بين إهانة أهل الشام وتعذيبهم: “الشعب السوري ما بينذل”
منصور العمري
منذ أيام، انتشر فيديو يُظهر عناصر من جماعة “فرقة السلطان مراد” العسكرية، يعذبون ويهينون شخصين مقيدين، أحدهما على الأقل إصابته بالغة، فيما بدا أنه “تحقيق” إثر اتهامهما بحادثة جنائية. ظهرت في الفيديو أيضًا إهانات بحق أهل الشام والغوطة، الذين نكّل بهم الأسد في أرضهم، وهجرهم إلى أراضي إخوتهم.
مع انتشار الفيديو، تصاعدت ردود الفعل الغاضبة والرافضة. أغلبها أتى احتجاجًا على توجيه شتيمة لأهل الشام، وعرّج على التعذيب والإذلال الذي تعرض له الشخصان. انجرّت بعض وسائل إعلام سورية بذات الاتجاه ولم تعطِ جرائم تعذيب وإهانة الشخصين التركيز اللازم، بينما اعتمدت النسبة الأكبر منها التعذيب كخبر رئيس. كما ظهرت بعض التعليقات التي لا تقل سوءًا عن شتائم الفيديو، كشتم المرتكبين وأهالي منطقتهم.
بعدها، انتشر في “فيس بوك” بيان، يبدو أن فرقة السلطان مراد أصدرته، لم يُشر إلى الجريمة الخطيرة وهي التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية، بل أعلن تبرئة الفرقة من الحادثة: “التصرف الفردي في التحقيق دون الرجوع للقيادة”، وأشار إلى الشتائم، و”إهانة مكون من مكونات الشعب السوري”، ولم ينص صراحة على بدء التحقيق في الحادثة ومحاسبة المرتكبين. لم يكن هذا البيان هو الأول من نوعه، بل أصدرت الفرقة عدة بيانات سابقة ولم نسمع بعملية محاسبة واحدة.
بعد البيان، ظهر أبو عزيز البكاري، في فيديو يعتذر عن كلام “ليس جيدًا” بحق أهل الغوطة، وأنه سيسلم نفسه لـ “المحكمة العسكرية التابعة” لقيادته، ولم يعتذر عن ارتكابه التعذيب مع عناصره وإهانة كرامة الشخصين، في توافق واضح مع بيان الفرقة.
ضمّت هذه الحادثة مجموعة من الجرائم والانتهاكات التي تجب المحاسبة الفورية عليها، من قبل قادة جماعة السلطان مراد. عدم محاسبة المرتكبين يُحمّل قيادة “الفرقة” المسؤولية، ويضع داعميها في خانة التواطؤ بجريمة التعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية، إن لم يضغطوا على الفرقة من أجل المحاسبة.
الجرائم والانتهاكات التي ظهرت في الفيديو
– التعذيب، وهو أي فعل ينتج عنه ألم جسدي أو نفسي لشخص ما، بقصد الحصول منه على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه فيه، أو لتخويفه. وهو ما ظهر طوال الفيديو.
– المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، وأحد أمثلتها في الفيديو، دفع أحد الشخصين بسرعة والصراخ به “اركض، اركض”.
– إهانة الكرامة الإنسانية بالقول والفعل، كالضرب بالقدم (المتعارف عليه في سوريا أن الضرب بالقدم او الحذاء هو فعل مهين).
– عدم توفير العناية الطيبة، حيث ظهر في الفيديو شخص بإصابة بالغة قرب عينه، يخضع للاستجواب. لا يجوز استجواب أي شخص قبل تقديم الرعاية الطبية اللازمة له.
– استخدام الشتائم ولغة الكراهية تجاه مجموعة بشرية. شتَم عناصر الفرقة وأهانوا مقدسات لدى الشخصين، من بينها الأم والعائلة وغيرها، كما وجهوا إهانات لعموم أهالي “الشام” والغوطة، وحمّلوا الشخصين مسؤوليات لا علاقة لهما بها شخصيًا، مثل “تسليم الغوطة” و”مطاعم في السعودية” وغيرها. أظهر السياق مواقف مسبقة وتحريضًا على مجموعة بشرية، فيما يعرف بالمناطقية السلبية التي تحمل خطورة تأجيج الاستقطاب والكراهية بين مكونات المجتمع في سوريا، وهو ما أسهم في زرعه نظام الأسد من خلال ممارساته.
مسؤوليات قيادة “فرقة السلطان مراد” والفصائل العسكرية عمومًا في سوريا
لا يتحمل المدعو أبو عزيز البكاري مسؤولية أفعاله الجرمية بالتعذيب والإهانة وحسب، بل يتحمل مسؤولية أفعال عناصره أيضًا الذين ظهروا وهم يضربون الشخصين. ينطبق الأمر على القيادات الأعلى في الفرقة ورئيسها تحديدًا.
لا يكفي إعلان الفرقة عن أن التصرف كان فرديًا، وأنه سيتم التحقيق، بل من مسؤولية القادة حسب القانون الدولي والقوانين الوطنية محاسبة المرتكبين فعليًا وليس على الورق، واتخاذ إجراءات فورية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، كأن ينص النظام الداخلي الذي تحدث عنه بيان الفرقة، على عدم التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية بأي شكل من الأشكال، لفظًا أو فعلًا. خلوّ النظام الداخلي من تعليمات منع التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية، يحمّل المسؤولية لقيادة الفرقة، بالإضافة إلى المرتكبين.
كما يجب تداول حظر التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية في برامج تدريب عناصر الفرقة المقاتلين والإداريين والموكلين بإنفاذ القوانين مدنيين أو عسكريين، وغيرهم ممن لهم علاقة باحتجاز الأشخاص أو استجوابهم.
حتى لو ثبت أن الشخصين ارتكبا مخالفة ما، يحق لهما مقاضاة المرتكب والمطالبة بالتعويض النفسي والضرر المادي عن التعذيب والشتائم والمعاملة اللاإنسانية، كتحميل تكاليف علاج المصاب للمرتكب، او الجهة المسؤولة، وأي خسائر مادية للضحايا نشأت عن هذه الجريمة.
تنطبق هذا القوانين على جميع الفصائل العسكرية والمسؤولين المدنيين في سوريا.
يتحمل القائد المسؤولية كالتالي:
إن ارتكب الجريمة بنفسه أو أصدر أمرًا بارتكابها.
إن علم بارتكاب جريمة ولم يحاسب مرتكبها.
إن لم يكن يعلم بارتكاب الجريمة، بسبب فشله في اتخاذ إجراءات تمنع ارتكابها، فهو مسؤول أيضًا.
عند تساوي الفعل الجرمي، تكون عقوبة القياديين أشد من المرؤوسين، لمسؤوليتهم الإضافية في كفالة عدم ارتكاب الجرائم، واعتبارهم قدوة لعناصرهم.
ليست هذه الحادثة الوحيدة أو الأولى من نوعها في الشمال السوري. تكرار هذه الحوادث يثبت صفة الانتهاكات وارتكاب الجرائم بلا محاسبة في هذه المناطق، ويُفقد السوريين الأمان والأمل في قوى مسيطرة تحميهم لا تعذبهم وتذلهم، بالإضافة إلى أنه يشوه ثورة السوريين التي بدأت ضد التعذيب والظلم والذل، حيث ظهر المرتكب يتحدث باسم الثورة وهو يضرب ويعذب ويهين ويشتم ويحرض، وهو أبعد ما يكون عن ثورة السوريين حين قالوا: “الشعب السوري ما بينذل”، وحين انتفضوا ضد تعذيب أطفال درعا.
مراجع
القانون الدولي الإنساني
اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :