tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات في عنب بلدي

استراتيجية أمريكية جديدة تُنذر بتصادم مع روسيا

“إن علاقات بلادنا بروسيا تمر بأسوأ حالاتها”، جملة اختصر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في آب العام الماضي، العلاقات الأمريكية- الروسية التي شهدت، ومازالت، توترًا على الساحة السياسية في مناطق نفوذ البلدين.

لكن عمق الخلافات بين الطرفين ظهرت على الساحة السورية، ليظهر جليًا الخلاف بعد وصول ترامب إلى السلطة في بداية 2017، وتصريحاته المتكررة حول ضرورة إعادة “الهيبة الأمريكية” التي تراجعت في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، في عدة ملفات أهمها أوكرانيا والملف السوري، والتي سمحت بظهور روسيا كرقم أول في معادلة الشرق الأوسط، وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي، في تموز الماضي، بقوله إن “الوجود الروسي في سوريا ليس إلا نتيجة لأخطاء ارتكبتها الإدارة الأمريكية السابقة، ولو قام الرئيس أوباما بتنفيذ ما كان يجب عليه القيام به، فحسب اعتقادي، لم نكن لنرى أي وجود لروسيا وإيران في سوريا اليوم”.

نقاط توافق بين الاستراتيجية الأمريكية والمعارضة

بعد عام على وصول ترامب إلى البيت الأبيض وضعت الإدارة الأمريكية استراتيجيتها في سوريا خلال المرحلة المقبلة، ولخصها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، خلال حديثه في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، في 17 كانون الثاني الجاري، بالبقاء في سوريا للقضاء على الإرهاب والنفوذ الإيراني، والتوصل إلى حل سياسي دون رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

عضو الهيئة التأسيسية في الائتلاف السوري المعارض، أحمد رمضان، قال في حديث إلى عنب بلدي إن “السياسة الأمريكية تأخرت في تحديد رؤيتها، نتيجة عدة عوامل، منها اعتراف أمريكي بالخطر الإيراني في سوريا وتأثيراته أيضًا على الاستقرار في الدولة السورية، وهو يأتي بالتوازي مع خطر الإرهاب العابر للحدود”.

الاستراتيجية الأمريكية تشترك مع المعارضة في عدة نقاط، بحسب رمضان، وهي “خطر الإرهاب من ناحية والخطر الإيراني من ناحية أخرى، وأيضًا الحاجة ليس فقط إلى الاستقرار في سوريا، وإنما إلى الحل السياسي الشامل والكامل الذي يتيح إعادة بناء الدولة السورية، وفق نظام سياسي جديد يستند إلى مرجعية جنيف وقرارات الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن الملاحظات حول هذه الموضوع هي “الحاجة إلى وجود آليات لتطبيق هذه الرؤية من ناحية، والتأكيد على مسألة مهمة تطرق لها تيلرسون في حديثه، وهي لا مستقبل لبشار الأسد في سوريا، لأن هذا الموضوع نعتبره هو الأساس، ومعالجة كل القضايا يمكن أن تعالج إذا تم إزاحة هذه المنظومة الفاسدة التي تعتبر هي شريكة للإرهاب ولإيران ولكل المنظمات الإرهابية”.

تعارض مع الرؤية الروسية

الاستراتيجية الجديدة لأمريكا تتعارض مع رؤية روسيا، التي تسعى إلى فرض حل سياسي في سوريا عبر مؤتمر حوار وطني لكافة الأطياف السورية تحت مسمى “الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي أواخر الشهر الجاري، وبالتالي فرض قرارات المؤتمر على الأمم المتحدة وإسباغ الشرعية الدولية عليه، الأمر الذي يجعل مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة في مهب الريح.

لكن الكثير من المحللين يعتبرون أن أمريكا لن تسمح لروسيا بالانفراد في الحل وأنه لا حل سياسي دون الموافقة الأمريكية، لذلك تعمل واشنطن على إفشال سوتشي قبل عقده عن طريق إقناع حلفائها في الأمم المتحدة بعدم الاعتراف به، وهو ما دفع موسكو إلى اتهام واشنطن بعرقلة المؤتمر عبر تصريحات تؤثر سلبًا على موقف المعارضة السورية، وتدفع بمجموعات من المعارضة إلى عدم اتخاذ مواقف واضحة من المؤتمر، في إشارة إلى “الهيئة العليا للمفاوضات” التي حذرت من “خطر” يمكن أن يشكله “سوتشي.

حرب باردة جديدة

تصريحات تيلرسون والاستراتيجية الأمريكية قد تؤدي إلى زيادة التوتر بين الطرفين الباحث كل منهما عن بسط سيطرته على سوريا من بوابة الشرق الأوسط، ليدفع الثمن الشعب السوري الذي تحول إلى ضحية الصراعات الدولية، وهو ما أكد عليه رمضان من خلال دعوته كافة الأطراف الدولية والإقليمية إلى “تحييد حالة الاستقطاب والصراعات الموجودة فيما بينها عن السوريين وآلامهم، لأن الشعب السوري قدم تضحيات كبيرة، ونفترض أنه يجب على الجميع تحييد صراعاتهم البينية أو حالات الاستقطاب، بما فيها خلق مناطق نفوذ للدول الكبرى، كما يحصل الآن بالنسبة للطرفين الأمريكي- الروسي”.

وحول إمكانية نشوب صدام أمريكي- روسي، لفت رمضان إلى أن اعتبار حالة الاستقطاب بين الطرفين موجودة فقط في الوضع السوري ربما لا يكون دقيقًا، لأن هناك قضايا كبرى بين الطرفين والتي هي تعقد الوضع في سوريا.

وأشار إلى أن “ما هو موجود من أزمات في العلاقة الأمريكية- الروسية أكبر من الوضع في سوريا”، معتقدًا أنها “واحدة من المشكلات الكبرى التي تواجه الطرفين، والتي من الممكن أن تتطور إلى ما هو أكبر من حالة الاستقطاب الحالية، إلى مستوى متقدم في الحرب الباردة، وربما تشهد مناطق ساخنة أو حروب بالوكالة كما تسمى”.

عناصر من الجيش الحر على طريق حارم شمالي حلب – 2015 (رويترز)

تركيا “تتأرجح” على حبلين

كانت تركيا لاعبًا أساسيًا في سوريا، واستطاعت أن تحقق جزءًا من المساعي التي ترنو إليها بالسيطرة على مساحة واسعة من ريف حلب الشمالي والشرقي ووضعها في يد فصائل “الجيش الحر” التي تتلقى تمويلًا منها.

مع بداية 2018 الجاري ازداد زخم التدخل التركي على الساحة السورية، لتبدأ مرحلة جديدة باللعب على حبلين الأول مع روسيا والثاني مع أمريكا في آن واحد، رغم تضارب المصالح بين الطرفين.

وتشير التحركات العسكرية في محيط مدينة عفرين التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” (الكردية) ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة إلى تحول قد يفضي إلى صدام جديد على الساحة السورية، رأس حربته الأقطاب الثلاثة (تركيا، أمريكا، روسيا).

تساؤلات وتكهنات عدة طرحت عن الغاية التي تريدها تركيا من اللعب على الوتر الروسي والأمريكي في ذات الوقت، وبينما عزاه البعض إلى تأرجح في المواقف دخلت فيه الحكومة التركية بعد سنوات من النزاع، ربطه آخرون بتشتت تشهده الحكومة التركية بين حماية الأمن القومي لها من جهة، والاستمرار بدعم الفصائل المعارضة للنظام السوري من جهة أخرى.

بحسب المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، تعيش تركيا صعوبات كون روسيا مع النظام السوري وتسعى لإكمال سيطرته على الأراضي السورية بالكامل، ويقابل ذلك دعم الولايات المتحدة الأمريكية للقوات الكردية المصنفة على قوائم الإرهاب لدى أنقرة.

واعتبر أوزجان، في حديث إلى عنب بلدي، أن الوضع الحالي لا يمكن وصفه باللعب على حبلين، إذ تعيش تركيا “موقفًا لا تحسد عليه”، دفعها للتأرجح على كافة القوى اللاعبة المؤثرة في الملف السوري.

“الموقف التركي صعب حاليًا”، وقال أوزجان إن جميع التطورات والتحركات التركية حاليًا تتوقف على نفسها فقط، وما يدور على حدودها هو عملية لحماية الأمن القومي الذي يعتبر على قائمة الأولويات لها.

ومن وجهة نظر أوزجان تريد تركيا أن تكمل ما بدأته سابقًا في “درع الفرات”، والهدف الأساسي لها حاليًا هو أن تجعل المنطقة الشمالية من سوريا آمنة، بعدما تعثرت في الأشهر الماضية بسبب تدخلات من القوى المضادة بينها أمريكا وروسيا، والتي كانت أولى خطواتها الدخول إلى مدينة منبج، منتصف 2017 الماضي.

وبحسب ما يظهره الموقف التركي والتصريحات الأخيرة ترتبط محافظة فصائل المعارضة على إدلب بمصير المقاتلين الكرد في عفرين ومنبج، التي بدأ الأتراك عملياتهم على الأرض لتأمينها بتنسيق مع روسيا وإيران.

وجاءت التطورات التركية بعد جمود روسي حول ملف عفرين، وغياب الجدية بخصوص خروج الوحدات الكردية من المنطقة، أو كبح دورها العسكري في المنطقة، الأمر الذي دفع أنقرة لمجموعة نقاط من شأنها إفشال “سوتشي” التي تصر على عدم مشاركة الكرد فيه، وهو ما تسعى إليه أمريكا التي تعادي تركيا بدعم “حزب الاتحاد الديمقراطي” (pyd) في سوريا.

فيما يخص العمل السياسي تعمل تركيا على مسارين حاليًا: الأول “جنيف” الذي يشهد تحركًا أمريكيًا، والثاني “سوتشي” الذي تروج له روسيا.

ومع ذلك لدى تركيا تحفظات بالنسبة لـ “سوتشي”، وهي مشاركة الكرد، كما لها مواقف سلبية بالنسبة لـ “جنيف” الذي يربط أمريكا التي لا تدعم بشكل علني فصائل “الجيش الحر” على عكس القوات الكردية.

وأوضح المحلل التركي أن هناك رؤى مختلفة للدول الراعية للملف السوري ولا تتوافق فيما بينها حتى الآن، وتختلف رؤية تركيا عن جميع الرؤى الدولية الأخرى، إذ تريد إلى حد ما أن تحافظ على مصالحها وأمنها القومي ودعم فصائل “الجيش الحر” والشعب السوري إن أمكن.

بينما قال عضو وفد “الهيئة العليا للمفاوضات”، فراس الخالدي، إن أولويات الحكومة التركية هي ضمان عدم قيام دولة كردية، لكن من أسهم وساعد في تحركها هو حزب “pyd” وإعلانه علاقته مع “pkk” وتصريح أمريكا الأخير الذي أشار بصراحة أنه لا يدعم قيام دولة كردية.

واعتبر الخالدي، في حديث إلى عنب بلدي، أن المطلوب في الوقت الحالي وقف نشاط “pyd” ما يلغي ذريعة الأتراك، أي إعلان من “pyd” أنه حزب سوري ويؤمن بوحدة سوريا أرضًا وشعبًا ووقف ممارساته، التي وصلت في وقت ما إلى جريمة حرب وتهجير ديموغرافي بحق الشعب السوري.

ولا يمكن تجاهل المسار التركي- الإيراني في سوريا، والذي وصفه أوزجان بنوع من التناغم على فترات، إذ لا تجد إيران أي توافق مع تركيا، بينما تسير تركيا على مسار واحد بناء على مدى موافقة إيران لمواقفها، ولديها تحفظات وفي بعض الأحيان تضطر لكسبها فقط على مستوى التعامل الواقعي.

هل تكون إيران في قوائم الخاسرين؟

بالتزامن مع تعاظم الدور الروسي والأمريكي والتركي في سوريا وتضارب المصالح، وعلى خلاف السنوات الماضية، غاب اللاعب الإيراني عن رسم السياسة في سوريا، في مشهد يطرح مؤشرات قد تفضي إلى احتمالية انحسار دوره وسط ازدياد نفوذ القوى الدولية الأكبر منه.

هل تكون إيران الطرف الخاسر في سوريا؟ سؤال طرح بكثرة في الأيام الماضية، ورد عليه محللون بأنها نتائج أولية لخطوات أمريكية تسعى إلى كبح “المد الإيراني” في الشرق الأوسط وخاصة في سوريا، وسلسلة إجراءات تسير فيها روسيا وإسرائيل بشكل توافقي.

وبحسب المعارض السوري فراس الخالدي، ماتزال إيران حتى اللحظة طرفًا فاعلًا ولم يتغير تعاطيها مع المشهد الدولي، إذ “تعودنا على أن يكون ردها مجازر وأفعالًا يندى لها جبين الإنسانية”.

وأوضح أن المجتمع الدولي وكل تحركاته لم يغير في الموقف الإيراني الفعلي ولا يمكن بناء أي تقييم حاليًا، ولا يمكن بناء موقف على ما يحصل في الداخل الإيراني في الوقت الحالي.

وتقارب رأي العميد في “الجيش الحر” وعضو وفد أستانة سابقًا، أحمد بري، مع حديث الخالدي، فاعتبر أن إيران مايزال دورها فاعلًا في سوريا، قائلًا إنها تبدي شيئًا في العلن وتعمل على عدة مخططات في السر.

وأضاف بري لعنب بلدي أن المشروع الإيراني في تشييع المنطقة قائم حتى الآن، ولا يمكن أن تتراجع عنه خاصةً بعد الخسائر التي تكبدتها في السنوات السابقة.

لكن ومع ذلك يصطدم المشروع الإيراني في سوريا بالرفض الأمريكي، الذي يسعى جاهدًا إلى تحجيم دوره في سوريا شأنه كشأن تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو ما أكده مسؤولون أمريكيون بسلسلة تصريحات سابقة.

ويشكل تعاظم الدور الأمريكي في سوريا حاليًا خطرًا على المشروع الإيراني، إذ تسير الولايات المتحدة الأمريكية بإجراءات بدأت بوادرها بالظهور مطلع كانون الثاني باستقبال قادة في “الجيش الحر” لبحث إمكانية تفعيل الدعم العسكري من جديد لمحاربة “الإرهاب” والميليشيات الإيرانية.

وترفض إسرائيل أيضًا المشروع الإيراني في سوريا، خاصة في الجنوب السوري الذي شهد استهدافات طالت قواعد إيرانية في محيط العاصمة دمشق ومحافظة درعا.

ودخل الطرف الإيراني في أواخر 2017 الماضي كقوة بارزة في الجنوب السوري، متجاهلًا اتفاقيات الدول الأخرى (روسيا، أمريكا، الأردن، إسرائيل).

وتشير تحركات طهران إلى أنها تنوي الوصول إلى إحدى الجبهتين: إما الوصول إلى حدود الجولان، أو إلى الحدود الأردنية، لكن بخطىً بطيئة تعرقل حركتها إسرائيل التي أعلنت على العلن بحثها مع روسيا منع وصول إيران إلى حدودها.

وفي تقرير سابق لمعهد “بحوث إعلام الشرق الأوسط” الإسرائيلي (ميمري) منتصف 2017 الماضي، قال إن “إيران تحولت إلى المشكلة الجوهرية الأولى التي تواجه روسيا في سوريا، وتقلص فرص تحقيق المصالح الروسية هناك”.

وأشار “ميمري” إلى أن روسيا تتعامل مع إيران على أنها “دولة متقلبة لا يمكن توقع سلوكها بشكل مسبق”، مرجّحًا نجاح الآلية التي سيتبعها ترامب في مواجهة إيران.

وذهب إلى أن الروس يسعون حاليًا إلى تصفية الدو الإيراني في سوريا بشكل تدريجي، مشيرًا إلى أن الإيرانيين “واثقون من أن الروس معنيون بتركهم لتحقيق مصالح أخرى”.

وتعتبر الدول المؤثرة في جنوبي سوريا أن وصول الميليشيات الإيرانية إلى الحدود السورية- الأردنية والحدود مع الجولان المحتل “خط أحمر إقليمي”، ما استدعى تدخلات مباشرة فشلت في كبح محاولات التوسع، على خلفية طرق التفاف اتبعتها إيران في الأشهر الماضية.

باحث سوري: عودة أمريكية للعبة السورية.. إيران خاسرة

للوقوف على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا، التقت عنب بلدي الباحث في مركز “عمران” للدراسات ساشا العلو، الذي قال إن “هناك ملامح استراتيجية أمريكية جديدة، لكنها ماتزال غير واضحة المعالم، ويمكن تلمس خطوطها العامة بالنية الأمريكية لإبقاء قواعدها في سوريا مع تغيير حجة ومبرر وجود هذه القواعد من مواجهة تنظيم داعش فقط إلى مواجهة النفوذ الإيراني، الحجة التي تعتبر مفتوحة الأمد والتي يصعب تحديدها بإطار زمني كحرب التنظيم، وضمن هذه الاستراتيجية الجديدة والمبهمة أو غير واضحة المعالم، يندرج الموقف الأمريكي والأوروبي الرافض والمعرقل لعقد مؤتمر سوتشي بالصيغة التي تريدها موسكو، إضافة إلى عرقلة عملية إعادة الإعمار وربطها بالحل السياسي بصيغته المرضية للولايات المتحدة وأوروبا، وجملة هذه المواقف تعكس ميلًا لدى الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة كلاعب رئيسي ومباشر في الملف السوري، على عكس توجه الإدارة السابقة والتي كانت تحاول الانسحاب من ملفات الشرق الأوسط لصالح قوى إقليمية ودولية أخرى (روسيا، تركيا، إيران)”.

وأضاف العلو أن هذا التوجه الجديد للإدارة الأمريكية، لا يعني وجود رغبة أمريكية بتقويض الجهد الروسي العسكري والسياسي المنجز في الملف السوري، وإنما الهدف من تعطيل أو محاولات عرقلة “سوتشي” عدم السماح لموسكو بتقويض الجهد الدولي للحل السياسي المتمثل بمسار جنيف وإعطاء روسيا نصرًا منفردًا في أزمة دولية كالأزمة السورية، التي عجزت عن حلها أمريكا وأوروبا لسنوات.

لذلك يعتقد الباحث بأن سوتشي لن يعقد إلا في حالة واحدة، وهي أن تتمكن موسكو من تقديم تنازل يتمثل بتطويع رؤيتها للحل السياسي في سوريا بشكل يتقارب مع الرؤية الأمريكية الأوربية، ولكن بالمقابل فإن التعاطي الأمريكي الأوربي مع روسيا فيما يخص الملف السوري يتعلق بجملة ملفات عالقة وليس فقط سوريا، ومنها أوكرانيا والتحركات العسكرية الروسية في القطب الشمالي بشكل يهدد الدول الاسكندنافية، إضافة إلى الدعم الروسي لكوريا الشمالية.

مخططات روسيا في سوريا ستواجه بعراقيل أمريكية التي تمتلك أدوات عدة لعرقلة أي حل سياسي غير مرض بالنسبة لها وتحديدًا من جانب موسكو، بحسب العلو، عن طريق عدة مستويات، فعلى المستوى السياسي تملك الولايات المتحدة تحالفًا مع مؤسسات المعارضة الفاعلة بشكل يمكنها من تعطيل أي حل سياسي دون وجود شريك، كما يحدث الآن في رفض المعارضة السورية لسوتشي، مقابل عدم الاعتراف بأي بديل معارض تحاول موسكو خلقه.

أما على المستوى العسكري، فالوجود الأمريكي المباشر على الأراضي السورية عبر القوات والقواعد العسكرية، من شأنه خلق توازن قوى مع روسيا، بشكل يمنعها من استغلال وجودها العسكري لفرض الحل السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي فالولايات المتحدة الأمريكية من خلال حلفائها (الاتحاد الأوربي والدول الخليجية) قادرة على عرقلة عملية إعادة الإعمار، كون حلفاء النظام (الصين، روسيا، إيران) عاجزين عن القيام بالعملية بمفردهم، إضافة إلى ذلك فإن منطقة الانتشار العسكري الأمريكي شرق الفرات تؤمّن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الموارد الأساسية للاقتصاد السوري بشكل يجعل من المستحيل تطبيق أي حل بعيدًا عن الرؤية الأمريكية.

وحول الخطوط العامة للسياسة الأمريكية في سوريا أكد العلو أن السياسة الخارجية الأمريكية للإدارة الجديدة غير واضحة المعالم حاليًا، ولكن يمكن من خلال قراءة العودة العسكرية الأمريكية إلى العراق وسوريا وتصريحات الرئيس الأمريكي وإدارته، استشراف الخطوط العامة لهذه السياسة، والمتمثلة في الانقلاب على سياسة الإدارة السابقة في الانسحاب من ملفات الشرق الأوسط وإدارتها من الخلف والعودة المباشرة لأمريكا لتكون هي المحرك الأساسي للسياسة في الشرق الأوسط ونقطة التوازن فيه.

الاستراتيجية الأمريكية ستؤثر على النفوذ الإيراني، بحسب العلو، الذي أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أن وجودها في سوريا بعد إنهاء التنظيم بهدف تطويق النفوذ الإيراني، وبأنها ترى مستقبل سوريا بدون الأسد، كما أعلن وزير الخارجية، تريلسون منذ أيام، فهذا معناه أن إيران إن لم تكن مهزومة في سوريا فلن تكون منتصرة، هذا بالإضافة إلى عزم الرئيس ترامب على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران أو استمرار العقوبات الاقتصادية بسبب برنامج الصواريخ البالسيتية الإيرانية، الأمر الذي يعني استمرار الأزمة الاقتصادية في إيران وتحديد قدرتها على دعم أذرعها في المنطقة، ما سيؤثر على قدرتها على دعم النظام السوري على المدى البعيد.

ما يعزز أيضًا فرضية عدم النصر الإيراني في سوريا، هو وجود موسكو التي تعتبر سوريا منطقة نفوذ حيوية لا تقبل القسمة مع طهران، إضافة للضغوط التي تتلقاها موسكو من إسرائيل لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، كل ذلك إلى جانب أن النفوذ الإيراني في سوريا مرتبط فقط بوجود ميليشياتها الأجنبية والتي من المستحيل استمرار بقائها ضمن أي حل في سوريا، أما موسكو فتملك العديد من الحلفاء السوريين على مستوى الجيش والطائفة العلوية وعموم مؤيدي النظام، ولديها القدرة على استمالة حتى من جندتهم إيران مؤخرًا من العنصر السوري.

قواعد عسكرية تديرها الدول الفاعلة داخل سوريا

تدير الدول الفاعلة في الملف السوري قواعد عسكرية في مناطق مختلفة، ضمن مناطق سيطرة أطراف النزاع، وتعرض عنب بلدي أبرز تلك القواعد التي أنشأتها كل من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران على الأراضي السورية.

طائرات روسية في قاعدة حميميم بريف اللاذقية (سبوتنيك)

قواعد أمريكية

أٌنشأت أمريكا جنوب شرقي مدينة الرميلان في الحسكة، أول قاعدة جوية لها داخل سوريا، في تشرين الثاني 2015، بعد أن حوّلت مطار “أبو حجر” الزراعي إلى مطار عسكري، مستقدمةً مروحيات كخطوة أولى لتنسيق عملياتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق.

وجهّزت الولايات المتحدة المطار بفنّيين، ووسعت مدرجاته ليصل طولها إلى 2500 متر، وفق مراقبين.

القاعدة الثانية تقع في بلدة خراب عشق، قرب مدينة كوباني (عين العرب)، وعلى مسافة 90 كيلومترًا شمالي مدينة الرقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ويبعد قرابة 35 كيلومترًا عن الحدود التركية.

ويضم طائرات حربية ومركزًا عسكريًا للدعم اللوجستي، وقال الفريق أول في القوات الأمريكية، كارلتون إفيرهارت، نيسان 2017، إن المطار “سيلعب دورًا مهمًا في نقل المستلزمات والمعدات والأفراد”، وفق وكالات.

ووفق مراقبين تدير أمريكا ثلاثة مواقع عسكرية أخرى في الحسكة، أولها في بلدة تل بيدر شمالي المحافظة ويضم عناصر القوات الخاصة الأمريكية، إلى جانب موقع في الشدادي جنوبًا، لدعم عمليات “قسد”، فضلًا عن موقع في منطقة تل تامر الزراعية على الحدود السورية- التركية، وقواعد في صرين غربي “كوباني”.

وتدير الولايات المتحدة قواعد عسكرية في كل من الرقة ومنبج.

وأنشأ التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، قاعدة التنف بإشراف بريطاني- ردني، في أيار 2016، على الحدود الأردنية- العراقية، وكان منطلقًا للعمليات ضد التنظيم في المنطقة.

ودُرّبت فصائل عسكرية في “الجيش الحر”، داخل القاعدة التي تعتبر كغرفة عمليات مشتركة، وأبرز تلك الفصائل: “جيش مغاوير الثورة”، “أسود الشرقية”، “جيش سوريا الجديد”، وتقتصر إدارتها اليوم على أمور لوجستية، بعد أن سيطرت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها على كامل المنطقة المحيطة بها، حزيران 2016، قبل تقدمها إلى البوكمال.

روسيا تحتفظ بقاعدتين

احتفظت روسيا بقاعدتين عسكريتين في سوريا، بعد الزيارة المفاجئة للرئيس التركي، فلاديمير بوتين، إلى قاعدة حميميم، كانون الأول الماضي، والتي تقع على بعد 23 كيلومترًا جنوبي مدينة اللاذقية، وتبعد عن مدينة جبلة نحو خمسة كيلومترات، وعن القرداحة قرابة 14 كيلومترًا، وغدت مقرًا للجنود الروس، منذ أيلول 2015، مع بداية التدخل الروسي.

وتضم القاعدة منظومات دفاع جوي ومروحيات وطائرات حربية روسية، استخدمتها روسيا بشكل أساسي في العمليات العسكرية الأخيرة المساندة لقوات الأسد، وأعلنت مؤخرًا عن سحب بعضها إلى روسيا، عقب زيارة بوتين لها.

وبقيت قاعدة طرطوس العسكرية التي أنشأتها روسيا عام 1971، كقاعدة بحرية اقتصرت على الدعم اللوجستي وتموين السفن، وعقب عام 2011 شهدت نشاطًا ملحوظًا، ازداد لاحقًا تزامنًا مع إعلان موسكو تدخلها العسكري لصالح النظام.

وألمحت روسيا لإمكانية وصول طرادات نووية إلى القاعدة، بموجب قرار المصادقة من مجلس الاتحاد الروسي (الدوما) على قرار توسيع قاعدة طرطوس، كانون الأول الماضي.

قواعد تركية في حلب

أنشأت تركيا بعد دخولها سوريا عسكريًا، من خلال عملية “درع الفرات”، آب 2016، قواعد عسكرية في الريفين الشمالي والشرقي لحلب، إلا أنها لم تعلن عنها بشكل رسمي.

وتقع القاعدة الأولى في بلدة دابق شمالًا، وقد خُصصت للأفراد فقط، دون وجود أي عتاد عسكري ثقيل، بينما تحتضن بلدة أخترين القاعدة الثانية، والتي تضم مدافع وعتادًا عسكريًا ثقيلًا، وتستهدف منها أنقرة مواقع “قسد” في تل رفعت ومنغ، والقرى المحيطة بها.

كما أنشأت القوات التركية قاعدة في جبل الشيخ عقيل، المطل على مدينة الباب بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها، مطلع 2017، وتحوي مدفعية ثقيلة وعتادًا عسكريًا، وفق مصادر عنب بلدي.

ووزعت تركيا خلال الأشهر الماضية نقاط مراقبة بموجب اتفاق “تخفيف التوتر”، وتضمنت انتشارًا لآليات عسكرية وجنودًا أتراكًا.

كما نشر الجيش التركي مطلع كانون الثاني الجاري، منظومة صواريخ دفاع جوي في مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، المجاورة لمدينة عفرين، التي تخضع لسيطرة “وحدات حماية الشعب” الكردية، في إطار التجهيزات لهجوم مرتقب قد تشهده المدينة.

نقاط انتشار إيرانية

أنشأت طهران قاعدة عسكرية دائمة خارج منطقة الكسوة جنوبي العاصمة السورية (دمشق)، بحسب ما أفادت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، والتي نقلت عن مصدر في أجهزة الاستخبارات الغربية، تشرين الثاني الماضي، أن إيران أقامت مجمعًا في موقع تابع لقوات الأسد خارج منطقة الكسوة، على بعد حوالي 50 كيلومترًا من مرتفعات الجولان.

وتدير إيران مقرًا قرب مطار دمشق الدولي، يعرف باسم “البيت الزجاجي”، وهو مبنىً محصن ذو جدران مضادة للانفجار، مؤلف من خمسة طوابق ويحوي 180 غرفة، يحرسه حوالي ألف عنصر مسلح، وفق تقارير غربية.

وذكرت تقارير إسرائيلية، في تموز 2017، أن إيران استأجرت مطارًا من النظام في الأراضي السورية، مشيرةً إلى مفاوضات لإقامة قاعدة جوية برية يتمركز فيها مقاتلون من الميليشيات التابعة لإيران وسط سوريا، فضلًا عن قواعد في مناطق مختلفة من البلاد.

كما عززت طهران من انتشارها في مدينة البوكمال، شرقي دير الزور، التي سيطرت عليها مع قوات الأسد، في تشرين الثاني الماضي، وتعتبر استراتيجية بالنسبة لإيران، كونها بوابة الحدود السورية- العراقية، وممرًا للطريق البري الذي تهدف إيران لفتحه من طهران إلى البحر المتوسط.

سوريون منقسمون حول موقف واشنطن من الهيمنة الروسية

بالحديث عن الهيمنة الروسية على الملف السياسي في سوريا، أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني للكشف عن رأي عينة من الشارع السوري فيما إذا كان القطب الآخر من العالم، والمتمثل بالولايات المتحدة، سيسمح لموسكو بذلك.

ما يقارب ألف شخص شاركوا في الاستطلاع الذي جاء السؤال فيه بصيغة: برأيك، هل ستسمح أمريكا لروسيا بالتفرد بمسار الحل في سوريا؟

غالبية المستطلع رأيهم بنسبة 52% رأوا أن واشنطن لن تسمح لروسيا بإدارة الحل السياسي وحتى العسكري في سوريا، سواء بدعمها لقوات الأسد على الأرض وزيادة المساحات المسيطر عليها، أو حتى من خلال المؤتمرات والمحادثات السياسية التي دعا إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمتمثلة بشكل رئيسي في مؤتمر “سوتشي” التي دعيت إليه واشنطن كـ “ضيف شرف”.

أحمد طالب رأى أن روسيا هي “الحارس الشخصي” للولايات المتحدة في سوريا، وكتب معلقًا “روسيا تأخذ أوامرها من أمريكا وتفعل ما يملى عليها ولكن من تحت الطاولة”.

وكذلك لم يختلف رأي محمد الخاني عن سابقه حين علّق “روسيا لا تعدو كونها منفذ لأوامر أمريكية”.

في حين رأى مشاركون آخرون في الاستطلاع، بنسبة 24%، أن زمن الولايات المتحدة “انتهى” وأن روسيا أصبحت القطب الرئيسي والأول في الحالة السورية، والآمر الناهي الوحيد على الأرض.

وكتب محمد عبدي معلقًا على الاستطلاع “هل تعلم أن أمريكا انتهت وتلعب الدقائق الأخيرة”، فيما قال أبو ديب مغلاج “روسيا بإشارة واحدة منها يمكنها حل المشكلة في سوريا، لكن عندما تريد”.

وباعتباره ملفًا معقدًا تداخلت فيه أطراف عدة، أظهر الاستطلاع حيرة 24% من المستطلع رأيهم حول الموقف الأمريكي من روسيا، وأبدى المشاركون استياءهم مما وصل إليه الحال في سوريا، متحدثين عن تقسيم محتمل.

وقال مأمون بودقة “يا حرام صرنا لعبة ونحن مالنا علاقة”، وتابع “لسا عم يطبخوا ع نار هادية”.

فيما قال خالد البكور “سيتقاسمون سوريا، أمريكا شرق سوريا، روسيا غرب، تركيا شمال، وإيران ستأخذ الممرات للدول الأربع”، وقصد بها إيران والعراق وسوريا ولبنان ضمن ما يعرف بـ “الهلال الشيعي”.

مقالات متعلقة