلى تركمان حمص المدينة، هجّروا من ديارهم بالكامل، معظمهم رفض النظام عودتهم إلى ديارهم، كحال أهالي الزارة وتلكلخ في ريف حمص الغربي، مؤكدًا تنفيذ النظام مجازر بحق تركمان حمص، أبرزها مجزرة قرية تسنين في كانون الثاني 2013 ، والتي راح ضحيتها حوالي 110 مدنيين.

بعد حمص، شهد جبل “التركمان” (بايربوجاك)، حملة تهجير طالت جميع قرى منطقة “باير” في الجبل، لا سيما بعد التدخل الروسي في تاريخ 30 أيلول 2016، باستثناء بعض الوحدات العسكرية المستقرة في خمس قرى.

في المقابل أوضح حافظ، أن منطقة “بوجاك”، الجزء الآخر من “جبل التركمان”، والمطلة على الساحل السوري، بقيت على حالها، ولم يتعرض أهلها للتهجير، باعتبارها بقيت تحت سيطرة النظام طيلة الوقت، مثل قرى أم طيور، البدروسية، برج إسلام، وغيرها.

وأشار السياسي التركماني إلى أن معظم تركمان “باير” هاجروا إلى تركيا على دفعات، وسعى بنفسه إلى إدخال الآلاف منهم بالتعاون مع الحكومة التركية، واستقروا داخل مخيمات على الحدود التركية السورية، مثل مخيم “يايلا داغ”، ويوجد فيه حوالي أربعة آلاف عائلة، ومخيم “غوفيتشي”، ويقع على الحدود مباشرة، ويوجد فيه بحسب اعتقاده قرابة 3500 عائلة، ومخيم “عثمانية”، ويوجد فيه ما يزيد عن عشرة آلاف عائلة، إلى جانب مخيم “إصلاحية”، فضلًا عن الذين أدخلوا إلى مخيمات داخل الأناضول، مثل مخيم ولاية “قيصري” وغيرها.

تركمان حلب كان وضعهم أفضل نسبيًا، إذ لم يدخل النظام مناطقهم، وكانت تحت سيطرة “الجيش الحر”، وفق سمير حافظ، منوهًا إلى أنهم في بعض مناطق ريف حلب تعرضوا للاضطهاد من قبل مقاتلي حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD)، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وهجروا من قراهم، مثل قرية “حمام التركمان” ومناطق أخرى في الرقة، وعين العرب (كوباني).

وأضاف حافظ، أن التركمان هجروا من المناطق التي يسيطر عليها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، الذين لم يكتفوا بتهجيرهم، على حد قوله، بل هدموا منازلهم وقراهم ” حتى لا يفكروا بالعودة” إلى أراضيهم مستقبلًا.

وبعد عملية التهجير التي عانى منها تركمان حلب، توجه قسم منهم إلى تركيا، لا سيما مدينتي غازي عنتاب وأورفا، إذ يتقن معظمهم اللغة التركية، ولن يصعب عليهم إيجاد فرص عمل جيدة، وقسم منهم توجه إلى مدينة جرابلس وبلدة الراعي “تشوبان بي” شمال وشمال شرق حلب، فضلاً عن منطقة الباب في الداخل السوري، بحسب حافظ.

لا امتيازات تركية للتركمان

يعتقد الكثيرون أن الحكومة التركية تدعم التركمان بشكل خاص، دون العرب، وأن لهم امتيازات مادية ودراسية، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الجنسية التركية، لكن معظم من التقتهم عنب بلدي نفوا ذلك.

ورأى سمير حافظ، المقرب من دوائر القرار التركية، أن أنقرة لم تمنح التركمان ميزات عن اللاجئين السوريين العرب وسواهم، سواء كان ذلك داخل المخيمات أو خارجها، بالإضافة لموضوع التعليم في الجامعات التركية، إذ اشترطت تركيا الحصول على نسبة 70% من فحص الدخول المخصص للأجانب، ورفضت مطالبات التركمان بالتساهل معهم والقبول بـ 50% فقط.

وعندما سألت عنب بلدي عن موضوع الجنسية، هل ستمنح ميزات تخص التركمان بهذا المجال؟ أوضح حافظ أن تركيا لديها تحفظ يخص منح الجنسية لهم، على عكس ما يظن معظم الناس، ويرجع ذلك إلى اتفاقية “أنقرة 1922″، والتي رسمت فيها حدود سوريا مع تركيا، وضمت بموجبها القرى التركمانية إلى سوريا، بالإضافة إلى قوانين سنّت عقب تشكل الجمهورية في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي تخص عدم منح الجنسية لهم.

وفي ذات السياق نوه حافظ، إلى أن للحكومة التركية أسبابًا ديموغرافية وتاريخية، بحسب اعتقاده، الهدف من ورائها الإبقاء على الوجود التركي في سوريا، والتي كانت امتدادًا للدولة العثمانية.

لم يكن في حسبان السوريين، أو العوام منهم، أن بلدهم حبلى بالقوميات والإثنيات الدينية والطائفية المتنوعة، قبيل اندلاع الثورة ضد نظام الأسد، فسوريا دولةالبعثلخمسة عقود، والبلد التي لا تعرف سوى اللغة العربية ظاهريًا، أما اللغات الأخرى فتداولها أبناء القوميات سرًا، مخافة المحاسبة الأمنية، كحال الكرد والتركمان والأرمن والشركس والآشور وغيرهم.

مقالات متعلقة