أحد الأسباب الرئيسة للإصابة بفقر الدم
كيف تعرف أنك مصاب بعوز فيتامين “ب 12”
د. أكرم خولاني
معظم الناس لديهم معرفة بأهمية فيتامين “ث” وفيتامين “د”، والمشكلات التي قد تصيب الشخص عند نقص هذه الفيتامينات في الجسم، لكن القلائل من يعرفون أهمية فيتامين “ب 12” والمشكلات الناتجة عن عوزه (نقصه في الجسم)، رغم أن نقصه من الحالات المرضية الشائعة، وهو أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بفقر الدم، لذلك فإننا سنعرّف بهذا الفيتامين وأهميته في الجسم، وأسباب نقصه، والأعراض الناتجة عن ذلك، وكيفية علاج المشكلة.
ما هو الفيتامين “ب 12” وما أهميته لجسم الإنسان
فيتامين “ب 12” ويسمى كوبالامين، هو أحد الفيتامينات الذائبة بالماء، وهو أحد المركبات التي يحتاج لها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية، ولا يستطيع تصنيعها.
ويتم تخزين فيتامين “ب 12” بالجسم في الكبد والعضلات، ويتميز بقدرة الكبد على الاحتفاظ به لسنوات، لذلك فإن أعراض نقصه قد لا تظهر على الإنسان إلا بعد سنوات من التوقف عن تناوله.
المصدر الغذائي الوحيد لفيتامين “ب 12” هو المنتجات الحيوانية، مثل اللحوم الحمراء والكبد والدواجن والبيض والحليب ومنتجات الألبان المختلفة والسمك والمحار، و هو لا يوجد في المنتجات النباتية، لذلك غالبًا ما يعاني النباتيون من نقصه.
يرتبط الفيتامين في المعدة بالعامل المَعِدي الداخلي، ليتم بعد ذلك امتصاصهما معًا كمركب في أقصى الأمعاء الدقيقة (اللفائفي)، وتتراوح الكمية الإجمالية لفيتامين “ب 12” المخزنة في الجسم بين 2 و5 ملغ عند البالغين، يتم تخزين ما يقارب 50% منها في الكبد بكميات تكفي لما يتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، بينما يخزن المتبقي منه موزعًا في خلايا الجسم.
الكمية الموصى بها التي يحتاجها الإنسان بشكل يومي من فيتامين “ب 12” تختلف حسب العمر، لكن الكمية اليومية اللازمة ضئيلة، لأن الجراثيم الموجودة في الجسم بشكل طبيعي لها القدرة على تصنيع فيتامين “ب 12”، وهي عند الإنسان البالغ 2.4 ميكروغرام/يوم، بينما تحتاج الحامل والمرضع إلى كميات أكبر وهي 2.6 و2.8 ميكروغرام/يوم على التوالي.
أما بخصوص المستوى الطبيعي لفيتامين “ب 12” في الدم، فهو يتراوح بين 180 و914 نانوغرام/لتر، ويفضل أن يكون أعلى من 500 نانوغرام/لتر، بينما وجود مستوى أقل من 200 نانوغرام/لتر يعد نقصًا في الفيتامين، في حين تعد النسبة المتراوحة بين 200 و300 من الحدود الدنيا وقد تعني وجود نقص وبحاجة إلى مزيد من التقييم.
أدوار مهمة للفيتامين “ب 12”
- الإسهام في تصنيع الأحماض النووية (DNA وRNA) والمادة الوراثية.
- يلعب دورًا مهمًا في عمليات تمثيل البروتينات، وفي تصنيع خلايا الدم الحمراء بشكل طبيعي وكميات كافية، وذلك إلى جانب الحديد وحمض الفوليك.
- الإسهام في إتمام العمليات الأيضية وإنتاج الطاقة في الجسم.
- يلعب دورًا في تكوين البروتينات والدهون المكونة لغمد المايلين الذي يحيط بالألياف العصبية في الدماغ والحبل الشوكي ويعمل على حمايتها.
- المحافظة على سلامة الأعصاب والجهاز العصبي وحمايته.
- يساعد على حماية الذاكرة والحصول على مزاج جيد.
- تعتمد عليه خلايا العظم ونخاعه وخلايا الجهاز الهضمي في نشاطها والحفاظ على صحتها.
- المحافظة على مستوى مركب الهيموسيستين ضمن الحدود الآمنة وعدم ارتفاعه، فارتفاع مستوى هذا المركب يرتبط بزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ما أسباب الإصابة بعوز فيتامين “ب 12”
نقص فيتامين “ب 12” شائع، ويقدر حدوثه بنسبة 6% لمن تقل أعمارهم عن الـ 60 سنة وبنسبة 20% لمن تتجاوز أعمارهم الــ 60سنة، ويحدث نقص فيتامين “ب 12” نتيجة قلة الوارد أو نقص الامتصاص أو زيادة الاحتياجات.
قد تحدث قلة الوارد عند الأشخاص ذوي النظام الغذائي النباتي، أو من لديه سوء تغذية، أو عند الرضع الذين ولدوا لأمهات نباتيات، ويعتبر كبار السن الذين يعتمدون نظامًا غذائيًا يعتمد على كمية محدودة من اللحوم أو منتجات الحيوانات أيضًا من الأشخاص المعرضين لنقص فيتامين “ب 12”.
قد يعود سبب انخفاض الامتصاص إلى فقر الدم الوبيل، الاستئصال الجراحي الكامل أو الجزئي للمعدة، متلازمة زولينجر- إيليسون (فرط إفراز حمض المعدة بسبب ورم الغاسترين)، فقد حمض المعدة نتيجة الاستخدام طويل الأمد للأدوية مثل مثبطات المضخة البروتونية وحاصرات مستقبلات الهيستامين كالأميبرازول والرانيتيدين، أمراض أمعاء مع تكاثر مفرط للجراثيم، الالتهاب المزمن للبنكرياس، طفيليات الأمعاء، بعض الأدوية كالميتفورمين (خافض لسكر الدم) من الممكن أن يتدخل في امتصاص فيتامين “ب 12” الغذائي، و بعض الاضطرابات الجينية، ويعتقد أن السبب الأكثر شيوعًا هو اضطراب الامتصاص في أعقاب نقص بالعامل المعدي الداخلي الثانوي لضمور الغشاء المخاطي للمعدة.
تحدث زيادة الحاجة عند المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) ولمن لديهم تحطيم سريع لكريات الدم الحمراء.
ما أعراض وعلامات عوز فيتامين “ب 12”
يتطور نقص فيتامين “ب 12” في مراحل عدة:
- يظهر في المرحلة الأولى انخفاض في مخزون الفيتامين في الجسم، فيحدث انخفاض في مستوى فيتامين “ب 12” في مصل الدم، ولكنه لا يزال في المجال السليم.
- يظهر في المرحلة الثانية ارتفاع درجة المواد المستقلبة في المصل (هوموسيستاين و/أو حمض الميثيل ملونيك) واستنفاد المخازن، فينخفض مستوى الفيتامين في الدم تحت الحد السليم.
- يظهر في المرحلة الثالثة فقر الدم ضخم الأرومات واعتلال عصبي (زوال الميالين)، وفقر الدم بعوز الفيتامين “ب 12” هو فقر الدم الوحيد الذي يترافق مع أعراض عصبية، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الأعراض النموذجية لنقص فيتامين “ب 12”والتي تشمل:
- أعراض فقر الدم مثل الوهن، والإرهاق، والدوار، والخفقان، وضيق النفس، والتنفس السريع، و شحوب البشرة.
- كدمات و نزيف ويشمل نزيف اللثة.
- تساقط الشعر.
- أعراض هضمية تشمل احمرار وتملس اللسان (علامة الكرزة)، انزعاج في المعدة، فقدان الشهية، فقدان الوزن، وإسهال أو إمساك.
- اضطرابات جسدية ونفسية تشمل حس نخز أو تنميل لأصابع اليدين والقدمين، رعشة، ترنح وصعوبة في المشي، تغيرات في المزاج (هياج وفرط استثارة، بلادة، اكتئاب)، فقدان ذاكرة، الارتباك والحيرة، وقد يحدث الخرف في الحالات الشديدة.
- ويمكن أن يحدث تلف في العصب البصري والأوعية الدموية في شبكية العين، ما يؤدي إلى ضبابية الرؤية وفقدان البصر.
- تشمل الأعراض في الأطفال الصغار: النمو المتدني، انخفاض التطور، وصعوبات في الحركة.
والجدير بالذكر أن استمرار نقص فيتامين “ب 12” دون علاج قد يؤدي إلى حدوث خلل دائم بالأعصاب لا يعود طبيعيًا بعد العلاج.
كما أن الكميات الكبيرة من حمض الفوليك يمكن أن تخفي الآثار الضارة لنقص فيتامين “ب 12” عن طريق تصحيح فقر الدم ضخم الأرومات، الذي يكون سببه نقص فيتامين “ب 12” من دون تصحيح الضرر العصبي الذي يحدث أيضًا، لذلك يمكن أن يحصل تلف الأعصاب دون أن تصاحبه أعراض فقر الدم.
كيف يشخص عوز فيتامين “ب 12”
إن تشخيص نقص فيتامين “ب 12” في الوقت الحاضر هو أمر سهل، ويتم بقياس مباشر للفيتامين في المصل، ويعتمد التشخيص عادة على مستويات فيتامين “ب 12” أقل 170-250 نانوغرام/لتر عند البالغين.
لكن إذا كان هنالك وجود لأعراض وعلامات نقص فيتامين “ب 12” مع مستويات طبيعية لفيتامين “ب 12” في المصل، فيفضل فحص مستوى النواتج المعتمدة عليه في الدم (المواد المستقلبة: هوموسيستاين وحمض الميثيل ملونيك)، وذلك لإمكانية وجود خلل وظيفي في عمل الفيتامين (بالرغم من وجود مستوياته ضمن المجال السليم)، مع وجود مستويات مرتفعة لهذه المواد، وعلى الرغم من أنها تعتبر فحوصات مكلفة، إلا أنها أكثر حساسية وفاعلية في الكشف عن نقص فيتامين “ب 12”.
ومن المتبع القيام باختبار يسمى اختبار شيلينغ لتشخيص فقر الدم الوبيل أو للكشف عن أسباب أخرى لنقص فيتامين “ب 12”.
كيف يعالج نقص فيتامين “ب 12”
يعتبر علاج نقص فيتامين “ب 12” من العلاجات السهلة وغير المكلفة، فغالبًا يتم العلاج بإعطاء حقن فيتامين “ب 12” في العضل أو تحت الجلد أو بإعطاء مكملات “ب 12” (حبوب)عن طريق الفم.
في حال وجود نقص فيتامين “ب 12” ناتج عن الإصابة بمرض فقر الدم الوبيل، حيث لا يتم امتصاص فيتامين “ب 12” من الأمعاء لفقدان العامل المساعد على ذلك، أو وجود خلل في الامتصاص لسبب ما، فيفضل استخدام حقن فيتامين “ب 12” لتعويض النقص بدلًا من الحبوب، إذ يأخذ المريض حقنة تحتوي على 1000 ميكروغرام يوميًا لمدة أسبوع، ومن ثم حقنة كل أسبوع لمدة شهر، وبعد ذلك حقنة كل شهر مدى الحياة أو حتى انتهاء المشكلة المسببة للنقص.
ويفضل استخدام حبوب فيتامين “ب 12” من قبل الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل امتصاص الفيتامين من الأمعاء، حيث يأخذ المريض حبوبًا تحتوي على جرعات تتراوح ما بين 1000 و2000 ميكروغرام يوميًا، كما يمكن الاعتماد على الحبوب للمحافظة على مستوى فيتامين “ب 12” طبيعي على المدى البعيد ومنع رجوع النقص بعد تصحيحه باستخدام حقن فيتامين “ب 12”.
إن كان المسبب يمكن إزالته، كالنقص المرتبط بالغذاء أو أخذ أدوية معينة سببت هذا النقص أو غيرها، فيجب تعديل الحمية أو إيقاف الدواء المسبب، بالإضافة إلى العلاج بالحقن أو الحبوب الفموية.
ويجب على جميع كبار السن تناول المكملات الغذائية المحتوية على فيتامين “ب 12” بشكل دوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :