لماذا يهرب الشباب السوري من وطنهم؟
أسامة عبد الرحيم – ريف دمشق
أربعة أعوام ونصف وشعوب العالم تشهد ما يعانيه الشعب السوري من تنكيل وتهجير واضطهاد يومي، متمثلًا بالقتل والاعتقال على أيدي النظام السوري وداعميه من دول وعصابات وأنظمة، ومقابل ذلك يزداد تشرذم المعارضة وتتعدد أجنداتها وتختلف اتجاهاتها، ثم دخلت قوى إقليمية جديدة بشكل علني إلى دائرة المعركة، حتى تحولت الأرض السورية إلى ساحة لتصفية الحسابات، وأصبحت المنطقة بأسرها تدور في دوامة سياسية وعسكرية لا يُعرف أولها من آخرها.
كل ذلك دفع السوريين للهروب من الموت، والتنقل داخل البلاد وخارجها، حفاظًا على ما تبقى من الأهل والأبناء، ممن لم تطالهم نيران الموت أو تنالهم يد الاعتقال.
في استطلاع أجرته عنب بلدي في بعض مناطق سيطرة النظام والمناطق المحررة حول فكرة السفر أو الهجرة، يقول وسام، الذي يقيم في مدينة دمشق، وهو طالب سنة رابعة في كلية الصيدلة، إنه ينوي السفر فورًا بعد التخرج، نظرًا لتردي الأوضاع الأمنية في العاصمة، وتعرضه للتضيق عدة مرات من قبل الحواجز ونقاط التفتيش التي تملأ دمشق، وذلك بسبب كونه ابن مدينة ثائرة تم تهجير جميع سكانها. كما زاد همّ “الخدمة الإلزامية” من رغبته في الهروب قبل انتهاء مدة تأجيله. ”لم يعد لنا شيء في هذا الوطن، خسرنا كل ما نملك، نعيش على راتب والدي التقاعدي الذي ندفعه مباشرة إيجارًا للمنزل، ونتدبر بقية أمورنا من مبلغ يساعدنا به إخوتي الذين يعملون في الخارج».
بينما يتذمر أسامة (30 عامًا) من الوضع المعيشي في الغوطة الغربية المحاصرة، والظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها فيها مع أسرته، التي هُجّرت منذ ما يقارب الثلاث سنوات. ويشير الشاب الحاصل على شهادة في الاقتصاد، إلى عدم قدرته على التجوال والخروج من المنطقة والعمل لأنه مطلوب على خلفية مشاركاته في المظاهرات في بلدته داريا، ويقول إنه ينتظر فتح الطريق وفك الحصار عن المنطقة ليتسنى له الخروج والسفر إلى الخارج حتى يستطيع الزواج والعمل، “خطيبتي تعيش في بلد مجاور، إلى متى علينا الانتظار، لقد دخلت الثورة عامها الخامس ولا يعلم أحد نهاية الطريق الذي سلكناه، مللنا من قرف النزاعات المستمرة بين بعض الفصائل والمؤسسات الثورية، التي باتت تتنازع على المناصب والأموال قبل سقوط النظام».
لا يخفي عصام، شاب آخر كان ينتمي لأحد الفصائل المسلحة التابعة للجيش الحر، رغبته بالسفر لما عاناه خلال عامين ونصف تحت الحصار في مدينة داريا، «مرت علينا أيام أكلنا خلالها العشب، لم أكن أرغب يومًا بالخروج من مدينتي التي طالما دافعت عنها، لم أعد أحتمل تعرض أهلي للذل والاستغلال في مناطق النزوح، كما لم أعد أحتمل تخاذل المناطق الأخرى خصوصًا المجاورة لنا، لقد دفعنا وحيدين في الساحة، داريا لم تخرج عن نفسها في الثورة، هي خرجت دعمًا لدرعا وحمص وحماه وبانياس، نحن ندفع فاتورة صمودنا لوحدنا، كنت أتمنى لو أن الجميع يدعمنا بكل قوته».
لم تبتعد آراء بقية الشباب، الذين استطلعنا رأيهم، عن هموم وسام وأسامة وعصام، فمعظمهم يرغبون بالسفر، إما للخلاص من واقع مرير يعيشونه أو هروبًا من الخدمة الإلزامية، أو رغبة في البحث عن فرصة حياة أفضل، لكن أكثر ما أشاروا إليه يأسهم وخيبة أملهم من مستقبل الأوضاع في سوريا، في ظل عدم وضوح الصورة وعجز المعارضة عن حسم المعركة، لاسيما مع تشرذمها وغياب قوة مركزية تديرها، بينما تحدث آخرون عن الإغراءات التي تقدمها بعض الدول الأوروبية، ومن بينها التسهيلات والسكن والاحترام، وهي ما تدفعهم للتفكير بالهجرة والاستغناء عن وطنهم، بحثًا عن حياة أفضل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :