تعا تفرج
أينشتاين و”الإخوان المسلمون”
خطيب بدلة
“الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه” واحد من الأشياء التي يحق لي، أنا محسوبكم، أن أتباهى بها. أعترف الآن أنني أخطأتُ عندما قلت، في عمودي السابق بصحيفة “عنب بلدي”، إن المكتب السياسي لـ”الحزب الشيوعي”، جناح رياض الترك، أراد أن يشارك في العمل “المسلح” الذي قامت به جماعة “الإخوان” في مطلع الثمانينيات، فرد عليهم “الإخوان” بقولهم: “عودوا إلى جحوركم أيها الشيوعيون”.
الخطأ، كما أوضح لي الصديق موفق نيربية، ليس في عبارة “عودوا إلى جحوركم” فهي مؤكدة، قد وردت في تسجيل صوتي للشيخ عدنان عقلة، زعيم حركة “الطليعة المقاتلة” التي انشقت عن “الإخوان المسلمون” ونفذت مجموعة من الاغتيالات توّجتها بعملية مدرسة “المدفعية” في صيف سنة 1979، ولكن الخطأ يتعلق بفكرة العمل “المسلح” نفسها، فشيوعيو المكتب السياسي كان نضالهم مدنيًا، وهذا يقودنا إلى فقرة مهمة ذكرها المحامي هيثم المالح في مقابلته على “تلفزيون سوريا”، وهي أن الفترة الواقعة بين عامي 1978 و1980 كانت فترة ذهبية بالنسبة للنضال النقابي، والنضال المدني في سوريا، ولولا أعمال العنف والاغتيالات التي نفذها الفرع الإخواني (الطليعة المقاتلة) في تلك الفترة، لتحققت للبلاد مكاسب سياسية كبيرة. ومما يجدر ذكره، كذلك، أن “التجمع الوطني الديمقراطي” الذي أُسّس في سنة 1979، ويضم خمسة أحزاب معارضة بالإضافة إلى شخصيات وطنية، كان جزءًا من ذلك الحراك المدني المهم.
وبالعودة إلى كلمة “الجحور”، لقد فاتني أن أشير، في العمود السابق، إلى أن الأفاعي والعقارب والفئران والمناجذ والصراصير هي التي تعيش في الجحور، و”الإخوان المسلمون”، ومشتقاتهم، كانوا يخاطبون بها كل مَن عداهم، لأجل الاحتقار، بالإضافة إلى صفات أخرى يستخدمونها في الحياة اليومية مثل إمَّعة، ورويبضة…
ولكن، في ثورة 2011، لم يكن في مقدور “الإخوان” استخدام هذه الصفات، لأن مَن قام بالثورة هم أبناء الشعب الآخرون، ومثلما هو متوقع، سرعان ما التحق “الإخوان” بالثورة، لأسباب كثيرة، منها انتقامية، لأن نظام حافظ الأسد، في الحقيقة، نكّل بهم وبذريّاتهم، وحكم عليهم بالإعدام منذ سنة 1980 (بالقانون 49)، ومنها أسباب يمكن القول بأنها “وجودية”، فتنظيم “الإخوان”، الذي أُسس في مصر سنة 1928، كان هدفه الوصول إلى الحكم في أي دولة ذات أغلبية إسلامية، عندما يجد الفرصة سانحة، ولذلك اتبعوا مع الحراك الثوري في سوريا أسلوب “التمكين” المعروف في أدبياتهم، ويعني أن يصبروا على الآخرين، ويأخذوهم بالحسنى، ويشاركوهم، إذا لزم الأمر، في النضال (الجهاد) ضد الحاكم، دواليك حتى يتمكنوا من زحزحته، ووقتها يطلبون من الآخرين أن يعودوا إلى جحورهم.
هل أخطأ “الإخوان” في الثمانينيات، ومن بعدهم ثوارُ 2011، حينما حملوا السلاح في وجه النظام؟ طبعًا أخطأوا، وأخطأنا، وكل من رأى النتائج يؤكد ذلك.
أخيرًا، أمضى عالمُ الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين (1879- 1955)، صاحبُ النظرية النسبية، عمرَه في البحث والتفكير والاكتشاف، واستطاع، بنظريته، أن يُحدث ثورة في العلوم المعاصرة، ومع ذلك كله لم يفهم، كما يقول، أن يكرر بعضُ الناس نفسَ التجربة، بنفس المواد، بنفس الظروف، ويتوقعوا أن يحصلوا على نتائج مختلفة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :