لافروف والأسد بين زيارتين.. الأولى دعم والثانية تقييد

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد ووزير الخارجية الروسي سيرغي الفروف (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

بعد ثماني سنوات منذ زيارته الأولى في 2012، يعود وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى العاصمة دمشق، خلال الساعات المقبلة، للقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في زيارة قد تحمل في طياتها رسائل سياسية استراتيجية وعسكرية.

بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر دبلوماسية، فإن لافروف سيزور سوريا الأسبوع المقبل، وستتركز الزيارة على مكافحة الإرهاب، ومناقشة القيادة السورية بشأن نتائج عمل اللجنة الدستورية.

في حين نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، عن مصدر دبلوماسي روسي، أن وفدًا روسيًا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا يضم شخصيات بارزة سيقوم مطلع الأسبوع المقبل بزيارة إلى دمشق.

ووصف المصدر الزيارة بـ”المفصلية”، وتهدف لإجراء مناقشة شاملة حول الملفات المتعلقة بالوضع في سوريا مع رئيس النظام.

وفي ظل صمت الخارجية الروسية حول ما تتداوله وسائل الإعلام وعدم تأكيدها الزيارة، فإن إيفاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وزير خارجيته، بعكس المرات السابقة التي كان يرسل فيها مبعوثه ألكسندر لافرنتيف، تنبئ بأهمية ما يريد بوتين إيصاله.

فتح الباب السوري أمام الروس

زيارة لافروف ستكون الثانية منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، إذ كانت الأولى في 7 من شباط 2012، برفقة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية لروسيا، ميخائيل فرادكوف، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف.

ومن العلامات الفارقة في الزيارة الأولى الطريقة التي استقبل بها النظام السوري لافروف، إذ حشد المئات من طلاب المدارس والموظفين الحكوميين في مدخل دمشق الجنوبي بمنطقة المزة للمشاركة في استقبال شعبي رُفعت خلاله الأعلام الروسية، وهو ما يخالف البروتوكول المعمول به في استقبال الوزراء الأجانب.

وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط“، فإن أولى الكلمات التي أطلقها لافروف خلال لقائه الأسد قوله، إن “كل حاكم في كل بلد يجب أن يعي ما يقع عليه من مسؤولية، وأنتم (الأسد) تعون هذه المسؤوليات”، إلى جانب بدء مسلسل التصريحات التي تدعو إلى إيجاد حل سياسي، ودعوة للحوار الوطني دون تدخل أجنبي.

لكن رغم إبداء لافروف حينها استعداد روسيا لـ”المساعدة في الخروج من الأزمة السورية في أقرب وقت ممكن”، بحسب قوله، فتحت الزيارة باب الأراضي السورية على مصراعيه أمام التوغل الروسي عسكريًا وسياسيًا، لتفرض موسكو نفسها عرّابة الحل السياسي للقضية السورية.

وأسهمت روسيا في سيطرة قوات النظام السوري على مساحات واسعة من يد فصائل المعارضة السورية، منذ تدخلها الرسمي عسكريًا في أيلول 2015، وقتلت صواريخها آلاف المدنيين، كما دعمت سياسات التهجير تحت مسميات (المصالحة الوطنية) التي شردت آلافًا آخرين من منازلهم.

كما تعرقل منذ سنوات أي حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف ووفق القرار الدولي 2254، في حين رعت محادثات “أستانة” إلى جانب تركيا وإيران، فضلًا عن لعبها دورًا في المعارضة السورية من خلال إقحام منصات تصف نفسها بـ“المعارضة”، تدعمها بما يعرف بـ”منصة موسكو”.

ثلاثة أسباب وراء زيارة لافروف

أما الزيارة الحالية فتأتي في ظل تطورات متسارعة يشهدها الملف السوري على الصعيد السياسي، بعد هدوء في الملف العسكري منذ قرابة ستة أشهر عقب الاتفاق التركي- الروسي في الشمال السوري، في آذار الماضي.

وخلال الأيام الماضية، شهدت الساحة السياسية السورية تحركات دبلوماسية، عبر عقد لقاءات بين ممثلي الدول الداعمة للملف السوري وشخصيات معارضة بمختلف داعميهم.

ووسط هذه التطورات، تأتي زيارة لافروف على رأس وفد يضم شخصيات عسكرية وسياسية واقتصادية، بهدف إجراء نقاشات حول ملفات مفصلية، وأهمها العملية السياسية وجولات اللجنة الدستورية، التي اختممت الجولة الثالثة منها الأسبوع الماضي.

ويرى الإعلامي السوري والخبير في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، أن زيارة لافروف إلى سوريا مرتبطة بالتطورات الأخيرة في الملف السوري بشكل وثيق، إذ تأتي بعد أسبوع من انتهاء الجولة الثالثة من جلسات اللجنة الدستورية في جنيف، التي حظيت بـاستحسان من قبل الأمريكيين والروس، ومن قبل وفد المعارضة أيضًا الذي سجل تغيرًا إيجابيًا ملموسًا في مقاربة وفد النظام بعمل اللجنة، الأمر الذي يوحي بأن النظام تلقى تعليمات بضرورة أن يكون أكثر جدية في التعامل مع المستحقات الدستورية.

واعتبر اليوسف أن الجولة الثالثة من جلسات اللجنة الدستورية تبعث لدى المراقبين انطباعًا بأن ثمة في الأفق ما يؤكد أن الروس بدؤوا يغيرون من تصرفاتهم في الملف السوري.

وأشار اليوسف إلى ثلاثة أسباب تقف وراء تغير الموقف الروسي، وتجعل الرئيس الروسي يوفد وزير الخارجية شخصيًا، وليس أحد نواب وزير الخارجية، كما كان سابقًا، الأول يكمن في أن بوتين معني بتقديم شيء إيجابي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يزيد من حظوظه في كسب الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويفضل الروس ترامب على أي رئيس ديمقراطي، وخاصة المرشح الحالي جو بايدن، الذي تربطهم به علاقة سيئة، إذ يعتبرونه عراب الثورة التي حصلت في أوكرانيا سنة 2014، وأطاحت بـ”رجل” موسكو، فيكتور يانوكوفيتش.

وكان تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 4 من أيلول الحالي، تناول السياسة الواجب على بايدن اتباعها في سوريا، في حال وصوله إلى سدة الحكم.

وذكر التقرير أن حملة بايدن الانتخابية تَعِد بزيادة المشاركة الأمريكية في سوريا، وزيادة الضغط على رئيس النظام السوري لتوفير العدالة والأمان للشعب السوري، لكن هذه الوعود سمع بها السوريون منذ عقد من الولايات المتحدة، ولم يتم الوفاء بها.

وأضاف أن تعليقات بايدن العلنية حول سوريا كانت نادرة، وكان قد أشار إلى نيته إبقاء وجود “صغير” للقوات الأمريكية في سوريا، في حال انتخابه، مشيرًا إلى أن إدارة بايدن ستعيد الانخراط في سوريا دبلوماسيًا، وستزيد الضغط على الأسد، وتمنع الدعم الأمريكي لإعادة إعمار سوريا حتى يوافق رئيس النظام على وقف “الأعمال الوحشية” التي يرتكبها.

أما السبب الثاني للتغير الروسي، بحسب اليوسف، فيكمن في الزيارة التي قام بها المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى موسكو قبل أيام، إذ قال اليوسف إن بيدرسون أبدى ملاحظات على أداء وفد النظام السوري خلال اجتماعات اللجنة الدستورية، وقدم طلبات محددة بهذا الشأن، وبالتالي فإن لافروف سيذهب إلى دمشق متسلحًا برغبة القيادة الروسية بدفع التسوية عبر دفع اللجنة الدستورية إلى الإمام، وبملاحظات وطلبات بيدرسون، وسيحث رأس النظام السوري على مواصلة تطوير أداء وفده إلى اللجنة الدستورية.

أما السبب الثالث وراء زيارة لافروف، فيكمن في التوتر الجديد الذي طرأ بين روسيا والغرب على خلفية تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، واتهام الغرب روسيا بقمع حرية التعبير بطريقة غير مقبولة نهائيًا، وباستخدام السلاح الكيماوي.

وقد صدرت تصريحات من كبار المسؤولين الغربيين يطالبون فيها روسيا بالتعاون بشكل جدي مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، في التحقيق بما جرى لذلك المعارض.

وليس مستبعدًا أن يقدم الروس للغرب نوعًا من الرشوة ( في تحريك الملف السوري)، لكي تكون العقوبات المنتظرة مخففة، بحسب اليوسف.

واختتم المحلل السياسي حديثه بتوقعات أن “هذه الأسباب مجتمعة تسمح بالتنبؤ بأن ثمة حلًا قادمًا للكارثة السورية، ربما يعلن عنه قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية”.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة