فصائل الشمال تقف عاجزة..
اغتيالات متعددة الأطراف مسرحها إدلب
عنب بلدي – خاص
لا يكاد يمر يوم في محافظة إدلب، دون عملية اغتيال واضحة المعالم، أو قتل مجهول الهوية، بات سمة رئيسية في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام السوري، عدا عن استهدافات مباشرة لقادة عسكريين، تحمل بصمات دولية بمبرر “الحرب على الإرهاب“، اكتسبت زخمًا متصاعدًا في الآونة الأخيرة.
انتشرت مؤخرًا عمليات استهداف لنقاط تفتيش ومقار عسكرية تابعة لفصائل المعارضة والتنظيمات الإسلامية في محافظة إدلب عمومًا، تميّزت باستهدافها حصرًا للمقرات المتطرفة أو ضعيفة التحصين، من حيث العدد والعتاد.
ولم تستهدف الهجمات أهدافًا نوعية كالقيادات أو مراكز القيادة والمقرات الكبيرة، بل اقتصرت عملياتها على اغتيالات لعناصر عاديين توكل لهم مهمة التمركز ضمن نقاط التفتيش والحراسة، واتسمت بالتدريب العالي من الناحية الأمنية والعسكرية، فاتبعت أسلوب النشاط في ساعات متأخرة من الليل، واستعملت أسلحة كاتمة للصوت في التنفيذ.
ولم تتبع الهجمات أسلوب الخطف أو الاعتقال، بل كان القتل بدم بارد وخلال لحظات، هو الأسلوب الوحيد المتبع فيها، وعادة ما تستهدف عدة حواجز مترابطة ضمن منطقة جغرافية واحدة وفي نفس التوقيت، وبأسلوب أمني غاية في التطور وغريب عن الساحة، وأقرب ما يكون لحرب “المافيات” المنظمة وعالية التدريب.
ومن العمليات التي أحدثت وقعًا في الشمال السوري نذكر: في 24 تشرين الأول الماضي اغتالت المجموعات المجهولة تسعة عناصر من نقطتي تفتيش تابعتين لفصيلي “فيلق الشام” و”جبهة فتح الشام” في بلدة معرشورين في ريف إدلب، واغتيل العناصر التسعة بأسلحة كاتمة للصوت وفي وقت واحد، ومعظم الضحايا قتلوا بطلقة واحدة في الرأس ومن مسافة قريبة.
وفي 25 كانون الأول الماضي، قتل قياديان من “جيش إدلب الحر” في بلدة “معرة حرمة” في ريف إدلب الجنوبي بأسلحة كاتمة للصوت، بعد أن هاجم مسلحون مقرًا عسكريًا للفصيل خلال ساعات الفجر.
هذه الأحداث وغيرها، فتحت بابًا كبيرًا من التساؤلات عن الجهة الحقيقية التي تقف خلف هذه المجموعات، وعن نوعية التدريب والأسلحة المستخدمة وسبب نشاطها.
عنب بلدي تواصلت مع أحد المسؤولين الأمنيين في محافظة إدلب، طلب عدم كشف عن اسمه، وأفاد أن “استهداف هذه المجموعات لجميع الفصائل، ونوعية عملياتها سواء على مستوى التدريب أو الأسلحة، وحتى توقيت نشاطها، يؤكد تمامًا أن هدفها الرئيسي هو إشاعة الفوضى وخلق اقتتال داخلي بين الفصائل”.
وأوضح المسؤول الأمني “لم نتمكن حتى الآن من تحديد هوية الفاعلين، رغم اتساع نشاط هذه المجموعات، ونكاد نجزم أنه لا يوجد طرف محلي في الساحة السورية يملك القدرة على زرع خلايا نائمة بهذا التدريب العالي، نتابع تحقيقاتنا في الأمر، ولا نستبعد تورط أي طرف إقليمي”.
وكانت صحيفة “إيزفيستيا” الروسية، أكدت في تقرير لها أواخر كانون الأول، أن “حزب الله” اللبناني هو من ينفذ “العمليات الخاصة” في إدلب، بعد أن مدته المخابرات الإيرانية ومخابرات النظام السوري بالمعلومات الكاملة عن أماكن تمركز الفصائل، إلا أن “حزب الله” أو أي جهة أخرى، لم تعلن مسؤوليتها عن مثل هذه العمليات، حتى اليوم.
جثث مجهولة في مناطق جند الأقصى
ويشهد الريف الجنوبي للمحافظة، المحاذي للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في ريف حماة الشمالي، ظاهرة قتل يومي ورمي للجثث على الطرقات.
وعثر صباح الخميس 5 كانون الثاني، على ثلاث جثث لشباب من ريف إدلب الجنوبي، على الطريق الواصل بين قرية التمانعة ومدينة مورك شمال حماة، وانتشلت الجثث، وفق مصادر خاصة تحدثت لعنب بلدي، وأودعت لدى مركز الدفاع المدني في المنطقة، ليتعرف الأهالي على الشباب الثلاثة.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهدت ذات المنطقة حوادث مماثلة، بالتزامن مع اعتقالات تشنها مجموعات مسلحة تابعة لفصيل “جند الأقصى”، وفق مصدر إغاثي عامل في جنوب إدلب، اتهم خلال حديثٍ إلى عنب بلدي، الفصيل بالوقوف وراء عمليات القتل والاعتقال شبه اليومية في المنطقة.
وأوضح طبيب بريف إدلب (رفض كشف اسمه) أن منهجية القتل أو الاعتقال تؤكد أن “الجند” وراءها، بهدف الاقتصاص من عناصر في فصائل محلية، أو أشخاص مقربين من حركة “أحرار الشام”، بينما أشار ناشط حقوقي في ريف حماة الشمالي إلى أن حوالي 20 شخصًا بينهم مقاتلون في “الجيش الحر” اختطفوا وقتلوا ورميت جثثهم في ريف إدلب الجنوبي، وذلك منذ تشرين الثاني الماضي.
تنتشر مجموعات “جند الأقصى” في ريف إدلب، ولا سيما مدن وبلدات خان شيخون، معرزيتا، كفرسجنة، مدايا، الركايا، ويقودها شخصان أحدهما سوري من حماة، والآخر فلسطيني من غزة، وفق المصادر.
وكانت جبهة “فتح الشام” أعلنت في تشرين الأول الماضي قبولها “بيعة” تنظيم “جند الأقصى”، بعد مواجهات وصفت بـ “الدموية” بينه وبين مقاتلي حركة “أحرار الشام” في ريف إدلب.
واتفقت المصادر الثلاثة التي تحدثت إليها عنب بلدي على أن “جبهة فتح الشام” ممثلة بقائدها “أبو محمد الجولاني” تتحمل مسؤولية حوادث الاختطاف والقتل التي تحدث في مناطق نفوذ “جند الأقصى”، في ظل انكفاء فصائل المنطقة عن معالجة الأمر ووضع حد له.
الولايات المتحدة “تصطاد” قادة “الجبهة“
أسبوع دموي عانت منه جبهة “فتح الشام” في إدلب، فازدادت عمليات الاستهداف المباشر من طائرات ترجّح معظم الآراء تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية، فقتل عدد من قياداتها المؤثرين خلال أيام، في مؤشر يوضح إصرار الغرب على استئصال الفصيل رغم إعلان فك ارتباطه عن تنظيم “القاعدة”.
وفي جدول زمني لاستهداف قادة “الجبهة”، فإن أولى العمليات المسجلة ضدها هذا العام، هي ضربة الأحد 1 كانون الثاني، إثر استهداف طائرة دون طيار سيارتين تقل قياديين بارزين قتلا على الفور.
وأكدت مصادر عنب بلدي أن طائرة دون طيار، يرجّح أنها أمريكية، أغارت على سيارة قرب معبر باب الهوى مساءً، تبعتها غارة ثانية على سيارة أخرى في بلدة سرمدا بريف إدلب الشمالي، وتسببت بحسب المصادر بمقتل 12 شخصًا، بينهم ثلاثة قياديين، وهم “خطاب القحطاني”، سعودي الجنسية، و”أبو عمر التركستاني”، و”أبو مصعب الديري”.
يعتبر خطاب والتركستاني، أحد أبرز قيادات الصف الأول في الجبهة، وأشرفا على القيادة الميدانية في معظم المعارك الأخيرة، وكانا من المرشحين ليكونا عضوين في “مجلس شورى” الجسم الجديد، فيما لو تم الاندماج بين الفصائل.
الثلاثاء 3 كانون الثاني، استهدفت طائرة حربية أمريكية من طراز “B52”سجنًا رئيسيًا لـ “فتح الشام” في جبل سرمدا بريف إدلب الشمالي، تسببت بمقتل أربعة معتقلين في سجون الجبهة وهم: وائل ياسين، عدنان سليمان، حسن محمد بكرو، والخمسيني إبراهيم عبد العزيز جلود.
الجمعة 6 كانون الثاني، قتل الشيخ يونس شعيب (أبو الحسن تفتناز)، عضو مجلس شورى “فتح الشام”، جراء غارة جوية على مدينته تفتناز في ريف إدلب.
وشن طيران استطلاع، يرجّح أنه تابع للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، غارة على مدينة تفتناز في ريف إدلب ظهر الجمعة، تسببت بمقتل شعيب وابنه ذي الـ 15 عامًا، وقريبه الشرعي السابق في الجبهة، محمد كمال شعيب (أبو عمر).
لم يقتصر “اصطياد” قادة الجبهة على الطائرات الحربية، أو المسيرة دون طيار، بل نالت العبوات الناسفة من عدد منهم خلال العام الفائت، وهو ما حدث السبت 7 كانون الثاني الجاري، حينما أعلن الفصيل عن مقتل مسؤول “رحبة الآليات”، “أبو محمد الأنصاري”، إثر تفجير عبوة ناسفة في سيارته بريف إدلب.
باتت محافظة إدلب، المركز الرئيسي للمعارضة في سوريا، خلال العام الفائت والحالي، لتصبح في الوقت ذاته مسرحًا لعمليات تصفية واغتيالات بالجملة، وفق أهداف متباينة وغايات محلية وإقليمية، تستهدف بالمقام الأول فصائلها المقاتلة على اختلاف توجهاتها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :