The spy والجمهور المستاء
نبيل محمد
بالتأكيد سيتعرض المسلسل الإسرائيلي الذي أنتجته شبكة نتفلكس للهجوم من قبل المتابعين السوريين بشكل خاص والعرب بشكل عام، وربما من غير المتابعين أيضًا، فقصة العميل الإسرائيلي الذي اخترق أكبر صالونات السياسة والأمن في سوريا في ستينيات القرن الماضي، ولعب دورًا مهمًا في إيصال المعلومات التي أفضت فيما بعد إلى عدوان الخامس من حزيران 1967 واحتلال الجولان، تُروى في هذا العمل من وجهة نظر إسرائيلية، أو لنقُل رسمية إسرائيلية، كون الجمهور الإسرائيلي أيضًا لم يعجب بالمسلسل. وبطبيعة الحال إن أي قصة ستُروى بلسان إسرائيلي هي قصة باطلة بمفهوم الصراع.
يبدو انتقاد المسلسل في الأوساط العربية بغالبيته قادمًا من هذا المصدر، لأن الاقتراب من هذا المنتج بحد ذاته خطر، فتحدثنا مثلًا عن الصورة وتقنية الأبيض والأسود القادرة على تقديم الألوان الطبيعية كما ظهرت في المسلسل قد يكون إيحاءً بمحاولة النقد الفني الطبيعي للعمل بعيدًا عن ماهيّة الجهة المنتجة. كل هذا قد يبدو خطرًا.
ست حلقات، تبدو بعيدة عن التوثيق الجدي، وقريبة من كونها مقاربة لعمل درامي يلمّع نجمًا من نجوم الحركة الصهيونية، ومحاولة لتخليد من هم أبطال في نظرهم، ولا يبدو ذلك غريبًا، فهل ستقدم إسرائيل ما تعتذر به للعرب عن اختراقها لهم مثلًا، أو ستريهم أن صواريخها تستهدف المدنيين، وجيوشها تحاصر المدن، بينما جيوشهم تستهدف الثكنات العسكرية فقط؟ لا غريبَ بالتالي فيما قُدِّم. إلا أن المستهجن وبوجهة نظر إسرائيلية هو ضعف العمل في عدد من جوانبه الفنية، وبعده عما يجب أن تكون عليه أي “دراما سياسية ونفسية بدرجة عميقة” وفق هآرتس، وثغرة استخدام اللغة الإنكليزية بلكنة أجنبية ضعيفة وفق يديعوت أحرنوت.
لا تنقل أحداث المسلسل بيئة مقنعة لدمشق في الستينيات، ولا حتى الصالونات السياسية تبدو سوريةً وفق ما يُعرَف عن دمشق في تلك الفترة، بناءً على الوثائق السورية المطبوعة أو المرئية. بل حتى هوية المؤسسة الأمنية في سوريا في تلك الفترة تبدو ملتبسة. شخصية سويداني مثلًا يصعب الاقتناع بها. فأمن البعث حينها كما هو في كل فترات حكمه، منظومة مسلَّطة على الداخل السوري، تخشى مكائد الانقلاب العسكري، وتَخلخل البنية الداخلية للنظام (خاصة في الستينيات). لذا تبدو قصة اكتشاف كوهين ضبابية في بعض تفاصيلها، لا تخلو من مبالغات في ذكاء بعض الأطراف السورية، ومبالغات في غباء بعضهم.
يتحول المسلسل في جزء من نقده، إلى بوابة لتحليل توجهات شبكة الإنتاج الفني نتفلكس، بين من يرى تغلغل الصهيونية فيها، ومن لديه وثائق عن ارتباطها بالموساد. ومن يعرف قصة كوهين أكثر من الوثيقة التاريخية سواء كانت وثيقة عربية أو إسرائيلية. هكذا يمر المسلسل وسواه من باقي الأعمال التي تؤرخ للصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة تلك القضايا الاستخباراتية الحساسة التي قد يفتح توثيقها من الطرف العربي (إن تم تقديمه بشكل نزيه) بابًا للمساءلة التاريخية، ويكشف ما نتوقعه ولا نملك دليلًا عليه.
أما عن المنتج العربي في نتفلكس أو سواها، والذي ومن باب الصراع الثقافي المستمر، يجب أن يكون حاضرًا بصورة ما، فلنا في “جن” الأردني، و”دولار” اللبناني نموذجان من هذا الحضور، ولـنا في “الهيبة” الذي اشترت نتفلكس عرضه، بوابة للنقد مفتوحة، كنماذج للمنتج الفني العربي الذي دخل العالمية من أوسع أبوابها، فكان من الضعف بمكان، يبدو فيه حضور باب الحارة على يوتيوب مهربًا يحقق راحة نسبية ما.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :