لماذا يُلاحق الأسد رجال أعماله
ليس صُدفة التزامن بين انتهاء النظام من معارك دمشق ومحيطها، وتردد أنباء عن ملاحقة رجال أعمال سوريين كانوا حتى وقت قريب جداً، من المحظيين عند آل الأسد ومخلوف، وشركاء لهم. وهذه الشخصيات المالية لعبت دوراً أساسياً في إطالة عمر النظام، وتمويل ميليشياته، من فروع “الدفاع الوطني” إلى صقور الصحراء.
لطالما كان رجال الأعمال طبقة مُدللة عند النظام، يحظون باستقرار دائم. لكن في زمن الحرب والعقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، لجأ النظام الى شخصيات مغمورة لتلعب دور الواجهات المالية، وإنشاء ميليشيات محلية وتوفير الدعم المالي المطلوب لها. ورغم دور هذه الطبقة من أثرياء الحرب في دعم الجيش السوري، فإن هناك مؤشرات إلى تحوّل في سياسة النظام حيالها لاحتواء نفوذها وتطويعها في المرحلة المقبلة.
أول المستهدفين بإجراءات للنظام كان أيمن محرز جابر، أحد رجال الأعمال النفطيين والممول الرئيسي لميليشيات “صقور الصحراء” و”مغاوير البحر” الخاضعة لقيادة شقيقه محمد. نوعية الإجراءات، من سحب عناصر حرس جابر وسياراته المصفحة والآليات وتجميد الأرصدة ووضع سقف لعمليات السحب النقدية، يُوحي بعملية تحجيم لدور هذا الرجل، رغم علاقته بماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، وأحد القادة العسكريين الرئيسيين. ولا يبدو أن سبب الملاحقة اقتصادي أو مالي صرف، بل له أبعاد عسكرية وأمنية.
الشخصية الثانية المستهدفة هي وسيم قطان. لم يكن قطان، وفقاً لتقارير إعلامية، معروفاً قبل الحرب السورية، بل تولى مركزاً إدارياً في مجموعة رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، وأبرز الوجوه المالية في البلاد. وقطان المستثمر في مول قاسيون وفندق بوابة الجلاء في دمشق، تعرض إلى انتقادات من الإعلام الرسمي السوري. تحديداً، كتبت صحيفة “تشرين” الموالية مقالاً اتهمت فيه قطان بالتعدي على ممتلكات الدولة عبر توسيع مبنى المول، وبالحصول على دعم من المال العام. وكانت مواقع الكترونية موالية نشرت قبل شهور قليلة شائعات عن فرار قطان بعد التأخر في إنجاز أحد المشاريع. لم يُعرف شيء عنه.
والشخصية الثالثة التي يتردد اسمها، مالية-أمنية أيضاً: رجل الأعمال مجد سليمان (نجل اللواء بهجت سليمان). كان لسليمان، وفقاً لوسائل اعلام المعارضة، دور في تمويل بعض الميلشيات أسوة برجال أعمال آخرين. وهو يملك حضوراً مالياً في لبنان عبر شركات مسجلة قانونياً، وكذلك أيمن ومحمد وابراهيم جابر.
في بازار الأسماء المستهدفة بعد أيمن جابر، كثيرون، وعلى رأسهم بسام مرهج أو باسم الحسن، أحد مؤسسي ميليشيا الدفاع الوطني ومن الشخصيات الأمنية-العسكرية القريبة من النظام السوري. وهذا الأخير اسم من العيار الثقيل، لذا لا يُرجح أن يتسرب الكثير عنه خلال الفترة المقبلة.
لكن لماذا يُلاحق النظام السوري رجال الأعمال “الأمنيين” في هذه اللحظة بالذات، أي بعد السيطرة بالكامل على محيط دمشق والحديث عن اقتراب نهاية الحرب، أو على الأقل بدء مرحلة “الجبهات المستقرة” كما تُسمى (شمالاً وشرقاً وجنوباً)؟
هناك احتمالان مُرجحان. أولاً، يُحاول النظام لي ذراع كل رجل أعمال يتلكأ في تفكيك الميليشيات بالكامل. جابر على سبيل المثال، يتمتع بعلاقات جيدة مع جنرال روسي، وحتى مع القوات الايرانية، وربما شعر في لحظة ما بقدرته على تخطي النظام، وبالتالي بات من الضروري تحجيمه.
ثانياً، بدأت مرحلة اعادة الإعمار بخجل شديد. والانطلاقة في هذا المجال، ضرورية للنظام، إذ تُمثل مدخلاً للعودة إلى الساحة الدولية. ومحاصرة أيمن جابر بهذه الطريقة، قد تُمثل رسالة الى بقية رجال الأعمال، وفقاً للمثل الانكليزي القائل “اقتل الدجاجة كي يتفرج القرد”. وبالفعل، كان موقع “التقرير السوري” الاقتصادي قد نشر أن مجموعة من أثرياء الحرب من بينهم قطان والحسن وصقر رستم (أحد أقارب الحسن وقائد الدفاع الوطني في حمص)، أسسوا شركات لاستثمار أموال حصدوها خلال الحرب في عملية إعادة الإعمار. وهذه عملية استثمار طويلة الأمد، ولا تستبدل أرباح الحرب وسرعتها، لذا يجب تحفيز المشاركين بها بوسائل أخرى يجيدها النظام وأجهزته الأمنية.
طبعاً بالنسبة إلى الناس، أي الضحايا، النتيجة سيّان. فبحسب ما علّمنا القانون رقم 10 الصادر أخيراً، فإن عمليات اعادة الاعمار هي مصادرة أراضي الناس وممتلكاتهم بشكل شرعي. إنه التعفيش القانوني.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :