”حتى حماتي تدخلت في سوريا“
لم يدر ببال داعشي أسترالي ذهب للقتال في سوريا أن حماته ستطارده. بحسب صحيفة استرالية، اتصلت هذه السيدة بشركة أمن بلجيكية وشكلت فرقة ولحقت بصهرها لانقاذ أحفادها من تهوره. ليس التدخل في سوريا عيباً أو عسيراً، بل بات أشبه بفتح حساب في مصارف جزر الكناري. بعض المال والسلاح يفتح لك دكاناً.
للدلالة على هذه الخلطة العجيبة، كان لافتاً أمس التخبط في قراءة رسالة أو رسائل استعراض الآليات الأميركية في مدينة القامشلي الكردية السورية. هل هي رسالة لـ”الحليفة“ تركيا لردعها عن التوغل ضد ”العمال الكردستاني“، أم للخصمين ايران وحزب الله، سيما في ظل التصعيد الحالي مع اسرائيل، أم للقوات الروسية المرابطة على بعد كيلومترات؟ أم هل الاستعراض رسالة لتنظيم داعش وجبهة فتح الشام، سيما أن القوات الخاصة البريطانية كانت سجّلت ظهوراً مماثلاً في سوريا لمحاربة الارهاب؟
هذه الحرب مهد لسوء التفاهم. إذا كانت لديك رسالة توجهها، فعليك كتابة العنوان بالتفصيل. قبل يومين على الاستعراض، اغتال مقاتل أوزبكي في مدينة اريحا (الريف الغربي لإدلب)، ”صلاح الدين البخاري“ أمير كتيبة ”الإمام البخاري“ الأوزبكية في حركة أحرار الشام الاسلامية. الخلاف أوزبكي-أوزبكي على أرض سورية.
هذه الحرب أيضاً بحر من التناقضات. على جانب المعارضة، يحلم المقاتلان الشيشاني والتركستاني بتحرير اقليميهما من روسيا والصين تباعاً، وإقامة حكم إسلامي. التركستان استوطنوا بلدات في ادلب ووزعوا على أهلها المزارعين مجلات عن حلم تركستان الشرقية وارتكابات الصين. وأحياناً، يرغب الدواعش الشيشانيون والأوزبكيون والتونسيون بقتل أبناء جلدتهم في الفصائل الأخرى. طريق تحرير الشيشان تمر بشيشاني في فصيل آخر.
لهؤلاء المقاتلين، سوريا قاعدة لألف حلم، حتى الصغير منها. قيادي آذربيجاني في داعش وجه رسالة مُصوّرة الى أبناء بلده، دعاهم فيها للقدوم الى الرقة حيث بإمكانهم تناول كباب الشيشليك الفاخر يومياً. في سوريا اليوم مقاتل جاءها طلباً للكباب.
على جانب النظام، مقاتلون شيعة موالون لإيران يحلمون أحياناً بهزيمة بني أمية والسفياني وظهور الامام المهدي، وأحياناً ببضع مئات الدولارات. بين هؤلاء، مقاتلون أفغان فقراء من أقلية الهزارة، يحلمون باقامات شرعية لهم ولعائلاتهم في ايران. وبينهم أيضاً عراقيون يُدافعون عن نظام كان ممراً لأعدائهم الانتحاريين ابان سنوات الاحتلال الأميركي. على بعد أمتار من هؤلاء ”الخمينيين“، مقاتل أرثوذكسي سوري يُغمض عينيه فيرى بعثاً جديداً للامبراطورية البيزنطية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين. جميع هؤلاء المقاتلين يُحاربون جنباً الى جنب مع رشّة ممانعة.
جيش النظام بات منهكاً. حزب الله والميليشيات الشيعية والقوات الجوية الروسية يُقاتلون نيابة عنه. وبات رأس حربة تقدم المعارضة، قوات تركستانية مقدامة، أو شجاعة المقاتل الأوزبكي والشيشاني. لكل طرف سوري في الحرب كفيل أجنبي يُمسك بزمام الأمور.
بيد أن أحداث الأسابيع الماضية من الضربات والعراضات الاميركية والاسرائيلية والايرانية والروسية وغيرها، حوّلت أي مفاوضات سورية-سورية للتوصل الى تسوية للحرب، من الأستانة الى جنيف، إلى نُكتة من النوع التي يواصل المستمعون اليها الضحك بشكل هستيري.
أحد البرامج الإذاعية الساخرة خلال الحرب اللبنانية، دارت أحداثه في مطعم يطلب فيه الزبائن أكل أبناء طوائف معادية بنكهات ووصفات لبنانية مختلفة مثل ”مسحّب على الفحم“ أو ”شقف“.
لو أردنا تطبيق هذا القالب الساخر على حرب سوريا، سيكون المطعم دولياً فيه المطابخ الشرقية والغربية والقوقازية والآسيوية على أنواعها، جميعها تطهو ضحاياها السوريين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :