لا تتوقف استثمارات اللاعبين في كرة القدم على المستطيل الأخضر، بل لها امتدادات أخرى وتشعبات تسهم بما يجري على أرضية الملعب، من خلال إغناء النادي وجعله قادرًا على انتداب أسماء تدعم الفريق.
ولا يقتصر دور لاعب الكرة على الملعب، إذ تسهم قيمته السوقية في دعم تعاقدات النادي مع الشركات الراعية والمانحة، وبدورها تزيد استثمارات الفريق.
شهدت الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى، مؤخرًا، توجهًا نحو الأسواق الآسيوية والإفريقية من خلال التعاقد مع نجوم وموهوبين من تلك الأسواق بهدف جذب الجماهير والشركات الراعية وزيادة جماهيرية الفريق، ما يعود على النادي بأرباح وفوائد مادية.
وتعاقد برشلونة مع اللاعب الياباني هيروكي آبي، كما تعاقد ريال مدريد مع موهبة اليابان تاكيفوسا كوبو، وفي ذات الإطار رفع نادي ليفربول أسهمه في السوق المصرية الواسعة بعد تعاقده مع محمد صلاح في الموسم قبل الماضي. هذه الاستثمارات ليست فقط للتعاقد مع لاعب موهوب يحمل إضافة نوعية للفريق، وإنما هي إضافة لها جانب اقتصادي مهم ترفع أسهم النادي.
يتصدر ريال مدريد اليوم قائمة الأندية الأعلى قيمة سوقية، مقابل برشلونة ومانشستر يونايتد، وهذا ما يضع فرق كرة القدم لهذه الأندية في قمة المنافسة على البطولات كونها قادرة على إحداث تغييرات بداخلها متى اقتضى الأمر.
ريال مدريد يتصدر أندية الكرة كأكبر علامة تجارية
استعاد ريال مدريد تاجه كأكثر العلامات التجارية قيمة في كرة القدم على مستوى العالم، وبحسب تقرير “Brand Finance“، الرائدة في مجال الاستشارات لتقييم العلامات التجارية حول العالم، فإن قيمة العلامة التجارية للنادي تبلغ 1.646 مليار يورو، متقدمًا على منافسيه مانشستر يونايتد (1.472 مليار يورو) وبرشلونة (1.393 مليار يورو) وبايرن ميونخ (1.314 مليار يورو) ومانشستر سيتي (1.255 مليار يورو) وليفربول (1.191 مليار يورو).
وتمثل أندية كرة القدم الستة أكثر من 40% من القيمة الإجمالية للعلامات التجارية في تصنيف المؤسسة، ما يشير إلى تركيز الثروة بيدها وتكوينها مجموعة من الأندية المتفوقة على حساب البقية من حيث التصنيف التجاري.
ريال مدريد ابتعد عن تصنيف “Brand Finance” نحو عشرة سنوات، إذ كان يتصدر الترتيب آخر مرة عام 2010، لتعود العلامة التجارية للنمو 27% منذ العام الماضي، وهذه الزيادة تعزى بشكل جزئي إلى فوز النادي بدوري أبطال أوروبا أربع مرات في آخر خمسة مواسم، كما أصبح أول نادٍ في العالم يكسر حاجز 750 مليون من الإيرادات في عام واحد، موسم 2017-2018، وبلغ إجمالي الإيرادات التجارية للنادي 356 مليون يورو، بحسب الشركة، أي ما يقارب 50% من مجموع الإيرادات.
لم يكن الموسم الماضي لريال مدريد ناجحًا، إذ خسر لقب دوري الأبطال والدوري المحلي وكأس الملك وفشل في استبدال كريسيتانو رونالدو، الذي توجه إلى يوفنتوس نادي مدينة تورينو الإيطالية، ولكن بالمقابل أعلن النادي عن برنامج تطوير طموح لملعب سانتياغو برنابيو ليحتل المرتبة الأولى من بين الملاعب لأكبر 50 علامة تجارية لنادي كرة قدم، وفقًا لذات التصنيف.
كيف ظهر ريال مدريد في مقدمة الأندية الأكثر ربحًا
ينتهج ريال مدريد سياسة خاصة لرفع أسهم النادي الاقتصادية، والابتعاد عن العواصف التي ضربت الكثير من الأندية في ظل الأزمات المالية المتلاحقة التي ضربت البلدان الأوروبية، لا سيما الإيطالية منها والهولندية.
وفي دراسة لمركز إدارة الأعمال الرياضية (IESE Business School) خلصت إلى أن النادي بموجب الولاية الأولى لرئيسه، فلرونتينو بيريز، توجه لاستجرار الأسماء الكبيرة (الغلاتيكوس)في عالم كرة القدم من أجل زيادة العلامة التجارية للنادي.
لم يكن هم النادي في ذلك الوقت شراء الأفضل في الميدان وإنما كانت هناك معايير أخرى، إذ توجهت الإدارة إلى استراتيجية التسويق إلى ما هو أبعد من المستطيل الأخضر، فكان الهدف حينها إنشاء علامة تجارية كبيرة لخصت برسالة مفادها: نادي ريال مدريد هو النادي الذي يكافح للفوز بجميع الألقاب الممكنة، وتحديد القيم التي تحكم جميع أعمال النادي والترويج لها بجميع إداراته (الرعاية، والتواصل، والعلاقات المؤسسية).
استراتيجية النادي كانت محفوفة بالمخاطر، لا سيما بعد التكاليف الكبيرة لانتداب لاعبين عمالقة في كرة القدم آنذاك كزيدان وديفيد بيكهام ولويس فيغو ورنالدو البرازيلي، حيث حطم النادي جميع الأرقام القياسية في عمليات الانتقال السوقية.
لم يفز بكل الألقاب التي يحلم بها ولكن علامته التجارية ارتفعت، وهذه هي الرسالة التي وجهها النادي لبقية الأندية، بأن عمليات التعاقد ليست فقط لرفع المستوى الفني وإنما هناك معايير تجارية أخرى تحقق الغرض.
وفي عام 2009 تعاقد ريال مدريد مع لاعب كان مقدرًا له أن يكون أسطورة النادي الحية، وهو كريستيانو رونالدو قادمًا من مانشستر يونايتد برقم خيالي بلغ نحو 94 مليون يورو، الذي حقق في ذات العام لشرائه عائدات مالية تفوق الـ 90 مليون يورو من مبيعات قمصان اللاعب فقط، قبل أن يحرز أي لقب.
غاب النادي موسمًا عن الساحة فعاد تجاريًا وتسويقيًا بقوة بعد تعاقده مع عدة أسماء في الصيف الحالي (الميركاتو) وعلى رأس تلك الأسماء إيدين هازارد والصربي لوكا يوفيتش.
مشروع الريال لم يكتمل فتوجه إلى آسيا عندما وقع مع الموهبة الشابة كوبو لفتح باب استثماري جديد في هذه الدول ودخول بابها التجاري العريض.
من هو تاكيفوسا كوبو
أعلن ريال مدريد الصيف الحالي عن التعاقد مع الموهبة اليابانية تاكيفوسا كوبو بعد صراع مع برشلونة وتهافت كبار اللعبة للتوقيع مع الشاب الصغير.
يتميز كوبو بموهبة كروية كبيرة، وهذا ما جعله هدفًا على بوصلة كبار الأندية، وأطلق عليه لقب “ميسي اليابان”.
كوبو لاعب ياباني يبلغ 18 عامًا من العمر، ويلعب كصانع ألعاب ومهاجم، بدأ مسيرته في عام 2010 في فريق كواساكي فرنتالي الياباني، قبل أن يتوجه للخضوع للاختبارات في نادي برشلونة، لينضم بعدها إلى أكاديمية “لا ماسيا” الخاصة بالنادي عام 2011 وكانت الانطلاقة في الفريق تحت 11 عامًا الذي تألق معه محرزًا 74 هدفًا في 30 لقاء موسم 2012-2013.
عاد كوبو إلى اليابان بحثًا عن فريق يلعب معه دقائق أكثر وانضم إلى فريق طوكيو تحت 18 عامًا وسريعًا ما صعد للفريق الرديف ثم الفريق الأول الذي شارك معه وهو بعمر 15 عامًا فقطـ، عام 2017.
قدم الشاب مستويات مميزة في الدوري الياباني بالإضافة لشخصية مميزة في الملعب ما جعل ريال مدريد يسرع بالتعاقد معه بعد تفريط برشلونة باللاعب بسبب اختراق بعض قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
تفريط برشلونة بكوبو كان بعد أن ظهر اللاعب عام 2015 في ملفات “فيفا” ضمن اللاعبين الذين تعاقد معهم برشلونة دون إكمال السن القانونية، فعوقب النادي بحرمان الفريق من التعاقدات وفسخ عقد اللاعب.
راقب برشلونة اللاعب وتطوره خلال وجوده في اليابان وكان يرى فيه أحد المرشحين لتعويض ليونيل ميسي على المدى البعيد، ولكن ريال مدريد تدخل بالوقت المناسب وخطف اللاعب بكل هدوء.
موهبة كوبو التي جعلته أحد أفضل لاعبي العالم في الفئات العمرية، تتلخص بقدرته على المراوغة بكلتا قدميه والمرور بين المدافعين بسهولة وسرعة وسلاسة وخاصة في المساحات الضيقة، وهذا ما يجعل أسلوبه قريبًا من أسلوب ميسي.
شارك كوبو في 13 مباراة في الدوري الياباني الموسم الماضي بمركز الجناح الأيمن وسجل فيها أربعة أهداف وصنع مثلها.