فيلم “A SEPARATION”.. الغوص عميقًا في الواجب الذي يفرضه الحب
ينطلق المخرج الإيراني أصغر فرهادي، في فيلمه “A SEPARATION”، من صراع خفي بين الوجه القديم المتمثل بماضي إيران، والوجه الجديد المستقبلي الذي ينظر باتجاه الغرب.
ويستمد فرهادي موضوع فيلمه الذي كتبه بنفسه، من الأسرة الإيرانية التي كانت مادة دسمة في كثير من أفلامه، فالحكاية تبدأ من مشهد في قاعة المحكمة، يجمع الزوج نادر (بيامان ماضي)، والزوجة سيمين (ليلى حاتمي)، التي تطلب الطلاق من زوجها لرغبتها بالهجرة إلى أوروبا، في ظل تمسك زوجها بالبقاء في البلاد لرعاية والده العجوز المصاب بمرض “ألزهايمر”، والذي يؤدي دوره الممثل علي أصغر شهبازي.
يمثل القاضي هنا وجه السلطة الإيرانية المستبدة التي تنكر واقع الوضع المعيشي الصعب في البلاد، وبدا ذلك بوضوح عند سؤال القاضي الزوجة عن سبب رغبتها بالهجرة، وحرمانها من التعبير عن رأيها، ورفع الجلسة دون بت في القضية.
يشكل هذا المشهد تمهيدًا للانقلاب الذي سيتبعه في أسرة نادر، إذ يضطر نادر لاستقدام خادمة اسمها رضية (سارا بيات) لرعاية العجوز المريض، وتضطر راضية لربط العجوز في السرير لتذهب إلى الطبيب إثر تعرضها لألم في البطن كان تمهيدًا لإجهاضها فيما بعد.
على خلفية ذلك، ينشب خلاف بين رضية ونادر الذي يدفعها أمام باب منزله ويتهم بالتسبب في إجهاضها، ليلاقي آثار هذا الاتهام في نظرات ابنته تيرمة (سارينا أصغر فرهادي)، ورد فعل زوج الخادمة العاطل عن العمل حجي (شهاب حسيني).
رسائل لا تنتهي يقدمها النص على لسان حجي، الذي يستشعر احتقار الناس لشخصه دون أن يبدر منهم ما يشي بذلك، ليس دلالة على فجوة طبقية اقتصادية، بل على فجوة معرفية وثقافية تقسم المجتمع إلى قسمين، حتى بطريقة الحديث.
وتبدو واضحة هيمنة السلطة الدينية، رغم النزوع والميل الفطريين لمساعدة الآخرين، وتجلى ذلك عند استفتاء رضية لمكتب “الإمام” عن إمكانية مساعدة والد نادر، العجوز المريض، في تنظيف نفسه، بعد أن تبول لا إراديًا في ملابسه.
تتكاتف المشاكل وتتطور بين الخادمة وزوجها من جهة، ونادر من جهة أخرى، فالموظف المشدود إلى رعاية والده المسن، يجد نفسه ملفوفًا بدعوى قضائية من قبل الخادمة، قد تتسبب بسجنه لثلاث سنوات، وأمام ذلك يحارب نادر لقلب الكفة لمصلحته ليتمكن من البقاء قريبًا من والده وابنته، بعدما غادرت زوجته المنزل تمهيدًا للانفصال عن زوجها.
لا أشرار في هذا العمل، ولا مُدانين أخلاقيًا في وقت يكثر فيه الضحايا، فحتى حجي الذي سيبدو الأكثر عنفًا وخروجًا عن السياق، مدفوع بضغوط البطالة والفقر والحاجة.
ولا يلجأ فرهادي في فيلمه هذا إلى الموسيقى التصويرية، حتى لا تتسبب من دون قصد بتوجيه عاطفي استطاع النص وانفعالات الممثلين الصادقة إيصاله ببلاغة، وهذا ما يقوله بكاء طاقم العمل في كواليسه.
https://twitter.com/hakeemdentist/status/896804028004290560
حصد الفيلم الصادر في 15 من شباط عام 2011 في برلين، وفي 16 من آذار من العام نفسه في طهران، عشرات الجوائز السينمائية الدولية، ومن بينها جائزة “أوسكار” لأفضل فيلم ناطق بالأجنبية في عام 2012، وجائزة “الدب الذهبي” في مهرجان “برلين” السينمائي، وهو أول عمل إيراني يحظى بهاتين الجائزتين، وهو أول فيلم إيراني يُرشح لـ”أوسكار” بعد فيلم “أطفال السماء” عام 1998.
ونال الفيلم المرتبة الـ21 في قائمة “BBC CULTURE” لأعظم الأفلام بلغات أجنبية.
ويستطيع العمل بذكاء التصوير الذي أنجزه محمود كالاري، أن يُبقي المشاهد على حافة المقعد “بلغة السينما”.
ويترك المخرج النهاية مفتوحة أمام المشاهد، مع مقطوعة موسيقية ختامية للموسيقي ستار أوركي، الذي يسهم في أقل من ثلاث دقائق في طبع العمل بالذاكرة.
حاز “A SEPARATION” جوائز في مهرجان “دربان” للأفلام الدولية، ومهرجان “السينما العالمية” في لندن، ومهرجان “فجر الأفلام”، ومهرجان “أمستردام لسينما العالم”، ومهرجان “ملبورن للأفلام الدولية”، بالإضافة إلى جوائز أخرى في مهرجانات دولية مختلفة، وبلغ تقييمه 8.3 من 10 في موقع “IMDb” المختص بمراجعة ونقد الأعمال السينمائية والدرامية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :