من السويداء إلى إدلب.. السوريون يتبادلون التحية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

بعد 20 عامًا على وفاة حافظ الأسد، لا تزال كوارثه تتحكم بالسوريين وتشتتهم، حتى وصلت أخيرًا إلى تسليم سوريا حافية وجائعة للإيرانيين والروس.

فقد مرت قبل أيام ذكرى وفاة حافظ الأسد، في 10 من حزيران عام 2000، وتلتها مسرحية توريث ابنه التي كرّست حكم نظام المخابرات حتى قيام ثورة 2011، التي لا تزال رغم كل المآسي تهزّ النظام وتطالب بإزالة هذه التركة الاستبدادية.

أعادت مظاهرات السويداء في الأسبوع الماضي الروح إلى جمهور الثورة، ونفخت في الجمر المتقد تحت الرماد، لتعيد للسوريين الأمل بانتصار إرادتهم ضد سطوة أجهزة المخابرات، وضد جيش البراميل المتفجرة الذي مزق البلاد وسلمها للمحتلين الروس والإيرانيين.

ووسط الجوع وانهيار الليرة بمعدلات غير مسبوقة، صمت المحتلون الروس والإيرانيون، ووقفوا لا يحركون ساكنًا لدعم الليرة أو محاولة إنقاذ النظام من الانهيار الاقتصادي المروّع الذي حوّل السوريين إلى شعب من الجياع، بعدما تم تهجير نصف السكان وتدمير بيوتهم.

وبدا الروس والإيرانيون كأنهم وعدوا أنفسهم بالمكاسب والمواقع الاستراتيجية في دولة خالية من السكان، ولا يتحملون أي مسؤولية تجاه السوريين، وضاع بول بريمر الروسي وسط صيحات الجياع، وصيحات أهل السويداء الذين يطالبون النظام بالرحيل وبإخلاء البلاد من المحتلين الأجانب.

ورغم هيمنة الأتراك والفصائل الإسلامية على الشمال السوري، فإن أهل إدلب ردوا تحية أهالي السويداء بمثلها، وأعادوا شعارات ثورة الحرية، وطالبوا برحيل كل القوات الأجنبية العدوة، وغير العدوة، في مطلب وطني يدهش القوى التي باعت نفسها للتمويل أو للمحتلين بكل أنواعهم. فالوطنية السورية جزء أساسي من ثورة السوريين، ولم تتخلَّ الثورة عنها رغم كل تهديدات النظام ونهجه الطائفي، ورغم كل تهديدات التنظيمات الإسلامية التي تحلم بأوهام الخلافة وإعادة الإرث العثماني أو إعادة الماضي المدفون تحت التراب، الذي صار مجرد تاريخ. ومهما بدا الماضي برّاقًا، ومهما بدا جذّابًا، فإنه غير قابل للعودة إلى الحياة مهما كذبنا على أنفسنا أو على جمهورنا من المتدينين الطيبين.

الأفخاخ التي بناها حافظ الأسد للسوريين، وملأ بها أجهزة الدولة والجيش والإدارات العامة، لم تعد مُجدية لاستمرار النظام، ولم تعد مُجدية كل تلك الاتفاقات والمؤامرات التي نسجها مع الدول الأخرى لتأمين أبديته، ولاستمرار أوهامه الطائفية في حكم السوريين، فقانون “قيصر”، الذي سيدخل حيّز التنفيذ في 17 من حزيران الحالي، سيمزق كل التواطؤات الدولية مع نظام التعذيب، وسيضغط من أجل قبول النظام بقرارات الأمم المتحدة التي تفرض وقف تعذيب السوريين والبدء بالتغيير السياسي.

وكذلك حلف الأقليات الذي أسس له الأسد الأب ورعاه ابنه مع الإيرانيين ومع الروس، يتهاوى اليوم بعد صيحات أهالي السويداء الذين لم تنطلِ عليهم عمليات الابتزاز والوعود الخلّابة التي كذب بها على مكونات نظامه، والتي أجج بها العدوانية ضد السوريين بوصمهم جميعًا بالإرهاب، وبالعمالة.

أما الانشقاق الكبير الذي أعلن عنه رامي مخلوف، فكان صدمة كبيرة لعائلة الأسد ولمكونات النظام، وقد تبع ذلك الانشقاق التهاوي الكبير لليرة السورية، فعائلة مخلوف صارت تفكر جديًّا بالانفصال عن عائلة الأسد، وتدعم ذلك بنفوذها المالي الذي نهبته من السوريين، وبميليشيات الحزب “القومي السوري”، وجمعية “البستان” وغيرها، وتحاول استعادة تاريخها الإقطاعي الذي كان يجعلها فوق عائلة الأسد. وهذا ما أثار غضب عائلة الأسد، وأثار بالمقابل غضب القوميين السوريين الذين لا يزالون يقفون إلى جانب عائلة مخلوف، وقد اعتصموا خلف صور الزوبعة في حساباتهم على “فيسبوك” ليتجنبوا الهجوم على آل مخلوف.

وفي الشارع صار الصوت يرتفع عاليًا حتى في أوساط المؤيدين ضد استمرار بشار الأسد بالكارثة التي يديرها ضد السوريين، وكان للفيديو الذي أصدرته الدكتورة وفاء سلطان أثر مهمّ في أوساط مؤيدي النظام، بالإضافة إلى تصريح فواز رفعت الأسد عبر صفحته في “فيسبوك”، بأن بشار الأسد لن ينجح بأي انتخابات سوريّة، وبأنه حتى لو ترشح في انتخابات داخل القرداحة فلن ينجح في تلك الانتخابات.

صيحة السويداء، التي ردت عليها مظاهرات إدلب ودرعا وريف دمشق، أعادت للوطنية السورية بهجة الفرح والأمل، وكنا نأمل لو أن ترحيبًا مماثلًا قد صدر في الحسكة والقامشلي، وبعيدًا عن التعنت القومي ومحاولة الاستيلاء على منطقة شرق الفرات، فالحوار الذي يجري بين الأحزاب الكردية مهمّ ولا بد منه، ولكنه بكل أسف بدا وكأنه يستخف بالوطنية السورية، ويدين بالولاء للأمريكيين والفرنسيين أكثر مما ينظر بعين القبول إلى الاندماج ضمن الوطن السوري، أو يطالب بصيانة حقوق المواطنة خارج التمييز العرقي وخارج دائرة المعارك اللانهائية ضد العرب بوصمهم بالدعشنة وبالبعثنة.

صيحة أبناء السويداء يتردد صداها في قلوبنا وفي أرجاء بلادنا، وهي حتمًا ستشمل سوريا بكل أبعادها من غربها إلى شرقها ومن جنوبها إلى أقاصي الشمال السوري، وستمزق أحلاف الأقليات الطائفية، وأحلاف الخلافة العثمانية، وأوهام إعادة الماضي والتبجح به.

ولا يمكن لأحد أن يتجاهل إرادة السوريين مهما بدا اليوم قويًا أو مدعومًا من هذه القوى الخارجية أو تلك، فسوريا لكل السوريين، ولكل من يرضى العيش فيها بسلام!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة