السوري عاريًا وسط الذئاب

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

تجري أحداث الفيلم الألماني “عاريًا وسط الذئاب” (Nackt unter Wölfe) في معسكر “بوخين فالد” في ولاية تورينغن في ألمانيا الشرقية في آخر أيام الحرب العالمية الثانية، الفيلم الذي تم تصويره عام 1962 يتحدث عن طفل قتل أبواه في معسكر أوسشفيتز في بولندا، وهو المعسكر الأضخم الذي شيده النازيون هناك وأحرقوا فيه أكثر من مليون ضحية، هذا الطفل أنقذه أسير يهودي بولندي خبأه في حقيبة، حتى حطت به الرحال في معسكر بوخن فالد، وهو معسكر متوسّط الحجم قتل النازيون فيه حوالي 22 ألف إنسان خلال سنوات الحرب الثانية.

يموت الأسير اليهودي في المعسكر، ليتولى مجموعة من السجناء، كانوا قد شكلوا مسبقًا تنظيمًا سريًا بالتعاون مع أحد الإداريين الشيوعيين داخل المعسكر، حماية الطفل، بانتظار الأمريكيين الذين بدأت تتوارد الأخبار أنهم باتوا في العمق الألماني. وفي حبكة درامية يتم إنقاذ الطفل في النهاية، ويحرر السجناء أنفسهم من داخل السجن بعد أن فر معظم النازيين مع تقدم قوات التحالف.

كانت ألمانيا الشرقية من حصة الاتحاد السوفييتي بعد هزيمة النازية، والتي غيرت الكثير هناك ولكنها حافظت على السجن الذي تحول إلى سجن سياسي لمعارضي الشيوعية، ولسبب غير معروف، تم تدمير مهاجع السجناء، وبقي سور المعسكر الضخم وغرفة محرقة الجثث، وأبنية صغيرة أخرى.

سبق وأن زرت المعسكر من قبل، وأنصح السوريين الموجودين في ألمانيا باغتنام الفرصة والاطلاع على مخلّفات نظام لا يشبهه إلا نظام الأسد، ويرى الزائرون أن الذاكرة الألمانية لا تماري في حقيقة لا يقبل الألمان النقاش فيها، وهي تحميل الألمان كشعب المسؤولية عن جرائم النازي. لقد كان الألمان يؤيدون هذا، ويجد المرء على باب المحرقة لوحة تعريفية بالشركة التي اقترحت على النازي بناء المحرقة بطريقة تتيح السرعة و”النظافة” في الأداء مع توفير للطاقة في ذات الوقت، وقد كانت الشركة تعرف تمامًا لأي غرض ستبنى المحارق، ولكنها آثرت السكوت والربح.

كنت أشرت في عدة مقالات سابقة لوجه الشبه بين النازية والأسدية، الأسدية أكثر غباءً وهمجية طبعًا مقارنة بالنازية التي كانت أقرب لروح “الحداثة “ في ذلك العصر، ولكنني أود أن أشير هنا إلى التشابه بين ضحايا النازية وضحايا الأسدية، يقف هؤلاء الضحايا تمامًا كما الطفل في الفيلم المذكور، عراة وسط الذئاب، تقصفهم أسلحة ضخمة الحجم والثمن من كل صوب، ولا ينالون تعاطفًا إلا من أناس يشبهونهم، محدودي العدد والتأثير.

لم يتعرض شعب لهذا المستوى من الاضطهاد البشع وقلة التعاطف كما حصل مع الشعب السوري، ولا حتى ضحايا النازية، لقد كانت حربًا بين محورين عالميين، وفي هذه الحرب جرى تسليط الضوء على ضحايا الطرف الآخر باعتبارهم أبطالًا واجبي التقديس، أما اليوم فلا يوجد إلا حرب على الإرهاب، وهؤلاء السوريون إن لم يكونوا هم الإرهابيين فإنهم على أقل تقدير “حواضن اجتماعية للإرهاب”.

لقد شرد الأسد أكثر من نصف مواطنيه، وقضى على أكثر من نصف مليون (نصف مليون إنسان هو تعداد سكان بعض الدول بالمناسبة)، وسبب إعاقات دائمة لملايين، ثم لا يحظى هؤلاء المنكوبون ولو حتى باحترام على تضحياتهم. يواجه السوري اليوم أينما حل بالشكوك والملامة، وليس نادرًا أن يحمل، وهو المشرد الذي لا يجد قوت يومه، مسؤولية ما حصل له. ويجد القارئ اليوم في كل مكان أخبارًا تتحدث عن ضرورة “إعادة تأهيل الأسد.. أقل الأعداء سوءًا”، بحسب تعبير قادة أوروبيين وغربيين اكتووا بنار النازية سابقًا.

وحملة إعادة التأهيل هذه يشارك فيها سوريون أيضًا بحجج سخيفة تشبههم، من شبيه أن السياسة وكرة القدم شيئان مختلفان لا يجب الخلط بينهما، لماذا لا يلعب المنتخب السوري مع المنتخب الإسرائيلي إذن إذا كانت السياسة وكرة القدم شيئين منفصلين؟ ولماذا لا يكون قائد الاتحاد الرياضي لواءً في جيش الأسد؟ ولكنهم تمامًا كشركة بناء المحارق، آثروا السكوت والربح.

يوما ما سيجتمع السوريون العراة وسط الذئاب في ساحات عامة، كما اجتمع أسرى المعسكر بعد تحريره ويقسمون معًا قسم بوخن فالد: “نقسم أمام كل العالم في هذا المكان الفاشي المرعب، أننا سنناضل حتى إحضار آخر مذنب ليقف أمام قضاة الشعوب، حلّنا هو إبادة النازية مع جذورها، بناء عالم جديد للحرية والسلام هو هدفنا”. عسى الله أن يجعله يومًا قريبًا، إنه نعم المولى ونعم النصير.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة