خاطرة.. والدي المعتقل
والدي…
لستُ بأديبة، ولا كاتبة، ولا شاعرة، ولن أستطيع أن أصوغ تلك العبارات المنمّقة ذات الحس العالي والوزن الرفيع.
لكنني فتاة عربية سورية حرّة، ذاقت مرّ النظام ووحشيته، وشربت من علقمه كما شرب الكثيرون، وكتمت في قلبها ما باتت عاجزة عن إخفائه وحبسه.
ومهما كتبت، ومهما ذرفت من دموع، لن أخفف عن معتقل كلمة “آه” واحدة، ولن أنسيه ضربة سوط رسمت على جسده درب الحرية، ولن تمحو كلماتي ذكريات ليلة قضاها في أقبية الظلم والاستبداد.
فكيف إذا كان هذا المعتقل هو أغلى إنسان على قلبي، رمز قوتي وبريق أملي؟!
والدي…
لو تعلم كم كانت صعبة تلك الأيام التي قضيناها في غيابك.
تبعثرت أحاسيسنا، وانهمرت عبراتنا حزنًا وألمًا، وعزًّا وفخرًا بك.
عشنا لحظات الانتظار ونحن نترقب مجيئك. لم نيأس يومًا من رحمة ربنا، فكان وعده صادقًا، وكان دعاؤنا مستجابًا… وعدتَ إلينا.
لكن… لم أشعر يومًا بحزن يضاهي حزني عند رؤيتك بعد خروجك من سجون الظلام. لم أستطع حتى النظر في عينيك، فقد كانتا تخفيان ألمًا وجرحًا عميقين، وتظهران أملًا وشعاعًا عجزت عن تفسيره.
لم أستطع النظر إلى تقاسيم وجهك، التي كانت تحكي قصصًا وروايات أتعبت قلبك.
ورغم كل ذلك، ابتسمت… نعم، ابتسمتَ بكل هدوء، وقلت: “أنا بخير”.
عانقتك طويلًا، وقبّلت يديك وقدميك، علّني أستمد شيئًا من قوتك وصبرك وعطائك.
لم أستطع أن أتخيل يومًا أن هناك من تجرأ على ضربك! لكن ما رأيت ذلك إلا وقد زادك قوة وصبرًا.
ولم أستطع أن أتخيل أن هناك من تجرأ على إهانتك! لكن ما رأيت ذلك إلا وقد زادك عزًّا وكرامة.
أعلم جيدًا أن جرحك عميق، وأن همك كبير، وأنك لن تنسى يومًا واحدًا قضيته في زنزاناتهم، لكنك، كأي معتقل حر، تعلم أن النصر بات قريبًا، وتدرك أن بزوغ شمس الحرية كفيل بأن ينسيك ما مررتَ به من معاناة.
شكرًا لك، والدي… كلمة أشعر بالخجل عند قولها، لأنها لن تفيك حقك.
بصدق، إنني فخورة بك وبكل تضحياتك… يا سندي وقوتي، ورمز عزتي وشموخي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :