الولاء لمن يدفع أكثر.. من هم المرتزقة؟
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
ساد مصطلح “المرتزقة” في سوريا خلال سنوات النزاع الماضية، نتيجة اتهام كل طرف للآخر بتجنيد مقاتلين من بلدان أخرى في صفوفه، وخاصة من قبل النظام السوري، الذي ركز على تصدير صورة انضمام مقاتلين أجانب إلى الفصائل والتشكيلات التي تقاتل ضده، وفي المقابل صدرت تقارير من قبل منظمات حقوقية دولية تؤكد وجود مرتزقة جندتهم إيران وروسيا في سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام.
خلال الأسابيع الماضية انتشرت تسجيلات مصورة لمقاتلين سوريين يقاتلون إلى جانب قوات “حكومة الوفاق” في ليبيا، كما تحدثت تقارير إعلامية عن نقل مئات المقاتلين السوريين من ريف حلب إلى ليبيا عبر تركيا.
حكومة “الوفاق” الليبية، المعترف بها دوليًا، نفت وجود مقاتلين سوريين يقاتلون تحت إمرتها، وفي مقابلة أجرتها عنب بلدي مع الناطق باسم وزارة الخارجية في الحكومة، محمد القبلاوي، في 29 من كانون الأول 2019، قال إن وزارة الدفاع ليست بحاجة إلى مقاتلين أجانب.
كما نفى “الجيش الوطني” السوري التابع لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” إرسال مقاتلين، ولم تعلّق تركيا بشكل رسمي على القضية.
بينما نقلت وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر تركية وصفتها برفيعة المستوى وجود نية لإرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا.
ومع غياب تأكيد بإرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا بشكل رسمي، ورفض شعبي واسع من قبل سوريين لهذه الخطوة، تُطرح تساؤلات حول الصفة التي يمكن إطلاقها على هؤلاء المقاتلين في حال توجههم إلى ليبيا، والأسباب التي تدعوهم للقيام بذلك، إلى جانب العقوبات التي يمكن أن تطالهم.
المرتزقة.. الولاء لمن يدفع أكثر
بحسب الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، الصادرة عن الأمم المتحدة في كانون الأول 1989، فإن المرتزق هو “أي شخص يُجنَّد خصيصًا، محليًا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي عبر مكافآت تقدم له من قبل طرف من أطراف النزاع”.
كما تضمنت الاتفاقية صفة المرتزق بأنه ليس طرفًا من طرفي النزاع وليس من أفراد القوات المسلحة للطرفين، ولم توفده دولة ليست طرفًا في النزاع بمهمة رسمية، إضافة إلى أن هدفه هو مغنم شخصي و”الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخرى”.
وباختصار التعريفات التي تضمنتها الاتفاقية، التي تضم 21 مادة، فإن المرتزقة هم أشخاص يتم تجنيدهم من قبل دولة ما ليحاربوا من أجلها في دولة أخرى بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
واعتبر مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أن من يذهب من المقاتلين السوريين إلى ليبيا “مرتزقة”، متسائلًا ما هو دافع أي سوري للقتال في ليبيا تحت راية تركيا سوى الحصول على إغراءات مالية.
وتحدث الأحمد لعنب بلدي أن الدول أصبحت تعتمد على مقاتلين مرتزقة غير جنودها للقتال باسمها في دولة أخرى لتحقيق مكاسب سياسية، لأن مقتل الجنود النظاميين يؤثر على الرأي العام والانتخابات فيها.
وتتعدد الأسباب التي تدفع المقاتلين للقتال تحت راية دولة ما في أرض غير أرضهم، منها مكافآت مالية قد تصل إلى مئات الدولارات خاصة في ظل التدهور الاقتصادي التي تعاني منه الدولة التي ينتمي إليها المقاتل، ما يجعل انتماءه إلى الطرف الذي يدفع أكثر، إلى جانب وعود المقاتل بالحصول على جنسية البلد الذي يقاتل تحت رايته عند عودته من القتال.
متى بدأ الاعتماد على المرتزقة؟
مصطلح المرتزقة ليس جديدًا، بل تعد الظاهرة قديمة واتبعتها دول وإمبراطوريات على مدى القرون الماضية، كما فعلت الإمبراطورية الفرعونية المصرية أو البريطانية، وكان هاجس المقاتلين الأول والأخير كسب المال فقط، بحسب ما يقوله الباحث باسل يوسف النيرب، في كتابه “المرتزقة جيوش الظل”.
ورصد الباحث في كتابه الصادر في عام 2008 تنامي ظاهرة المرتزقة في مناطق الصراع الساخن، إما “حفاظًا على حياة الجنود النظاميين، أو لأن الجنود النظاميين غير قادرين على الإمساك بزمام الأمور والسيطرة على المناطق الملتهبة، وحتى عندما يُقتل (المرتزق) أو يُسحل في الشوارع ويحرق، أو حتى يقع في الأسر، فلا أحد ينعاه، أو يجمع رفاته، أو حتى يفاوض من أجل إطلاق سراحه”.
أما في العصر الحالي فقد انتشرت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة (غير الحكومية)، التي تجند مقاتلين وتدفعهم للقتال في دول أخرى، مثل شركة “بلاك ووتر” الأمريكية التي قاتلت في العراق.
مرتزقة في سوريا
شهدت سوريا وصول مرتزقة روس عبر مجموعة “فاغنر”، وهي الاسم الرسمي لشركة عسكرية خاصة تجند المرتزقة الروس وتدربهم ثم ترسلهم للقتال، وهي أقرب إلى التشكيل المسلح الذي يؤدي مهام الجيش نفسها، لكنه منظم وممول من أفراد وليس من الدولة.
وكانت صحيفة “إر بي كا” الروسية الخاصة قدرت نفقات روسيا على مشاركة المرتزقة في العمليات بسوريا بما يزيد على 150 مليون دولار، حتى تاريخ نشر المقال في أيلول 2016.
وتبدأ أجور عناصر “فاغنر” من حوالي 1500 دولار في أثناء التدريب بقاعدة “مولكينو” جنوبي روسيا، وتصل إلى خمسة آلاف دولار في أثناء المشاركة بالعمليات في سوريا، بحسب الصحيفة.
كما جندت إيران عشرات الآلاف من المقاتلين من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان لدعم النظام السوري.
واستغلت إيران الوضع القانوني الهش للاجئين الأفغان لديها، الذين تقدر أعدادهم بحوالي 2.5 مليون، وجندت أطفالًا بعمر 14 سنة للقتال في سوريا، وقدمت حوافز عن طريق عرضها تقديم الجنسية الإيرانية لعائلاتهم في حال توفوا أو أُصيبوا أو أُسروا خلال مهماتهم العسكرية، بحسب ما ذكرته منظمة “هيومن رايتس ووتش“.
قوانين ضبابية للمرتزقة
على الرغم من تحذيرات أممية للدول بعدم تجنيد المقاتلين المرتزقة واتخاذهم وسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب المجازر والجرائم، إلا أن القوانين التي تحكم هذه الظاهرة لا تزال ضبابية تعتمد على المناخ السياسي القائم، إذ لم تتم محاكمة أي مرتزق بشكل علني وواضح من المحاكم الدولية حتى اليوم.
وأشارت الاتفاقية الدولية الخاصة بتجنيد المرتزقة إلى أن “تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم ينبغي أن يعتبر جرائم تشكل موضع قلق بالغ لجميع الدول، وأن أي شخص يرتكب أيًا من هذه الجرائم ينبغي إما أن يحاكم أو يُسلّم”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :