لكل مجتهد نصيب.. وإبداع
عروة قنواتي
في الظروف الصعبة يقال “معذور فلان” إن داهمته المواعيد ولم يأتِ. في الأحوال القاسية يقال “كان الله في عون فلان” إذا دخل الامتحان وطارت كل الأجوبة من رأسه، في الأيام السوداء يقال “ليس بالإمكان أفضل مما كان” لو جاء موسم الحصاد وكان الزرع قليلًا.
مقدمة أريد من خلالها أن أجد صياغة جديدة لبطاقات التعريف بحق من يعمل وينجز ويبدع في المجال الرياضي السوري، رغم مسلسل التهجير والاستبداد والقتل والتشريد الذي واجه الصف الرياضي السوري خلال سنوات الثورة ضد نظام الأسد وأجهزته الأمنية.
قبل أيام انتهت منافسات الجولة الثانية من دوري غازي عينتاب بالكاراتيه للفئات العمرية، بمشاركة عدد كبيرة من الأندية وبمشاركة سورية مميزة ليافعين وأشبال وأطفال، انخرطوا منذ سنوات في اللعبة وواظبوا مع مدربهم على التمارين والتحضيرات والمسابقات، فكانت حصيلتهم الأحزمة الملونة والميداليات البراقة.
إنجاز جديد قد يحسب للمدرب واللاعبين والفريق الصغير، قد يحسب لهيئة الشباب والرياضة السورية، قد يحسب لزملاء وشخصيات تعمل جاهدة لردم حفرة في طريق شديد الوعورة، أو إشعال شمعة في نفق تطوقه الظلمة والعتمة والشقاء.
نتائج ومراكز وميداليات تذكر بسوريا التي أردناها يومًا، وما زلنا نحلم بها بعيون الناشئين الذين اعتلوا منصة التتويج تضج على وجوههم وأجسادهم المتعبة من النزالات البسمة والفرحة والبهجة، تنتقل إلى فراشهم قبل أن يناموا وتنشد معهم نشيد الحرية في الحلم، لعلهم يصلون يومًا ما إلى المنصات العالمية الدولية رجالًا وسيدات بهوية رياضية سورية حقيقية.
أسأل المدرب عن ساعات العمل الطويلة في البطولة فيقول، “الأمر متعب.. تشعر وكأننا نمضي في عمق البحر من دون شراع، وقد يجن جنون الموج في أي لحظة، نشد من عزيمة بعضنا، نواسي الخاسر ونكبر فيه شجاعته على البساط، ونفرح جميعًا للمتأهل والرابح وكأنه عريس الليلة في العائلة حتى نصل إلى بر الأمان”.
أعرف تمامًا ما يجول في داخل هذا الشاب، وغيره من المدربين الشباب الذين التقيت بهم خلال سنوات الثورة، وقد كانوا يومًا عماد منتخباتهم الوطنية في سوريا، أو لاعبين يعول على مستقبلهم، فصاروا ثائرين مناضلين محاربين مطاردين مشردين، تدور الأيام لتعود بهم قادة في الكاراتيه والكيك بوكسينغ وإنجازاتها، في السباحة وألقها، في الكونغ فو وشجاعتها، في تنس الطاولة وهدوء وتركيز أبنائها… من لاعبين ومدربين ومشرفين وصناع حقيقيين للجيل القادم خارج البلاد، التي ما زال المجرم الأكبر يصول ويجول على دماء شعبها ومقدراتهم.
لن أستفيض في المديح، الذي وإن استفضت به لن أعطي أي مدرب وأي صالة وأي مسابقة شارك بها سوري ثائر حقه، وسأترك الأيام تحكم بين الحقيقة والدجل، وبين الظلم والعدل وبين الإخفاق والانتصار… لأن المجتهد والمبدع سيقبل ظروف النزال والصراع مهما كانت النتائج. ولكل مجتهد نصيب وإبداع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :