"هل ينقصنا انتشار الأوبئة.. وهل هذه البيئة مناسبة للحياة الآدمية؟"

“اللشمانيا” تنتشر في حماة و”الطوابير” بانتظار المصابين

tag icon ع ع ع

حنين النقري – عنب بلدي

حبة الضمير، دمل الشرق، حبة السنة، حبة حلب أو اللشمانيا، أسماء عديدة لكن العرض واحد، والمرض واحد، والمسبب واحد: أنثى ذبابة الرمل.

ليس ما ذكرناه فقرة من كتاب علم الأحياء، بل هي مسميات ومصطلحات صار رجل الشارع ضليعًا بها في حماة اليوم، وفي مناطق أخرى من سوريا، بعد أن تزايدت أعداد الإصابات باللشمانيا مع تدهور الأوضاع الصحية في البلد، وانعدام أدنى شروط النظافة في مرافقها.

ندى، طالبة في المرحلة الثانوية من حماة، وواحدة من آلاف المصابين باللشمانيا فيها، تخبرنا عن قصتها مع المرض “لم أعلم أن الحبة الصغيرة التي ظهرت على كتفي بداية إصابة باللشمانيا، وعندما بدأت تكبر وتنتفخ عرفت طبيعة المرض، فهو لا يخفي نفسه كما أنه منتشر بحماة بكثرة”.

خجلت ندى من البوح بمرضها لأحد، إذ يعتبره الناس دليل إهمال نظافة، حسب قولها، لكنها قررت في النهاية الذهاب لمركز مكافحة اللشمانيا “كان ذلك منذ عام تقريبًا في رمضان الفائت، واكتفت الممرضة ببخ الحبة بمحلول عدة مرات”.

بدأت حالة كتف ندى تتفاقم على عكس ما هو مفترض “صرتُ أصبّر نفسي أنني بحاجة لوقت فقط، بعد عدة أشهر علمتُ أن البخ لا يكفي للحبة وأن العلاج الأساسي هو الحقن، لا أدري لمَ لم تقم الممرضة بذلك”.

“فات الأوان”، حسب ندى، فالكشف المبكر عن المرض وسرعة معالجته هي الطريقة الوحيدة لعدم حدوث تشوهات في الجلد، والتي صارت تحملها على كتفها “كتفي الآن مشوّه تمامًا، ومنظره بشع، ما يجعلني أرتدي الملابس بأكمام طويلة حتى في المنزل وفي غرفتي، وأتفادى النظر إليه في المرأة”.

تخشى ندى أن يكون الأمر معيقًا لزواجها في المستقبل، لكنها تستأنف “الحمد لله أن التشوه في كتفي وليس في وجهي، أحلى المُرّين”.

السبب الرئيسي عدم بخ الحشرات وانعدام النظافة

الطبيب منيب (اسم وهمي لأسباب أمنية) من حماة، يخبرنا أن السبب الرئيسي لانتشار المرض، لحدّ تصنيفه كوباء، هو انعدام النظافة وعدم قيام البلديات بواجبها برش المناطق بالمبيدات القاتلة للذبابة حاملة المرض، ويضيف “صار اهتمام النظام وميزانيته حكرًا على الجيش والأمن والعمليات العسكرية، على حساب أمور أخرى كالنظافة والصحة والتعقيم ومكافحة الأوبئة، والنتيجة انتشار هائل لأمراض وبائية ويفترض أن تكون من ماضي البشرية كاللشمانيا”.

يزور الطبيب العديد من الحالات المصابة أسبوعيًا، وينصحهم بقصد مركز مكافحة اللشمانيا لأخذ جرعات العلاج، ويقول “رغم الضغط الكبير على مراكز العلاج، وقلة النظافة والتعقيم فيها، بالإضافة للمعاملة السيئة للمرضى لكنني أنصح مرضاي بقصدها، والسبب هو تكاليف العلاج”.

تُعالج اللشمانيا، حسب الدكتور منيب، بحقن كل حبّة أسبوعيًا لعدة أسابيع وهو ما قد لا يستطيع المريض تحمل تكاليفه “ثمن الإبرة بحدود 400 ليرة سورية، وإذا كان المريض يعاني من خمسة بثور في جسمه فسيحتاج ما بين ألفين لثلاثة آلاف ليرة أسبوعيًا إذا عالج المرض على حسابه، وهو أمر قد يحول بين البعض وبين العلاج، لذا أنصحهم بالتوجه للمراكز الحكومية رغم طوابير الانتظار التي ستجعلهم ينتظرون من ثلاثة لأربعة أيام على أقل تقدير”.

مناطق المشاع حاضن رئيسي للمرض

يضيف الطبيب أن ثمة مناطق تعتبر حاضنًا أساسيًا للمرض، مثل منطقة مشاع وادي الجوز طريق حلب، ومشاع الأربعين بمنطقة الأربعين، وهي مناطق عشوائيات قام النظام بهدمها لاحتوائها على مسلحين منذ أكثر من عامين، ولم تزل الأنقاض حتى الآن، بحسب توصيف الطبيب، بالإضافة لكون الصرف الصحي في هذه المنطقة غير نظامي، والنتيجة هي انتشار القوارض والحشرات من حملة المرض، وتصديره لباقي مناطق المدينة.

ويتابع منيب بأن مدارس إيواء اللاجئين في حماة تلعب دورًا أساسيًا كذلك في انتشار المرض، موضحًا “المدرسة معدّة لاستقبال الطلاب خلال فترة الدوام الرسمي، وليس لاستخدام عائلي لها 24 ساعة وعلى مدى سنوات، قام النظام ببناء بعض الأحواض لغرض التنظيف والجلي في المدارس لكنها غير موصولة على شبكة الصرف الصحي ما جعل كل مدرسة تخلّف أمامها بركة من المياه الآسنة، أصبحت مرتعًا للجراثيم والأوبئة، عدا عن انتشار القوارض في هذه المدارس وأكوام القمامة أمامها، هل يمكن أن نستغرب انتشار الأمراض في هذه الأجواء الملوثة؟”.

وعن أعداد المصابين في حماة اليوم يقول منيب إنه لم يتم التصريح عن معلومات دقيقة، في ظل محاولة النظام التكتم ورسم صورة طبيعية للحياة، ويتابع “إضافة لعدم مراجعة كثير من حاملي المرض للمراكز وبالتالي عدم شملهم في الإحصائيات، لكن الأرقام التقديرية هي بحدود عشرة آلاف إصابة في حماة وحدها”.

عاطل عن العمل حتى الشفاء

الحاج أبو محمود (65 عامًا) من سكان مدينة حماة، يعمل بائعًا لمواد التنظيف وهو المعيل الوحيد لعائلته، لكنه متوقف الآن عن العمل حتى يتمكن من استخدام يديه، والسبب: حبّة السنة، كما يسميها “لم أشعر بألم عندما ظهرت عدة قرصات في يدي، وظننت أنها من (البق)، لكن عندما بدأت تكبر علمت أنها اللشمانيا وسارعت للمركز الطبي، فمرض اللشمانيا لا يمكن تجاهله”.

هناك حصل العم أبو محمود على الجرعات اللازمة خلال عدة أسابيع من العلاج، لكنه ارتكب خطأً جعل حالته تنتكس “لم تخبرني الممرضة بوجوب الابتعاد عن الماء، وكما تعلمين فاليدان من أكثر أجزاء الجسم تعرضًا للمياه، وهكذا بدأت حالتي تنتكس، كفاي متورمان بالكامل بلون مزرق ولا يمكنني تحريك أصابعي، وهكذا توقفت عن العمل لعدم إمكانية استخدام يديّ وعملي قائم على ذلك”.

منطقة المزاريب وسوق الأغنام

يعمل وليد في منطقة المزاريب، وهي منطقة مشهورة بانتشار ذبابة الرمل، هناك حيث أصيب في وجهه بعدة حبوب “شوهته”، حسب تعبيره، ويقول “منطقة المزاريب من المناطق الأكثر إصابة بحبة اللشمانيا بسبب انتشار تجارة الأغنام والمواشي فيها، مسالخ للجلد ومخلفات الأغنام ورؤوسها وبقاياها، كل ذلك كان يُعالج سابقًا بسيارات بخ بشكل دوري لمنع انتشار الأمراض والحشرات الناقلة لها، لكن اليوم (ما حدا سائل)”.

أُصيب وليد أثناء عمله في تجارة المواشي، وكانت إصابته بليغة وفي وجهه “رغم أنني عالجت المرض عند طبيب خاص إلا أن الآثار مازالت موجودة في أنفي وخدي، تشوه مظهري إلى حد كبير بسبب إهمال البلديات وانتشار القمامة ومخلفات الحيوانات في المنطقة”.

يقول وليد إن المرض منتشر حتى وسط المدينة بسبب الإهمال الشديد، “فمثلًا بين السواتر الإسمنتية التي يقطع عبرها النظام الأزقة الضيقة يتجمع الماء الملوث مع القمامة المتراكمة هنا وهناك”، ويضيف “هل هذه البيئة مناسبة للحياة الآدمية؟ وهل كان ينقصنا مع الحرب والغلاء والخطر انتشار الأوبئة بيننا؟”.

اللشمانيا في أرقام:

    • وثقت أول الإصابات اللشمانيا في سوريا في القرن الثامن عشر عام 1756م بمنطقة حلب في سوريا، مما جعلها تحمل اسم حبة حلب.
    • سورية من البلدان المصنفة وبائياً لانتشار هذا الداء، وتعد محافظة حماه ثاني أكبر بؤرة لتوطنه في سوريا، بعد محافظة حلب، حسب إحصائيات وزارة الصحة.
    • ينتقل المرض من أنثى ذبابة الرمل، وهي حشرة صغيرة تكاد لا ترى بالعين، ذات لون أصفر “تبني”، وتنتقل دون صوت.
    • يُنصح باستخدام طارد للحشرات في المنزت أو “ناموسية” وارتداء ملابس تغطي معظم الجسم، ورش المبيدات الحشرية والقضاء على القوارض.
    • يعالج المرض كل أسبوع موضعياً بالحقن الموضعي أوبالكي أوبالحقن العضلي يومياً حتى الشفاء.

13523980_1011721222217046_834560596_o




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة